حقق فيلم الجوكر انتاج 2019 العديد من الجوائز اخرها جائزة الاوسكار لخواكين فينيكس كأفضل ممثل بدور رئيسي في فيلم الجوكر …
تكمن واحدة من اهم خصائص الفيلم ليس في موسيقته التصويرية التي حصدت جائزة اوسكار ايضاً و ليس في اخراجه بل لاثارته النفسية التي غيرت منظور المشاهد تجاه الشخصيتين الجوكر و الرجل الوطواط كرمزين للخير والشر …الى التعاطف مع الجوكر و الى النظر الى الرجل الوطواط او ( باتمان) الى رجل يحمي النظام الراسمالي و رجال السلطة التي ينتمي لها.
ارتبطت شخصية الجوكر بشخصية الرجل الوطواط كعدو لدود تعود بتاريخ ظهورها الى خمسينيات القرن الماضي كشخصية تعاني من اضطرابات نفسية تثير الفوضى في المجتمع تقتل و تخرب وتفجر وتنشر الجريمة لا طمعاً في مال و لا نيل سلطة معينة … ينبري الرجل الوطواط ( الذي يظهر كرمز لرجل مدافع عن القانون ومساعدة الشرطة) دائماً لمحاربته من أجل الدفاع عن المدينة الخيالية غوثام….
الا انك عندما تشاهد فيلم الاثارة النفسية ( الجوكر 2019) ومع المشاهد الاخيرة للفيلم عندما يقتل احدهم ( وهو يرتدي قناع الجوكر) رجل السياسة و رجل الاعمال السيد واين والد بروس ( الرجل الوطواط) تنقلب عندك المفاهيم فتتعاطف مع الجوكر الذي يصبح رمزاً شعبياً في نهاية الفيلم وتمقت الرجل الوطواط الذي كنت تتابعه من الصغر كرجل مدافع عن القانون الى مدافع عن ثلة من السياسيين الفاسدين الذين كونوا سلطتهم المالية من الفساد السياسي…
في الحقيقة تغير هذا المفهوم يعود الى مفهوم الاسناد ( العزو) في علم النفس الاجتماعي و الذي يبحث عن الاسباب وراء السلوك الشخصي والبشري في المجتمع …
حيث يقوم الانسان باسناد اعمال معينة لشخصيات محددة مثلاً يسند الانسان ان كل فعل خير يصدر من الاشخاص الجيدين فقط و كل عمل شرير يصدر من المجرمين فقط …
يتوقع الانسان ان كل انسان ذو مظهر جميل ومرتب انه ذكي و حائز على جوائز….
يتوقع الانسان ان كل انسان ذو بشرة داكنة انه رجل عصابات ..
يتوقع الانسان الذي يسكن اوربا ان كل عربي هو ارهابي ..
و هكذا …
ان الاطلاع على المسببات الداخلية والظروف الخارجية لشخص معين تجعلك تتعاطف مع تلك الشخصيات مثلاً
لو اطلعت على ثورة مارتن لوثرتتغير نظرتك عن الرجل اسود اللون ( كرجل عصابات ) و تتعاطف مع قضية الغاء العنصرية و تتغير نظرتك للبحث عن الحقيقة …
لو رايت شخصا لم يكمل تعليمه تنظر اليه كرجل أُمي وعندما تعرف انه ترك الدرسة لانه والده الذي توفى وهو صغير ترك له تركة كبيرة من المسؤولية لتربية اخوته واعالة امه تتغير نظرتك نحوه وتنظر له بعين الاحترام…
نفس الاسناد الذي كنت تنظر اليه الى شخصية بروس واين الذي ينتمي الى طبقة ارستقراطية و يعود في الليل ليلبس زيه الخاص ليحارب الجريمة ثم تكتشف ان مصدر ظلام مدينة غوثام هي تلك الطبقة التي ينتمي لها بروس و القوانين التي يسنوها لخدمة اموالهم القائمة على الراسمالية وامتصاص ميزانية الفقراء ثم تعود لتنظر الى بروس ( الرجل الوطواط ) انه مع الشرطة و المدعي العام يدافعون عن النظام السياسي الظالم الذي يحمي املاكه والمرتشي في نفس الوقت.
وهذا ما يجعلك تتعاطف مع شخصية الجوكر التي كنت تراها لسنوات عديدة كشخصية مجرمة تعاني من اضطرابات نفسية بعد ان تعرف انه يعيل والدته التي فجر بها واين و تركها دون ان يعترف بابنها مستغلا مكانته السياسية ..
وان ما يعانيه في حياته بسبب ظلم المجتمع له ومعاناته من التنمر و التعدي دون حماية في زمن ان لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب … يستغله من حوله من الاصدقاء و يكذبون عليه ليخسر حتى عمله كمهرج…
بعد ان كان لا يهتم لكل ماحوله من اضطرابات واحتجاجات … مع ما يعيشه من عوز وحاجة بسبب ضعفه وعدم قدرته على المحاربة ….
يطلق رصاصة الى دماغ (روبرت دنيرو) الذي يمثل دور مقدم برامج ناجح و مشهور مناصر للسلطة وهو يقول انت تنال ما تستحقه…
لتذهب تلك الكلمات لتصبح شعاراً للمحتجين لاثارة القتل والخراب في كل مكان بحجة تحقيق العدالة بسبب تسويف مطالبهم و عدم مراعاة رجال السياسة و القوة لهم …
فمن المجرم؟؟
مهرج وقع ضحية رجال السياسة و سلطة المال؟
ام المجتمع الذي كان يمارس التنمر عليه؟؟
ام القوانين التي تسن بين يوم واخر لحماية مصالح رجال القوة فقط ؟؟؟
يبقى ان نشير ان هذه القاعدة قاعدة الاسناد استخدمت في السنوات الاخيرة في افلام مثل ماليفسينت و غيرها تجعلك تتعاطف وتغير وجهة نظرك تجاه بعض الشخصيات التي كنت تعتبرها مجرمة في حكايات الاطفال لتراها بصورة جديدة كضحايا لرجال السلطة والقانون..
وهو توجه بشري يسير نحو الكمال الانساني الذي يبحث عن معالجة الاسباب و انزال العقاب و تطبيق القانون على الجميع قبل ان يتحول المظلوم الى حالة من اليأس من القانون فيلجأ للانتقام من اجل تطبيق القانون بنفسه.