17 نوفمبر، 2024 11:45 م
Search
Close this search box.

الجيش العراقي السابق والجيش الحالي .. مالهما وما عليهم  – 1 / الجيش السابق

الجيش العراقي السابق والجيش الحالي .. مالهما وما عليهم  – 1 / الجيش السابق

لم يكن تأسيس الجيش العراقي في 6 ك2 1922 خطوة نشأت من فراغ بل كانت حاجة ملحة للدولة العراقية الوليدة لدرع يقيها شر العدوان الخارجي (حيث دولتا الجوار الكبيرتان ايران وتركيا لم تعترفا بها الا بعد سنوات ولكل منهما مطالبات في اراضي العراق الشمالية والشرقية ، وخطر وهابيو نجد الذين اعتادوا الاغارة بين الفينة والاخرى على وسط وجنوب البلد فينشرون الدمار والخراب والذبح باهله ) ، وتامين الاستقرار الداخلي حيث المشاكل الداخلية التي تقلق امن البلد المتمثلة بثورات العشائر ضد الدولة وصراعاتها مع بعضها ، بالاضافة الى المشاكل المذهبية والعرقية الاخرى . فكان الجيش من اولى المؤسسات المتشكلة في الدولة الحديثة .
وقد قيض ان يشرف عل ىتأسيس الجيش وتطويره في بداياته مجموعة من خيرة الضباط العراقيين الذين خدموا في الجيش العثماني ثم انضموا للثورة العربية الكبرىوالمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة  والوطنية  امثال المرحومين نوري السعيد وجعفر العسكري وياسين الهاشمي وغيرهم فغرزوا فيه النزعة الوطنية والقومية العابرة للدين والطائفة والقومية وهي السمة التي ظلت ملازمة للجيش العراقي لفترة طويلة بحيث جسد الوحدة الوطنية في تركيبته المتنوعة وتناوب قادة تركمان وعرب واكراد وداغستانيين في اعلى المناصب ، كما زرعوا فيه روح الانضباط الصارم والمهنية العالية التي صارت ميزة له بين جيوش المنطقة ، وهذه الميزة هي الاساس التي تحفظ للجيش ثباته وتماسكه في اقسى ظروف الحياة والحرب .
    كان فوج ” موسى الكاظم ” اول تشكيل للجيش الجديد ومن هذه التسمية النبيلة يتبين عمق توجهاته الوطنية واستلهامه التاريخ العربي والاسلامي في نهجه وعقيدته . واستطاع هذا الجيش وبسرعة ان يثبت قدرته في حماية الامن الداخلي والخارجي للعراق وان يشارك بدور بطولي في كل معارك العرب القومية في فلسطين 1948 وعلى الجبهة الاردنية في 1967 وفي حرب تشرين 1973 في جبهات الجولان وسيناء وان يروي ليس ارض العراق فقط وانما ارض العرب كذلك بدماء زكية لخيرة ابنائه .
وفي الحرب العراقية الايرانية ، وبغض النظر عن قرار الحرب السياسي كان الاداء المهني للجيش مشرفا فثبت لثمان سنين في ظروف طبيعية ومناخية وقتالية غاية في القسوة والصعوبة ونجح في الاختبار وان ضيعت القرارات السياسية فيما بعد ثمن التضحيات الهائلة التي بذلها الجيش شهداءا وجرحى ومعوقين .. هؤلاء من الجرم ان نبخس تضحياتهم لمجرد ان يكون هناك رأي يقول ان هذه الحرب لم تكن دفاعية او عبثية فقرار الحرب قابل للنقد التاريخي لكن تضحيات الجند غير قابلة للاهمال والنسيان او التنكر لها فالجندي خلق لينفذ مايمليه عليه الواجب العسكري والا انتفت صفة الجندية ، فما يهمنا هو دور الجيش من الناحية المهنية ولسنا بصدد مناقشة صحة قرار الحرب من الناحية السياسية . فاميركا ورغم ادانة الشعب الاميركي نفسه لحرب فيتنام غير العادلة الا ان احدا لم يمس بسوء اداء المؤسسة العسكرية ومازال لحد اليوم يقدس ضحاياها من العسكريين القتلى والجرحى والمعوقين وتدفع لهم الدولة بلايين الدولارات كتعويضات وخدمات وتسهيلات شتى . وينسحب ذلك على حرب العراق الاخيرة فبالرغم من عدم عدالتها وتوجيه النقد لبوش وادارته باعتباره صاحب القرار السياسي الا ان نقد الجيش خط احمر لم يقدم عليه احد في داخل اميركا ، حتى ان المحاكم الاميركية المشهود لها بالكفاءة والنزاهة برأت الجنود والضباط ممن ارتكبوا جرائم حرب بحق العراقيين بحجة انهم كانوا واقعين تحت ضغط القتال … تريدون امثلة اخرى : هذه هي المحكمة الجنائية الدولية لم تحاكم اي جندي وضابط صربي شاركوا في مذابح سربينيتسا في البوسنة سوى كارودوفيتش باعتباره هو من اعطى الاوامر والباقون ليسوا الا منفذين….. افلا تبخسوا حق المؤسسسة العسكرية  العراقية وتشوهوا تاريخها وتحملوها ماليس من مسؤوليتها ان حقا او زورا وتحاسبوها على ذنوب مفترضة . وهل تتوقعون ان العسكري مخير بتنفيذ ما يعجبه من اوامر ويعصي مالا يعجبه ، او أن يفر بكل بساطة الى الخارج او الى جانب العدو وكلها تعتبر في العرف العالمي جرائم كبرى تصل الى الخيانة العظمى في وقت الحرب وحكمها الاعدام .
    اسوق هذه المقدمة لا للدفاع عن الجيش ” السابق ” او تلميع صورته ، فهو ليس بحاجة الى ذلك فتاريخه ومآثره هي التي تتكلم وتسمع الذي باذنه صمم ، لكن فقط لاذكر ان الذي يشكك بالجيش انما يشكك في وطنيته وبما ان الجيش كان الجامع لكل العراقيين فان التشكيك بتاريخ الجيش يعادل التشكيك بالهوية الوطنية . فهل هناك من يشك بان تاريخ العراق وتاريخ الجيش شيء واحد مهما تخللت هذا التاريخ من هنات ومحطات سلبية هنا وهناك  سناتي الى مناقشتها الا انها لا تبرر باي حال الغاء تاريخ عمره 81 سنة بالكامل ، فالتاريخ بالتالي هو سجل للاحداث مرها وحلوها الا انه يشكل بالنهاية الذاكرة الوطنية الحية للشعب . ومن حق من فر من الميدان ومن خان وهرب ان يشكك فنحن لا نناقش هذا النفر .
     لقد تورط الجيش العراقي في متاهات السياسة كغيره من جيوش العالم الثالث . فالجيش في الدول الحديثة التكوين هو المؤسسة الاكبر والاكثر تنظيما وانضباطا من بين كل المؤسسات الاخرى وهذا ما يغري قادته الى ولوج معترك السياسة ، فكانت انقلابات بكر صدقي 1936 والضباط الاربعة التي مهدت للحرب العراقية البريطانية عام 1941 وحركة 1985 التي اطاح بها الجيش بالنظام الملكي ومشاركته في حركة 1968 ومابين هذه التواريخ جرت محاولات انقلابية فاشلة . لكن بعد 1968انقلب الوضع واصبح الجيش مؤسسة مهنية خاضعة بالكامل لسيطرة الحزب الحاكم ولم يعد له اي شأن بسياسة الدولة وقراراتها العليا ولم يكن اي من قادة الجيش مسؤولا سياسيا كبيرا في دائرة القرار الوطني منذ ذلك التاريخ وحتى الغزو الاميركي عام 2003 وهذه حقيقة يجب التركيز عليها لدحض اية تقولات تحمل الجيش مسؤولية الحروب والانتهاكات التي حدثت فيها .
ركز النظام السابق على تطوير وتوسيع البناء الكمي والنوعي للجيش لاهداف ذات صلة بتطلعاته الستراتيجية : 
اقليميا : وتتعلق بتوازنات القوى مع كل من ايران وتركيا وبالاخص ايران التي كان الشاه فيها يبني ترسانة عسكرية هائلة لتسند طموحاته الامبراطورية .
قوميا : تتعلق بالدور الريادي الذي يريد ان يلعبه العراق عربيا خاصة في الصراع العربي الصهيوني .
خليجيا : في السعي للعب دور محوري قائد وحامي في منطقة الخليج العربي الذي تعاني دوله من انكشاف جيوبوليتيكي قوي لا تستطيع الا القوة العراقية ستره .
  ساعدت واردات النفط وانفتاح العراق سياسيا على العالم على بناء قوات مسلحة قوية وكبيرة ، وعادة ما يغري هذا الامر الحاكم المتفرد  في ظل غياب سلطة الرقابة على قراراته بالانجذاب لاستخدام فائض القوة لديه لحل خلافاته مع خصومه داخليا وخارجيا وهذا ما حصل لكن بافراط زائد عن الحد وتم استخدام الجيش في حروب يقول المنطق العسكري عن بعضها انها اما عبثية ( بمعنى عدم وضوح او ضبابية الهدف الستراتيجي منها او عدم تناسب الاهداف المتحققة مع الكلفة الحاصلة ماديا وبشريا ) ، أو غير منطقية ( بمعنى استحالة تحقيق النصر فيها من وجهة الحسابات العسكرية المحضة عندما يكون ميزان القوى مائل بشكل كبير جدا لصالح الخصم ) . لكن للاسف كل الحروب التي خضناها وكلفتنا الكثير الكثير لم تجري وفق حسابات عسكرية بل وفق قرارات سياسية الله يعلم على ماذا استندت وحتى دون علم المؤسسة العسكرية في بعض الاحيان او ان تبلغ فقط بقرار الحرب وما عليها سوى اتخاذ اللازم وان غامر احد وقدم المشورة الصحيحة فالويل له ان لم تتطابق مع رغبة القائد العام المسبقة لذا جنحت المؤسسة العسكرية الى عدم مناقشة قرارات القائد العام الستراتيجية وحتى التعبوية في كثير من الاحيان اما طلبا للسلامة الذاتية او لعلمها انها لن تغير شيئا باعتراضها وهذا بالطبع موقف يحسب عليها وليس لها لان لكل قرار كلفة من دم العراقيين واموالهم . على سبيل المثال قرار دخول الكويت لم يبلغ به الا حفنة من العسكريين والسياسيين ولم يعلم به لا وزير الدفاع انذاك ( الفريق شنشل ) ولا رئيس الاركان  الا من الاذاعة… وهذا مثال عن كيفية اتخاذ القرار الستراتيجي .
   وبالنتيجة فان القوات المسلحة تحملت اكثر من اية مؤسسة وطنية اخرى وزر القرارات السياسية  بما قدمته من تضحيات جسام في ساحات القتال او من كرامتها في الانسحاب المذل من الكويت او باستهداف عناصرها من القوى المناوئة للسلطة التي لم تستطع ان تنال من اي مسؤول سياسي فلجأت للانتقام من صغار الضباط او الجنود ، واخيرا وليس اخرا فان المؤسسة العسكرية دفعت الثمن الاكبر في الحملات التصفوية للنظام السابق على شكل اعدامات وطرد وسجن وتعذيب لاعداد هائلة من الضباط وضباط الصف والجنود من شتى الطوائف والقوميات بتهم تتراوح من الكلام البسيط ضد الحاكم الى التامر ومحاولات انقلاب.       مع كل ذلك قامت القوات المسلحة بما يمليه واجبها الوطني والمهني دونما اي تقصير وتحملت من سنة 1980 الى سنة 2003 ظروف حروب وقتال قاسية جدا على جبهات طويلة ومتنوعة وحصار وتهديدات مستمرة بالاستهداف بالطيران والصواريخ  ثم الغزو الشامل مالم يتحمله اي جيش اخر في العالم في التاريخ الحديث . وكان لابد لهذه الحروب وظروف الحصار القاسي التي تلتها من ان تنال من جرف القوات المسلحة معنويا وماديا وان تتقلص قدراتها القتالية والمعنوية ودرجة استعدادها وتعرض افرادها ضباطا ومراتبا الى ظروف معيشة قاسية اثرت حتما في البنية السلوكية  لها بشكل كبير ،  لكنها مع ذلك لم تنل بشكل عام من البنية الصلبة الاساسية للجيش التي بقيت على تماسكها وضبطها السابق وولائها المهني وان سادت حالة من التذمروالفساد بمستويات مقبولة الا انها لم تتحول الى حالة عصيان وتفكك لبنية الجيش الاساسية . ان الظروف التي ادت الى تفشي الظواهر غير السوية في الجيش  لم تكن ذاتية وانما تسببت بها السياسة العليا التي طالت تاثيرات قراراتها كل مؤسسات الدولة ومنها الجيش وبالتالي فالحالة غير الصحية التي تفشت في الجيش لم تنحصر فيه فقط وانما كانت جزء من حالة عامة شملت الدولة ككل ، لكن لخصوصية القوات المسلحة  علينا أن نكون واقعيين في تأشير مواطن الخلل بكل موضوعية والتي تمثلت بالاتي :
1 .  بلغ تدخل الحزب في حياة الجيش وشؤونه اليومية مبلغا كبيرا وشمل كل شؤون القوات المسلحة من الترشيح للدورات الى اختيار القادة والمدراء الى الترقية ووو… الخ حتى اصبح التضارب واضحا بين الضباط المهنيين الذين يشقون طريقهم للترقية بكل صعوبة في حين يتسلق ذوي الدرجات الحزبية المناصب القيادية بالتزكية دونما استحقاق .وعلينا ان نكون موضوعيين لنضيف ان تأثير الحزب انحسر كثيرا في نهاية التسعينيات ومابعدها خاصة في الجيش الرسمي ولم يعد له ذلك التاثير السابق وحلت بدلا من مايعرف بعلم الادارة ” شبكة العلاقات غير الرسمية المركبة ” من مصالح فردية وعلاقات جانبية وعصبيات عشائرية ومنافع متبادلة.
2. اتساع سطوة الامن العسكري في الوحدات والتشكيلات تحت مبررات شتى قد تكون صحيحة في الظروف التي مر بها الجيش الا ان المبالغة بالاجراءات واتساع الصلاحيات افرز ظواهر وحالات سلبية تشبه الى حد بعيد ظاهرة ” المخبر السري ” الحالية .
3. مارست  مؤسسة الرئاسة هيمنة كاملة على الجيش لم تمس فقط الامور الستراتيجية العليا وانما نزلت الى المستوى التعبوي والتفاصيل . وبسبب البيروقراطية وتعذر مناقشة قرارات القيادة فقد كان للقرارات الفوقية في كثير من الاحيان نتائج وخيمة على ارض الواقع .كما أن اختيار القادة من قبل الرئيس شخصيا لم يكن موفقا في كثير من الاحيان .وتجلى ذلك في ضعف الاداء القيادي لقطعاتهم في الميدان وتفشي الفساد المالي لدى الكثير منهم .
4. تخوف النظام من وجود جيش كبير واحد في ظروف حرب وحصار اقتصادي صعب ، فعمد الى تفكيك الجيش الى مؤسسات موازية عدة : جيش رسمي – حرس جمهوري- حرس خاص – جيش شعبي – جيش القدس – فدائيو صدام ، بالاضافة الى التمدد الكبير لاجهزة الامن العسكري والامن الخاص . وهذا الامر ، في العرف العسكري – يتعارض مع ابسط مباديء التتنظيم العسكري القائم على وحدة القيادة والاشراف والتنظيم ووحدة الجهد وترشيد الموارد في وقت كان العراق يعاني فيه من ظروف اقتصادية قاهرة وشحة بالموارد العسكرية نتيجة الحصار . وبالنتيجة اصبح هناك نظام طبقي داخل القوات المسلحة : قوات نخبة تستاثر بالتسليح والتجهيز الارقى والامتيازات الاكثر بفعل قربها من القيادة السياسية ، والجزء الاكبر من الجيش ذو تسليح وتجهيز ادنى وامتيازات شبه معدومة .
5. التمييز بين الضباط خاصة في رتب القادة لا على اساس الكفاءة والقدم العسكري بل على اساس المنصب والدائرة والمكان الذي يعمل فيه ، مما جعل المناصب القيادية والادارية العليا وبما يتبعها من امتيازات مالية وعينية محط تنافسات خارج الاطر العسكرية المعروفة ، فتدخلت فيها العصبيات العشائرية والحزبية والمساومات المالية والعلاقات الشخصية . هذا الوضع ادى الى تباين خطيرفي مرتبات الضباط ،  حتى صرت ترى ضابطا برتبة لواء يتقاضى راتبا اقل بعشرة مرات من لواء اخر يعمل معه في نفس الدائرة لمجرد ان الاخير اشتغل لاشهر في مركز اداري او قيادي وظل يتمتع بامتيازات المنصب حتى بعد خروجه منه . لذا اصيبت جمهرة الضباط باحباط شديد وتذمر نتيجة عدم المساواة خاصة من ذوي الشهادات لان الراتب العسكري اصبح لا يسند مقومات الحياة لعوائلهم اكثر من ايام معدودة فيما الاخرين ينعمون بدخل فائض . وقد احدثت الاختلافات الهائلة في رواتب منتسبي الجيش ارباكا هائلا في عمل مديريات الحسابات والرواتب لوجود عشرات من سلالم الرواتب بينماكان هناك سلما واحدا مبنيا على الرتب العسكرية فقط ومخصصات المنصب لكل منها وكل ذلك بسبب القرارات الفوقية التي تتخذ بمعزل عن تصور تأثيراتها على الارض .
6. عدم الاختيار الصحيح لكثير من القادة والمديرين وفق السيرة الذاتية لهم واجازاتهم في السابق وتحصيلهم العلمي والمهني ، وبقائهم في مناصبهم لوقت طويل بسبب تشبثهم بشتى الطرق غير المشروعة طمعا بامتيازات المنصب ،  فقلت انتاجيتهم وزادت نسبة المنفعية والوصولية لديهم على حساب الحس بالواجب الوطني والعسكري . واصبحت لا ترى عجبا يمارس قادة كبار التجارة او تراهم في معارض السيارات يشاركون اصحابها تجارنهم وهم يستلمون مناصبا حساسة  ،ولا ادري كيف يمكن جمع التجارة مع ماتعنيه من سلوكيات السوق مع المهنة العسكرية التي تعني الالتزام والامانة والصدق؟ علما ان القانون العسكري يحرم ممارسة الضابط اية مهنة مدنية حتى لو كانت في اختصاصه ( المهندسون مثلا) .
7. بعثرة موارد الدولة والقوات المسلحة على مشاريع تصنيع عسكري والدفاع الجوي خاصة في فترة الحصار والتي لم تاتي بنتيجة تضاهي الجهد المبذول والاموال المصروفة بسبب غياب الستراتيجية الصحيحة وتضررالبنى التحتية للتصنيع العسكري وشحة الموارد الفنية والمادية بسبب العدوان العسكري المتواصل وتم استغلال الكثير من الاموال المصروفة لمنافع  شخصيةاستفاد منها بعض القادة والفنيين وشركائهم من المقاولين المدنيين في وقت عانى البلد منه من غياب الكثير من مقومات الحياة الاساسية .
    هذا غيض من فيض نستعرضه لنستوفي الموضوعية في تحليل حالة الجيش ليس للانتقاص منه  بل توصيفا للحالة الشاذة التي كان عليها في ظل تطبيق سياسات خاطئة و قرارت سياسية مرتجلة كادت تقضي على روح المهنية العسكرية . كانت النخبة المتنورة في الجيش تشعر باهمية ايقاف التدهور الحاصل في الحالة العامة للجيشو ضرورة اجراء الاصلاح في نفس الوقت الذي تعي فيه ان مثل هذا الاصلاح صار بعيد المنال مادامت ظروف الحصار مستمرة في توليد الظواهر غير السوية البعيدة عن الروح العسكرية والاجتماعية .             يالرغم من  الغزو وماتركه من اثار مدمرة على القطر فقد كان هناك املا  بالبدء بعملية اصلاح كبيرة في القوات المسلحة بفعل ما توفر من اوضاع جديدة بفعل انفتاح ابواب العالم من جديد على العراق وتوفر الموارد اللازمة ، وان يسير البناء الجديد باتجاهات رئيسة : الحفاظ على الهياكل الرئيسة للقوات المسلحة التي بقيت سالمة ، الحفاظ على الكوادر البشرية العسكرة والفنية الاساسية القادرة علة تسيير الامور وقيادة عملية البناء الجديد كي لا يبدأ من الصفر ( وهذا هو الاهم لان كلفة وزمن اعداد الكادر المتقدم من ذوي الخبرة يحتاج اقل شيء الى 15- 15 سنة ناهيك عن الكلف العالية ) ، التخلص من كل التظيمات العسكرية الزائدة لترشيق الجيش والتخلص من القيادات غير المهنية والانتهاء من عصر التسييس وتحكم اجهزة الامن في العمل العسكري ، ومن ثم البدء بعملية بناء جديد على مستوى التسليح والتجهيز الحديث الذي انفتحت افاقه . ولو جرى كل ذلك بانسيابية لكان الجيش العراقي وخلال مدة 5 – 8 سنوات قد وصل الى مرحلة الاستعداد القتالي الكامل برا وبحرا وجوا . لا ان يتخذ قرار كارثي بحل مؤسسة عمرها 81 سنة  بذرائع كاذبة وغير واقعية وانتقامية واضحة ليتم بعدهااغراق البلد في دوامة من الفوضى والفراغ دفع الشعب ثمنا فادحا ومازال يدفع . فهيكل الجيش السابق لم يصبه السوء ومنتسبيه هم جزء من نسيج الوطن لم يخدموا شخصا بل امتهنوا العسكرية مهنة لهم وهم طوع القرار السياسي للدولة والمسيسين في الجيش قلة وشكلوا طبقة محددة يمكن معالجتها . فان كان هناك ثقب في سقف البيت هل يكون العلاج بهد البيت كله ؟ للاسف هذا ماحصل .
وختاما وبكلام قليل نفند اراء من هلل ودافع عن قرار حل الجيش :       
1. الرأي الاول :  قال ان الجيش قد انتهى بالفعل مع الغزو الاميركي ولا فائدة من اعادة الحياة في جثة هامدة . وهذا البعض لم يعش يوما واحدا في العراق ولا عرف معنى الجندية لذا لم يدرك ما يعنيه وجود الجيش في حياة البلد وكم صرف عليه وما هي الكلفة الهائلة التي سنتكبدها في سبيل بناء جيش جديد والوقت المستغرق لذلك وكم من وقت يتطلب تراكم الخبرة التي تنقل من جيل الى اخر ، ولم يعي كم من وقت وجهد نحتاج لاعداد طيار كقاتل وضابط بحري يقود السفينة وطاقم الدبابة والمدفع وفنيي معامل التصليح وخبراء الحرب الالكترونية وبناء القواعد والمعسكرات والاكاديميات التعليمية وتهيئة كوادرها وووووووو ؟ هذا النفر اما جاهل وهذه مصيبة او ذو اجندة غير وطتية وهذه مصيبة اعظم .
2. الراي الثاني : القائل ان منتسبي الجيش السابق من البعثيين او على اقل تقدير من الموالين للنظام السابق فمن الافضل حله وتاسيس جيش جديد وكان الجيوش مجرد سلعة يمكن رميها وشراء بدائل جاهزة عنها من السوق  وفي معرض كلامنا السابق رددنا على هكذا تخريج : الجيش مؤسسة مهنية وطنية تتبع القيادة السياسية للبلد اي كانت ( وهل تغير وضعها الان عن ذي قبل فيما يتعلق بهذا الامر) وانها لا تتبع فردا بعينه مهما حاول البعض تصوير ذلك وتضخيمه اعلاميا . بالاضافة الى ان العسكري محترف لمهنته ويعتاش وعائلته منها فهو اذن ملتزم  بسياسة الدولة التي تتبعها المؤسسة العسكرية وانظمتها والتي تدفع له رواتبه . وان نسبةالمسيسين في الجيش لا تعدو عشرات المناصب الامنية والقيادية العليا .
3. الراي الثالث : البعض راح ابعد من ذلك ونادى بحل الجيش لانه( وهنا يجيز لنفسه ان يتكلم نيابة عن كل العراقيين ) –   لا يرى حاجة لجيش هجومي بعد ان نسج العراق علاقات جيدة مع جيرانه وان ايام ” العدوان” قد ولت . وهذا منطق ساذج وحتى مغرض يريد ان يبقى العراق ضعيفا وتحت رحمة تدخلات القوى الاقليمية الاقوى فليس هناك من حدود بين ماهو هجومي ودفاعي في المنطق العسكري الحديث . فحتى سويسرا والسويد – البلدان الحياديان – يحتفظان بجيوش قوية مع انهما لم تخوضا حروب من مئات السنين وليس لهما اعداء فكيف بالعراق الذي يعيش في منطقة مضطربة وتتربص به الذئاب من كل الجهات ويمتلك ثروات هائلة لا ادري هل نتركها لربها ليحميها على شاكلة ان للكعبة رب يحميها ومع ذلك تنفق السعودية عشرات مليارات الدولارات لحماية مكة . هذا الطرح فاقد لكل منطق ويفند نفسه بنفسه .
4. الرأي الثالث : البعض ممن عاد الى العراق واستلم مواقع مهمة في الدولة  كان من الفارين من الخدمة العسكرية او من الحاقدين على الجيش لاسباب شخصية  فهذا البعض ضغط باتجاه حل الجيش للتنفيس عن مكامن حقده الدفينة في نفسه. ومن ضمن هؤلاء من ينطلق من زاوية طائفية ضيقة ، ولا ينكر حقده على الجيش انه حارب الجارة ايران متجاهلا عن عمد كل الظروف التي ادت الى الحرب ودور ايران في استمرارها ومسؤولية القرار السياسي فيها لكلا طرفي النزاع  . لذا تراه مايزال يلصق بالجيش السابق وافراده شتى الاتهامات الباطلة دون ان يجرؤ على انتقاد الطرف الاخر او ان يدين جرائم المحتل الاميركي .  والهدف من ذلك واضح فهو يريد محو ذكر الجيش السابق ماديا ومعنويا وسمعة على امل ان يؤسس جيش جديد تكون له السطوة عليه وتسخيره للهيمنة السياسية على البلد .
5. الرأي الرابع :  نأتي للراي الاخير القائل ان العراق لم يعد بحاجة الى جيش او قوة هجومية لان دولة عظمى مثل اميركا ستتولى حماية القطر . ونقول هناك فرق بين ان تعتمد في دفاعك عن نفسك على الغير وبالتالي تتحدد بشروطه وتكون تابعا له وقد يتخلى عنك عند الضرورة بسبب تضارب المصالح خاصة وانك تتعامل مع دولة عظمى لها سياسة كونية، وبين ان تكون سيد نفسك وتتمتع بقوة الدفاع الذاتية التي تمنحك الاستقلال في العمل  فتكون تابعا وليس متبوعا ولم يكن العراق عسكريا في اي يوم من الايام تابعا لاحد حتى في بدايات تكوين الدولة الحديثة فكيف ترضى بذلك الان ؟
ختاما  ، كان حل الجيش قرارا كارثيا مبيتا خدم اجندات اقليمية اسرائيلية وايرانية ولم يخدم اي هدف عراقي وطني بل على العكس كان خاطئا بامتياز لانه اضعف العراق داخليا فاصبح مشاعا لاعمال الارهاب المسلح لكل من هب ودب وادى الى اضعاف سيادة الدولة وانكشافها للتدخلات الخارجية ناهيك عن الخسارة المادية الهائلة وخسارة الكوادر المهيئة من ذوي التحصيل العلمي والخبرة العملية ، وخسارة عشرات الالاف من الكوادر العلمية والعسكرية في مختلف الاختصاصات وبعضهالا لا يعوض وتدمير برامج التصنيع العسكري التي لا غنى عنها في سد الاحتياجات الاساسية من العتاد والسلاح الخفيف والمتوسط ، وتاخر بناء القوات المسلحة الجديدة لعقدين على اقل تقدير واحدث خللا مزمنا في موازين القوى الاقليمية بين العراق وحتى اصغر جيرانه مما يضعف الدور السياسي والدبلوماسي والتفاوضي للدولة العراقية في علاقاتها مع محيطها العربي والاقليمي وغيرها من انعكاسات سلبية … ويتحمل المحتل الاميركي  ومن والاه  ووافقه في هذا القرار مسؤولية تاريخية كبرى .

* مهندس ركن متقاعد

أحدث المقالات