لا يمكن مقارنة معايير وأنظمة وقوانين الجيش التي تتبناها كل جيوش العالم المتطور بالحياة المدنية ، فعلى سبيل المثال ، الجيش كيان يخلو تماما من الديمقراطية ، واذا كان المظهر لا يهم في الحياة المدنية ، فالمظهر من أول وأهم عناصر فرض الأحترام وابراز هيبة الشخص العسكري وانضباطه ، الفرد العسكري أمام المدنيين والرأي العام ، ليس سوى قيافة أنيقة مرتّبة يرتديها شخص محترم ، كيّس هادىء أبيّ ، صفات يقرأها المشاهد المدني دون أي عناء ، فيلمس منه الأنضباط والجدّية ، بل وبالألتزام الصارم ، ليولّد انطباعا يركن له فرد الشارع ، ان البلد بأيدِ أمينة ، فينمو لديه احترام لهذه المؤسسة العريقة ، وذلك لا يتأتّى الا عن طريق التدريب (النفسي- البدني) ، والقوانين الصارمة ، هكذا يكون الفرد العسكري ، عبارة عن سفير لمؤسسته أمام المدنيين ، وعند عدم اعتناء شخص عسكري ما بقيافته ، فأول من يعيّره أقرانه ، فيطلقون عليه كلمة (مخربط) ، وهي كلمة أشدّ من الشتيمة يتجنبها الجميع !.كان الشخص المدني لا يجد عناءً في قراءة (صنف) عسكري ما في الشارع أو المعسكر ، لكون القيافة موحّدة ، وهو يحمل شعار صنفه فوق رأسه حيث (البيرية) ، فالفرجار يدل على أنه مهندس ، والبندقيتان المتقاطعتان ، تدل على كونه من المشاة ، والكرة الملتهبة تدل على صنف المدفعية ، وغير ذلك ، وكانت لالوان غطاء الرأس دلالاتها ، فالبيرية الحمراء تدل على الأنضباط العسكري ، واللون (الماروني) يدل على القوات الخاصة ، والخضراء تدل على المعاوير ، البدلات كانت موحّدة توحيدا صارما ، تأخذ شكل (الكاكي) الفاتح صيفا ، والداكن شتاءً ، المرقط للقوات الخاصة والمغاوير حصرا ، أما بالنسبة للصنوف الساندة ، كالدفاع الجوي والقوة الجوية وطيران الجيش ، فكانت البدلة والبيرية زرقاوان ، بأجنحة تزيّن الصدور ، أما الصنف البحري ، فقيافته بين السوداء شتاءً ، والأبيض صيفا ، وحتى الأحذية ، فجميع ضباط الجيش ينتعلون أحذية حمراء (بقيطان حصرا) ، عدا منتسبو الصنوف الساندة ، فأحذيتهم سوداء .لم يكن من المسموح للشخص العسكري ، أن يطول شعره قيد أنملة عن معايير الحلاقة في الجيش ، والمخالف يكون يومه أسود بمعنى الكلمة ! ، نفس الشيء بالنسبة للذقن ان طال ، فقد كان العسكري يتجنب المخالفة خجلا ، وهو يرى آمريه سبّاقون للألتزام .أما عن الرّتب ، فكانت ذهبية على الأطلاق ، وبكتّافيات باللون الكاكي ، عدا القوة الجوية والدفاع الجوي وطيران الجيش ، فكانت زرقاء ، وللصنف البحري كانت سوداء ، وكانت شارة البيرية تتغير وتكون موحّدة للضباط من رتبة لواء فما فوق ، وكانت تصدر أوامر تبديل القيافة الشتوية أو الصيفية من وزارة الدفاع ، بتاريخ محدد من السنة .بالنسبة لضباط الشرطة ، فكانت شارة غطاء الرأس عبارة عن نجمة خماسية تحيط بها سعفتان ، والرتب كانت فضية اللون .ضباط الرتب العليا ، كانوا شيوخا أباة ، نلمس منهم العطف الأبوي ، ونتعلم منهم الأعتزاز بالنفس ، والموسوعية في المعلومات ، والحكمة والتجربة العريضة التي يسخرونها لخدمة الجيش ، وأثراء ثراثه.بدأنا نلاحظ شذوذا في القيافة على نطاق ضيق في أيام النظام السابق ، قد نجد لذلك مبررا لكون المؤسسة العسكرية قد أصابها الأنهاك بسبب الحروب المتتالية وقلة التمويل والحصار ، وكيف كان الجندي (يستجدي) لشراء (بيرية) ، أو لأجرة النقل ! .لكن ما عذر منتسبو جيشنا بل وزارتي الدفاع والداخلية ، وقد كان التمويل (مفتوحا) !، وقد أختلط الحابل بالنابل فيما يخص القيافة ، الواجهة الأولى أمام الناس ؟ فالمرقط يرتديه الجميع ، ضباط الشرطة برتب ذهبية ، وشارة بيرية فضّية ، بعض ضباط الجيش برتب فضّية ، وشارة الرأس ذهبية !، المرقط على أنواع بين الكاكي والأزرق ، شارة البيرية الخاصّة باللواء يرتديها عميد ! ، أختفت شارات الصنوف ، تضخم شديد في الرتب العليا ، وبعد أن كنا نأنس بالحديث مع الضابط الكبير أو المتقاعد ، لكونه ذو ثقافة عامة عريضة ، صرنا نرى تضخما في الرتب العالية أفرزتها المنسوبية ، حَمَلتُها شباب صغار ، بخبرة متواضعة أو معدومة !.وتفشى سوء استخدام المنصب ، والمنسوبية وأنعدم الضبط ، وهو أهم عنصر في الحياة العسكرية ، فعلم النفس العسكري تمخض عن حكمة أن (الجيش كيان ضعيف يستمد قوته من الضبط) ، فلا جيش بلا ضبط ، وتسلط عليه الجهلاء وعديمو الخبرة والبعيدون عن هذه المؤسسة ، فنراهم يفرحون وهم يرون الجندي يأكل جنب الضابط ويتمازحان ! على حد قول السيد موفّق الربيعي ، دون علم منهم ، أن للجيش نظام مركزي وطبقي صارم !.أن حدس الشخص المدني وهو يرى هذا التخبط والأبتعاد عن النظام من خلال القيافة ، حدس في محلّه ، من أن الجيش مؤسسة غير متماسكة ، يُزعزع ثقته فيها ، عدا الدليل العملي الملموس ، وهو يرى استسلام اربع فرق في الموصل خلال ساعات أمام بضعة أوغاد في (بيكبات) ! ، وفي أول أختبار فعلي للجيش الجديد ، بينما كانت الفرقة الواحدة تصد هجوما على جبهة طولها 200 كم لأسابيع دون أمدادات ! .وحلّت الميوعة ، والتراخي وعدم الجدية في تطبيق القانون العسكري ، ما سبّب ذلك حدوث التسيّب والتسرّب ، وأغدقت الرتب على كل من هبّ ودب ، فمنهم (الحلّاق) مع احترامي لمهنته ، ومنهم حتى الأمّي ! ، وتغلغل في الجيش ، التحزب والمحاصصة والطائفية ، بينما يجب أن تكون هذه المؤسسة محايدة ، وفوق الميول والأتجاهات كما قالها الزعيم المرحوم (عبد الكريم قاسم) ، وترى في قيافات الضباط الأحداث العجب العجاب ، من السراويل الضيقة (الكلاسك) التي قد لا تصلح حتى زيّا مدنيا !، والأحذية الغير لائقة ، وقد لا يجرؤ هذا الضابط أن يوبّخ أي من معيّته ممن أطلق لحيته ! ، بسبب سطوة الفصل العشائري !، تفس الشيء بالنسبة للآمرين مع ضباطهم ! ، بينما اُبعد العسكريين من اصحاب الخبرة المستعدون للعودة للجيش بعد الأحتلال في اجراء يبدو وكأنه ممنهج ، وانعكس ذلك على قيافة الجندي ، ومظهرها الذي لا يسرّ !.