19 ديسمبر، 2024 3:31 ص

الجواهري والسينما ألعراقية

الجواهري والسينما ألعراقية

تدور الايام ومثقفين العراق أول من يضحي وأخر من يُذكر. مات أكثرهم بعيداً عن أوطانهم ومنت عليهم الدول بلجوء أو  إقامه يهربون بها عن موت محتوم أما برصاصه أو بحادث سيار يلحق بمجهول. قبورهم شاخصه في دمشق وعمان واُوربا والدار البيضاء ولا يأتيهم الغيث إلا  بعد موتهم بعقدين من الزمن وبمهرجان تأبين أو نصب أو لوحه توضع على طريق ليحمل اسم هذا المثقف أو ذاك الشاعر. فما بدأت به  سلطه البعث من تهجير وقتل أكملتها الحكومات اللاحقه من إهمال وتقاعس عن استرداد حقوقهم المنهوبه.  
محنة ألجواهري هي محنة بلد أو هي محنة شعب. فرجل عاصر إرهاصات ألدوله وتكوينها إلى أن حكمت أمريكا على شعب العراق بالحصار وجوعته لتشترك مع طاغيته بالاجهاز عليه. لقد أعد ألجواهري لكي يموت ويحيا ألف مره بأعجوبة فأخذ منها صراعها وتلكئها فكانت حياته أدوارا تكللت بالصدام مره وبالمسايرة مره أخرى. أي قهر تحمل هذا الشاعر والإنسان وأي ألم كابده وأي سلطه تلك التي لم تريد أن تقتص منه وهو الطريد والشريد. وكان صادقا عندما يقول أنا العراق لأنه يرى ما لم نراه وعاش ما لم يعشه غيره فولد قبل أن تولد دوله العراق وعاش بعد ما خربت هذه ألدوله على أيدي البعث.
 الجواهري الذي قارب عمره أكثر من مائه عام لم يكن له أن يعيش عيشه الكفاف ولم يعطيه طلاب السلطة استراحة ليستريح  فكان هذا الشريد الذي يقول عن نفسه وهو في قارعه الطريق عندما قرر أن يضع وجهته مطلع الشمس على جبينه ويغدو في السير ويسير عند طلوع الفجر.
رجل الدين والعاشق والسياسي والمعارض وعن نفسه يتحدث وليس غيره يقول: لقد كانت حافظه ألجواهري هي المفاجأة  لأستاذه حيث اختزل ألجواهري المواد التي يتمها الطالب بسنتين وهو دراسة الاجرومية  ثم كتاب القطر لابن هشام ثم الفيه ابن مالك فقد اتمها ألجواهري بشهرين أو ثلاثه. وهذا ليس السبب الوحيد  وربما الحرمان  الذي عاناه الجواهري من أيام طفولته كان له الاثر الواضح على شعره وهو الذي جعله يتمرد ويكون ذلك الثائر. 
الكثير من العظماء شملهم الحظ واصبحوا بعد موتهم حبكه لمسلسل او قصه لفلم وربما حظهم لم يختلف عما كانوا عليه في حياتهم ولكن بالنسبه للعراقيين فلم يختلف عندهم الموت والحياة فالحياة غربه عن وطن والموت غربه في وطن ولا أحد يتذكرهم الا بقصيده او ذكرى عابره من احد اصدقائه. الكثير من الشعراء المعاصرين الذي تلاقفت قصصهم أيد الانتاج لما لهم من أهميه في نفوس عشاقهم وقرأئهم. فلم تمضي اكثر من خمس سنوات على وفاة الشاعر الكبير محمود درويش حتى ظهرت فكره الفلم الذي يجسد حياة الشاعر وكذلك الحال بالنسبه الى الشاعر نزار قباني وكثير من الفنانيين. وألامر ليس مقتصر على المعاصرين بل حتى القدماء فلم تترك السينما شاعر فحلا أو معدمأ الا ووقفت عند بابه وطرقت قصته وكانت شخصياتهم تحاط بهاله من التعظيم. أليس الجواهري الذي ولد مع ولاده العراق الحديثة وخاض كل مفاصل حياتها ونشوءها أولى بان يقدم في عمل يستحقه؟
مأساه الجواهري هي مأساه بلد من أحتلال الى مملكه الى جمهوريه الى دكتاتور كل هذه الأدوار والسنون قد عاشها أبو فرات وشربت حياته وكانت هذه السنين هي الاثقل بالاحداث في تاريخ العراق من ولادة دوله عراقيه كان لها مجلس ودستور كان من أولى الدول في المنطقه. كما شهدت انقلابات وصور مفجعه ومعارك وأحتلالات وثورات.   
أنتاج فلم بحق الجواهري ليس بالمستحيل وان كان صعباً. وهو أبسط شيء نقوم به لنفي بحق هذا المبدع. ربما هنالك أسباب قد تعيق هذا المشروع ومنها ان الحديث عن حياة الجواهري يتطلب الوقوف على جوانب مظلمه ممن حكموا العراق. وبعض الحكومات السابقه لازالت محل خلاف بين الشعب. كيف يكون التعامل مع أحداث هي مهمه بالنسبه لحياة الجواهري وهي أحداث جسام في تاريخ العراق فمثلا  قضيه كمجزره قصر الرحاب وما حدث بها من انتهاكات ومسأله الانقلاب الاسود ومجزره القصر وقتل العائله المالكه وهذا مايثير  بعض التسائلات مع من تقف مع الضحيه أم مع الجلاد مع روايه القتلى أم مع تبرير قاسم وعبدالسلام عارف. الخلاف أيضا يدور حول دور الزعيم قاسم في المجزره وهل كان الامر متعلق فقط بعبدالسلام عارف. أمور كثير يتجنب الاعلام والسينما الاشاره اليها ولو بشكل مقتضب لانها تعتبر من الامور التي لم تحسم تاريخياً. ولأن الجواهري هو  كان طريد قاسم مثلما كان طريد البعث وهذه مسأله تثير شجون وربما تسبب احراج  لمحبين قاسم فيصعب التوفيق بين ألقصه التي يرويها الجواهري عن نفسه والقصه التي يحاول ألاخر أن يبرأ قاسم منها. واذا استطاع المخرج ان يبتعد عن هذه القضايا التي تثير حساسيه البعض وتسبب مشاكل وما أكثرها عند أنتاج أفلام لأشخاص معاصرين كما حدث مع فلم السادات او فلم نزار قباني أو حتى فلم محمود درويش تبقى مسأله الوقت فالجواهري رحمه الله كان قد ناهز المئه سنه وهذا السنين كان كل سنه منها هي مفصل ومرحله جديده في تاريخ العراق فمئه سنه تستلزم الاحاطه بكل هذه التحولات من انقلابات وحروب وهزائم وخصوصا وخصوصاً وهذا الخواء الذي تعانيه الدراما العراقيه.  فالسينما العراقيه وهي مصابه بالشلل ولا تجد من يوقضها من كبوتها او يرجع اليها بريقها الذي اضاعته الحروب والغزوات من الصعب عليها ان تحيط بكل هذه الاحداث اذا أرادت ان تصنع عمل يعتد به. كثيراً ما تعتمد الدراما على التاريخ أو الحقيقه لكي تقدم لنا صوره عن شخصيه أو عن مرحلة ما. فمنزله الجواهري بين الشعر العربي كمنزله الشعر من الادب وهو النهر الثالث. وهذه المرحله مليئ بالاحداث وثقلى بالهموم كان الجواهري صامدا والدنيا تدور من حوله لقد ضل الجواهري الذي يتحدث عن نفسه انه نجى بأعجوبه من كل هذه الاحداث التي صاحبها القتل والقصاص وكلما أتت أمه لعن ألاخرى ضل الجواهري ماسكا بأماره الشعر العربي وهو يحمل خشبته على ظهره.  عمل بقدر الجواهري ربما يعيد الى الدرامه هيبتها ويعيد لها وزنها ويمكن ان يحمل هذا العلم طابعا قوميه فالجواهري شاعر عربي فحل ولازالت محافل الشعراء والمثقفين العرب تعتبر الجواهري هو الملهم لهم اذا لم نقل انه أخر الشعراء العرب الكلاسيكين. لا ينفع الجواهري اليوم شارع يسمى بأسمه أو بيت من شعر يكتب او يذاع بقناة تلفزيوية. فمواقف الجواهري لم تترك له صاحبا حتى وصل الامر أن يصبح طريد وتسقط عنه الجنسيه.  ليس الموضوع هو للحديث عن ألجواهري أو حياته بل هو ما الذي تستطيع أن تقدمه الدراما العراقية تجاه هذا العملاق لماذا ركضت الدرامه إلى أن تدخر بعض الملوك والحكام وشخصيات سئمنا قصصها وحفظناها وتركت الجواهري.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات