15 نوفمبر، 2024 3:45 م
Search
Close this search box.

الجودة الشاملة : المفتاح الفعال لتحقيق التميز

الجودة الشاملة : المفتاح الفعال لتحقيق التميز

بالرغم من كثرة المفاهيم والمنهجيات الخاصة بالجودة، إلا أنه ثبت ان التطبيق السليم الشامل لمنهجية الجودة الشاملة هو الطريق الاسلم لتحقيق غايات المؤسسات بأسلوب متكامل يخلو من الثغرات. فهي تعمل بإتجاه التحسين المستمر وتسعى لتحقيق متطلبات الزبائن وإختزال الهدر والأعطال، يكمن جوهر الجودة الشاملة في قدرتها على إحداث تغييرات ثقافية ملموسه في المؤسسات من حيث قدرتها على إستخدام معلومات الجودة بغرض التحسين وليس للعقاب واللوم، وإعتبارها السلطة موازية للمسؤولية وبناءها لنظم الحوافز وتبنيها للتعاون بدلا من التنافس، ناهيك عن ضمانها للوظائف الآمنة للعاملين في أجواء من العدل والإنصاف مع وجود نظام متوازن  للتعويض ومن ثم إصرارها على ملكية العاملين لجهودهم وإنجازاتهم.وبالحق فقد اندهشت كمقيم وكمرشد في جوائز التميز من ضعف الإجابات المتعلقة بالبند الثقافي وعدم تطرق تلك الإجابات أساسا للبعد الثقافي مما يدل على ضعف الإلملم بهذا العنصر كنتيجة لضعف الممارسات العملية ونقص الوعي المعرفي بها!

 

ترتكب الشركات الأردنية في رحلتها لتحقيق الجودة جملة من الممارسات الخاطئة التي تعيق تقدمها وتقودها إلى التيه في بحر الجودة الواسع ومنها ضعف دعم الإدارة ، الإلتزام قصير الأمد ، ضعف مشاركة العاملين ، قلة الموارد وضعف البرامج التدريبية ، عدم وجود أبحاث سوقية كافيه ، توقع نتائج سريعة بدون جهود موازية ومن ثم الإدارة بالخوف والعقاب!وقد لاحظت ان كثيرا من أصحاب القرار والمسؤولين لا يؤمنون بحقيقية الجودة الشاملة وإنما يردوون هذا التعبير كشعار فقط وربما بهدف الحصول على جوائز التميز وبشكل سطحي ظاهري فقط!

 

أن أي تطبيق إداري حديث يخلو من عناصر ديمنغ الأربعة عشر ويفتقد لعناصر ديمنغ الخاصة بنظرية الإدارة وهي تقدير النظم ، معرفة الإختلافات ، إدارة المعرفة والعوامل النفسية سيكون بالتأكيد قاصرا وضعيفا ومجوفا وبدون الإحتياط للعيوب الدارجة في معظم المؤسسات وهي غياب وحدة الهدف، التركيز على الاهداف القصيرة الامد ، إعتماد الإدارة بالأهداف بدون منهجية موازيه ، ضعف دافعية الإنجاز ، إستخدام الأرقام المجردة كمؤشرات للإنجاز ، ومن ثم التكاليف الطبية الزائدة وتلك المتعلقة بالمسؤولية القانونية، أقول بدون ملاحظة ورصد هذه العيوب القاتلة فستجد الكثير من المؤسسات نفسها تتخبط تائهة في محيط الجودة الواسع ، عاجزه عن تحقيق أهدافها !

 

يدعونا هذا لتأمل جملة الخصائص التي تتمتع بها الشركات العالمية المطبقة للجودة الشاملة وهي بإختصار:

 

– السعي لإرضاء الزبائن ( كيف يكون ذلك !)

– تحقيق الحد الأدنى من الحوادث و ضمان سلامة القصوى (كيف !)

– الزبائن هم اللذين يحققون العائد على الإستثمار بينما يحقق العاملون الربح!

– تحسين الإتصالات ودعم برامج التدريب المكثف (كيف!)

– التدريب المكثف على انماط القيادة الفاعلة (كيف !)

– إشراك الموردين والمقاولين في برامج الجودة الشاملة (كيف !)

– السعي الحثيث للتحسين المستمر الشامل (كيف !)

وقد لاحظت من خبرتي الطويلة في مجال الجودة وتقديم الإستشارات للشركات وجود نقص واضح وكبير في هذه العناصر وخاصة في مجال الإتصال والتدريب والانماط القيادية ناهيك عن عدم الاهتمام بالموردين والمقاولين وإعتماد الأسعار كمعيار وحيد للتعامل معهم ! إن أحد أكبر السلبيات التي نتجت عن إنتشار ثقافة التميز هو دفع أصحاب القرار للأخذ ظاهريا بمعايير التميز دونما فهم حقيقي لمبادى ء وفلسفة الجودة التي ترتكز على جملة عناصر منها القيمة المضافة ، التفتيش على العمليات كما التفتيش على المنتجات والخدمات ، فهم  الانحرافات والتعامل معها إحصائيا وعلميا ، مشاركة الجميع في تحسين النظم والعمليات ، ومن ثم العمل جوهريا على تحقيق رؤيا ورسالة المؤسسة وبشكل عملي شامل ومترابط. ان الخيار الأسلم لقادة المؤسسات يكمن في إعتماد الجودة الشاملة كخيار إستراتيجي حقيقي والقيام بجملة إجراءات لترجمة ذلك على أرض الواقع كخطط عملية فعالة مع جدول زمني محدد.

 

يحب الناس العمل في بيئة نظيفة وآمنة كما أنهم شبعوا من الشعارات البراقة ويريدون تحمل مسؤولية عملهم وإنجازاتهم ويرغبون في أن يحفزوا بشكل عادل ومتكافىء ومنصف ، ويعلم معظمهم ان القياس هوالوسيلة المثلى لتقييم الانجازات ضمن الحيز الزمني، كما يرغب معظمهم في إستخدام مبادىء الجودة الشاملة بغرض إنجاز العمل الصحيح من المرة الاولى وبشكل صحيح وكل مرة ! لقد نجحت الجودة الشاملة في اليابان نجاحا بارزا لانها أرتبطت بالجهد المتواصل والوعي والحس والذوق السليم وحققت إنجازات عظيمه في الواقع العملي . وواقعيا فأن أسهل الطرق لتحقيق الجودة الشاملة يكمن في تحقيق معايير جوائز التميز العالمية والمحلية وبشكل جدي وجذري وشامل ، هكذا نجد شركات عالمية كبكتل وفلوريدا باور وموتورولا قد إستخدمت معايير الجوائز لقياس التقدم الحقيقي في مختلف عملياتها الأساسية مع إعتماد الرقابة والديمومة للمحافظة على الإنجازات ، وعلى شركاتنا ومؤسساتنا ان تحذو الحذو ذاته وبجدية ومثابرة وإهتمام وليس كإدعاء وتظاهر ورغبة في تحقيق الجائزة فقط كما لاحظت حقيقة في بعض مؤسساتنا للأسف ، وبالرغم من كونها تقدم خدمات إنسانية إلا أن الحس التجاري والرغبة في جذب الزبائن بغير وجه حق هو الحافز الرئيسي لدخولها سياق الجوائز دون أدنى إهتمام بأهمية التحسين الحقيقي النزيه لخدماتها!

عندما أسعى للعمل كمرشد في إحدى الشركات فأن أول أهدافي هو إعادة هيكلة الشركة جذريا بحيث تتبنى نظم ومناهج الجودة الشاملة وبطريقة تشبه علاج طبيب الأسنان الماهر الذي يعالج جذور الأسنان جراحيا بدون الخلع والترقيع والحشو وبذلك فهو يضمن سلامة السن وديمومة إستخدامها !وكل ما أحاول تجنبه هو مجرد السعي لإيجاد إجابات عاجله عن أسئلة المعايير والعمل رجوعا للتأكد من وجود منهجيات داعمة مع المراجعة والتقييم، فقد وجدت هذا الأسلوب الذي يعتمده معظم المرشدين يفتقد صراحة للتوجيه والإرشاد اللازمين لإنجاز العمل بشكل صحيح كما أنه عاجز عن تحقيق اهداف التميز بشكل جذري متكامل وربما تنجح شركة او شركتين في الوصول لهدفهما عبر هذا الأسلوب المبني على التسرع ولكنها بالتأكيد ستعجز لاحقا عن تحقيق أي إنجازات حقيقية في مجال تطبيق الجودة الشاملة !

لقد قام باحثون أجانب بقياس المقاربة ما بين تحقيق جوائز التميز والإنجازات الربحية للشركات الرابحة وتم إيجاد معطيات رقمية إيجابية واضحة،  وما أطمح إليه هو قيام باحثين جامعيين بإنجاز دراسات عليا في هذا الصدد بغرض التأكد من وجود علاقة مماثلة في السوق الأردنية لربط الجوائز بالنجاح والأرباح المؤسسية!

 

يمكن ببساطه عرض مراحل تطبيق الجودة الشاملة على النحو التالي:

وضع أهداف وغايات – الإلتزام الكامل للإدارة- التعرف على مراحل التطبيق- تحديد المسؤوليات – وضع تواريخ للتنفيذ ضمن فرق عمل محددة- التخطيط المسبق- والتفتيش الذاتي عن جودة العمليات والإنجاز ، قد يبدو ذلك سهلا من الناحية النظرية ولكنه في الواقع العملي يحتاج للجهد والكفاءه والمثابره والمتابعة والإلتزام.

 

إن فاقد الشيء لا يعطيه لذا نجد الكثير من المسؤولين غير قادرين على وضع النموذج العملي للتميز بسبب إفتقادهم لخصائص القيادة وبحس المسؤولية الذي يتطلب جهودا لبناء هذا النموذج ومنها التدريب على أدوات حل المشاكل ، التطوير المهني المستمر ، تأسيس حس المشاركة والتفاعل وزيادة الحافزية لتستقبل أفكارا جديده ، بناء الثقة والإخلاص مع كافة العاملين ، نشر المعرفة والتدريب على بناء المهارات الجديدة وبناء علاقات إحترام متبادل ومن ثم تطوير ديناميكيات عمل جماعي وكل هذه العناصر تحتاج لتدريب متخصص للقيادة ولا تاتي لوحدها!

 

كثيرا ما يطلب مني مراجعة نماذج إستبيانات الزبائن وللأسف ففي حالات كثيرة أجدها سطحية وعاجزة عن إستخلاص التغذية المرتدة الضرورية لتحسين التجاوب مع هذه المتطلبات ، وبعضها يخلو من عناصر أساسية مثل : تزويد ما وعدت الشركة به في منتجاتها وخدماتها المقدمة، التفاعل مع الرغبات الخاصة للزبائن من المنتجات والخدمات ، اللطف والكياسه ، ماذا سنفعل للتحسين؟ مالذي تراه الأحسن ؟ مالذي تراه الأسوأ؟ ما هي الخدمات والمنتجات الاهم بالنسبة لك؟………الخ

 

في ختام مقالي هذا أجد من الضروري التأكيد على عنصر مفتقد في معظم ممارساتنا العملية وهو عنصر الأدوات ، فبدون أدوات لا يمكن تخيل كيفية بناء منزل أو شق طريق أو إنجاز مشروع ما ، والادوات المقصودة هنا هي ادوات الجودة السبعة الأساسية وهي مخططات الإنسياب ، السبب والتأثير مخططات الرقابة، المدرجات التكرارية ، مخططات التفتيش، باريتو ، مخططات الإنتشار والجريان، وقد لاحظت ان بالرغم من التدريب والتكرار إلا أن معظم الشركات تعتبر هذه الادوات ذات طابع ” تجميلي” فقط وتستخدمه  لأهداف وأمثلة استعراضية وتعجز عن تبنيها كأدوات عملية لحل المشاكل ، علما بأن بعض علماء الجودة قد وضحوا بأن إستخدام هذه الأدوات بكفاءة كفيل بحل معظم مشاكل الجودة (85% – 90% )وبشكل جذري فاعل !

 

 في الخلاصة فأن الهدف هو تطبيق الجودة الشاملة بشكل واقعي وشامل وديناميكي وهادف لتحقيق متطلبات الزبائن بل وإرشادهم وتوعيتهم بكيفية الإستفادة القصوى من هذه المنتجات  والخدمات ، وذلك مع ضمان التميز وتحقيق عائد ملموس على الإستثمار وخفض التكاليف ومنع الهدر وتحسين بيئة العمل ضمن منهجية التحسين المستمر ، وإذا ما ضمنا ذلك فأنه يصبح من السهل عندئذ التحضير لدخول مسابقات جوائز التميز بثقة وهذا ما تطمح لتحقيقه معظم المؤسسات الناجحة .

 

ويسرني من واقع خبرتي العملية في مجال تأهيل الشركات لتطبيق إستراتيجيات ناجحة في الجودة الشاملة أن أنصح بما يلي:

1- التأكيدعلى إستخدام منهجيات إدارة التغيير والتمكين وإدارة الوقت وآليات العمل الجماعي والقيادة الفاعلة وكل هذه تحتاج لتدريب متخصص في ورش عمل ناجحة.

2- تفعيل منهجية التفاعل والتغذية امرتدة والإبتعاد عن التلقين مما يؤدي لإنجاز المهمات بجدية وحسب الجدول الزمني.

3- التأكيد على إيجاد حالات عملية وأمثلة ومعززات نموذجية ذات شمولية وتحسين مستمر.

4- العمل على تحويل المؤسسات لمنظمات تعليم وتدريب متواصل !

5- التدريب العملي على الثقة بالنفس ومعرفة كيفية إظهار عناصر القوة والخبرات الخاصة والكم المعرفي.

6- تعزيز ومتابعة إستخدام أدوات الجودة والتحسين والتدريب المتواصل عليها وجعلها متكاملة مع طريقة إنجاز المهمات.

7- إعتماد منهجية القياس للأداء والمهمات وبذل جهود حثيثة لتحقيق المعطيات الرقمية بطريقة منهجية متكاملة

8- محاولة إدخال وتطبيق منهجيات عمل فاعلة وتطبيقها بشكل تجريبي أولا.

9- والتاكيد على عناصر التخطيط الإستراتيجي وربطها مع الجودة الشملة ضمن جدول زمني متسلسل يبدأ من الرؤيا والرسالة والقيم مرورا بمخططات ( SWOT) وبطاقات التوازن الرقمي (BSC) – خطط الإنجاز العملية والمراجعة والإجراءات التصحيحية مع التغذية المرتدة ومن ثم الاحتفال بالإنجاز وإتمام دوره العمل…. الخ

10- الاستعانة بالخبراء والمستشارين المؤهلين والتأكد من خبراتهم وقصص النجاح!

أرجو أن أكون قد وفقت في كتابة هذا المقال بحيث يعتمد كمرجع مختصر مباشر للمهتمين بتطبيق الجودة الشاملة بكفاءة وتميز.

أحدث المقالات

أحدث المقالات