-مقدمة
أثار إعلان مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان-العراق المنتهية ولايته منذ سنتين وفي خطوة مفاجئة، بعد اجتماعه، مع الأحزاب الكردية، يوم الأربعاء 7 حزيران 2017، تحديد موعد إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، والسادس من نوفمبر/ تشرين الأول من العام الحالي لإجراء انتخابات برلمان ورئاسة الإقليم.
وطيلة 120 يوماً اللاحقة كان أداء وردود أفعال حكومة حيدر العبادي في بغداد، ضعيفاً بل ويكاد يكون معدوماً، رغم العديد من محاولات الوساطة وزيارات الوفد الكري الى بغداد. وربما كان مرجع ذلك، هو قناعة الحكومة الإتحادية بإمكانية الغاء الإستفتاء. وبالمقابل كان الجانب الكردي مصراً على إجراء الإستفتاء بوقف متّسم بالعناد والتصلب، حتى تجاه أقرب الحلفاء كالولايات المتحدة الأمريكية التي أوفدت وزيري خارجيتها ووزير الدفاع الى كردستان، ولكن دون جدوى.
وقد تراوحت مواقف الدول تجاه فكرة الإستفتاء الكردي بين مؤيد ومعارض، وكان أشدها تأييداً له هو الموقف الإسرائيلي عبر تصريحات عديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كما وقفت الإمارات العربية المتحدة موقفاً مؤيداً وداعماً بشكل واضح وكان لبعثتها الدبلوماسية حضور واضح أثناء إجراء عملية الإستفتاء. في حين رفضت دول جوار العراق تركيا وإيران وسوريا، وكان أشدهم الموقف التركي الذي هدّد مسعود البرزاني على لسان رئيسه رجب طيب أردوغان، لسبب مبرر وهو وجود أقليات كردية في هذه الدول.
وأخيراً، أجريّ الإستفتاء بعد فشل كل المفاوضات بين الحكومة الاتحادية وأقليم كردستان-العراق، وفي ظِل أجواء مشحونة بالتطرف والشّد العاطفي المنفلت من الطرفين، ورفعت أعلام إسرائيل لأول مرة في العراق بهذا الشكل العلني وغير المسبوق، كما حرق ذات العلم في بغداد، ومزق جواز السفر العراقي هناك، وإنتشرت عبارات “وداعا ياعراق”، في مشاهد تذكِّر بأحداث عام 1991، عندما إلتجأ المعارضون الشيعة الى رفحاء بالسعودية بعد إنتفاضتهم الفاشلة، وهم يهتفون “باي باي عراق”.
والواقع إن هذا الإستفتاء الذي أخذ مديَات بعيدة، نتيجة الإعلام غير المسؤول، ليس الأول من نوعه في كردستان-العراق، فقد مارسته سلطات الإقليم ذاتها بالتزامن مع انتخابات عام 2005، وصوّت المواطنون في الإقليم المذكور بالموافقة على الإستقلال من عدمه، علما أن الكثير قد صوّتوا بنعم، وهم يعتقدون أن القصد من ذلك مشاركتهم في الانتخابات. ولم يُثر ذلك الإستفتاء أي ضجة كبيرة في حينه، وربما يعود ذلك لضعف الحكومة المركزية في بداية عهد التغيير السياسي آنذاك.
كلمة لا بد منها ورأي شخصي
كلمة لابد منها، قبل الخوض في الجوانب القانونية للاستفتاء موضوع البحث، وقبل التطرق الى النصوص القانونية الخاصة أو ذات الصلة بذلك، وهي تتضمن مواقف إتخذتها وآراء طرحتها أثناء مناقشة الدستور مدار البحث. فبالرجوع الى إجواء عام 2004-2005 إثناء إعداد دستور جديد دائم للعراق بإشراف الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، فقد عقدت العديد من الندوات وأجريت الكثير من الحلقات الدراسية وورش العمل، وإشتركت العديد من سفارات الدول الأجنبية وكلها تدلو بدلوها وتقدم تصورها الخاص لشكل الدستور العراقي القادم بعد مرحلة صدام حسين. وقد رَعَت السفارة الأميركية ببغداد الكثير منها، وإستضافت العديد من المختصين ورجال القانون وخبراء القانون الدستوري قبل عرضه على الإستفتاء الشعبي. وكنت من بين من تمت إستضافتهم لأكثر من مرة وفي أكثر من مكان.
وقد ركّزت في موقفي على عدد من الملاحظات القانونية، سأورد بعض منها لتعلقها بالوضع الراهن، على أمل أن أنشر البقية في صيغة تعديل لهذا الدستور لاحقاً، وهي: –
عدم وجود طبقة منتصرة: أثناء المناقشات العديدة، وبعد إطلاعي على المسودة الأولية لمشروع الدستور، تساءلتُ عن معنى الدستور كمدخل لفهم هذه النقطة. وكان الجواب يأتي أكاديمياً في أغلب الأحوال، ووفقاً للفقه القانوني التقليدي الذي نُدّرسه لطلبة المرحلة الأولى في كليات القانون، والمتمثل في تعريف الدستور، وهو بأنه: مجموعة القواعد القانونية التي تنظم ممارسة السلطة في بلد معين وفي زمان معين.
والحقيقة، إن هذا التعريف الأكاديمي التقليدي، يفتقر الى المعنى الفلسفي لجوهر الدستور وروحه. فالدستور-أي دستور- إنما هو وثيقة إنتصار طبقة سياسية على الطبقات الأخرى داخل المجتمع. وخبراء القانون الدستور المتمرسين يعرفون تلك الطبقة بمجرد إلقاء نظرة أولية عابرة على الدستور، وأوردت لذلك مثلاً، هو دستور العراق لعام 1968 الملغي، والذي أورد في مادته 41 مايلي:
“المادة الحادية والأربعون ـ مجلس قيادة الثورة هو الجهاز الثوري الذي قاد جماهير الشعب والقوات المسلحة صبيحة اليوم السابع عشر من تموز سنة 1968 وتتم تسمية أعضائه بقانون.”
وبالنظر الى هذه المادة الدستورية بعين الخبير، كنظر الطبيب الى أشعة المريض يستطيع أن يشّخص الطبقة السياسية المسيطرة في البلد والماسكة لزمام السلطة فيها، والتي بإمكانها فرضها على بقية طبقات المجتمع بالإكراه إستناداً لقوة القانون، والمتمثلة في (مجلس قيادة الثورة) الذي ظَلّ مسيطراً على السلطة في العراق منذ صدور هذا الدستور في 21 أيلول 1968 ولغاية 9 نيسان 2003.
بخلاف ذلك، جاء دستور 2005 غير مُوضِحٍ وكاشفٍ عن الطبقة المسيطرة في العراق، هل هي حزب الدعوة؟ أم الحزب الديمقراطي الكردستاني؟ أو بشكل أدّق كما جرى تسميتهم لاحقاً وهما التحالف الشيعي، أم التحالف الكردستاني؟ والحقيقة، إن القوى السياسية الجديدة في العراق أريد لها أن تكون متكافئة ومتعادلة في القوة والسيطرة لضمان عدم سيطرة طبقة على أخرى.
وقد توقعنا آنذاك إن هذا الدستور سيثير مشاكل عديدة لاحقاً، وقد يقود الى كوارث سياسية خطيرة كالتي نراها ونشهدها اليوم.
لم يرضي جميع الأطراف ملاحظتنا هذه، فقد كانت الولايات المتحدة هي التي عدّت مشروعها الخاص ووضعت بصماتها عليه مثل شكل الدولة الفيدرالي، ومنها أيضاً هذه البصمة الهامة من خلال خبيرها الخاص نوه فيلدمان، الذي تمكن بمهارة وإحترافية من أن يُلًغم هذا الدستور بألغام عديدة ستنفجر لاحقاً، والإجراء الكردي واحد منها. ولاحظنا أن الدول تسعى الى إستنساخ تجاربها في العراق، فالأمريكان أصروا على الشكل الفيدرالي للدولة المقبلة، وفي أحدى لقاءاتنا مع السفير السويسري في بغداد، كان متحمساً لاستنساخ تجربة الكانتونات السويسرية في العراق، وهذا ما أسميته أنذاك بالإستنساخ غير المنسجم والمتطابق. وقد فصّلت ذلك في دراسة سابقة نشرتها بعنوان (اسباب الانهيار السريع للسلطة في العراق).
التداخل التشريعي وإزدواجية التشريع: في إحدى مناقشات إعداد الدستور العراقي القادم والتي نظّمها الفرع الأول للحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظة دهوك في خريف 2004، وحضرت بصفتي أستاذا للقانون في كلية القانون جامعة دهوك، ولم أبُدي أي رأي طيلة وقت المناقشة، لولا طلب أحد القضاة الأصدقاء الأكراد ذلك، بإن الرأي عندي ولكني لا أرغب بالنقاش، فأبديت ملاحظة واحدة فقط، لقناعتي بأن هذه المناقشات هي لإضافة شرعية عراقية على مُسوّدة أمريكية.
وكانت الملاحظة تخُص مشكلة ازدواجية التشريع التي شهدها العراق سابقاً في دستور عام 1970 الملغي، حيث كان هناك ثلاث جهات تصدر القوانين الواجبة التطبيق على قدم المساواة وهي: مجلس قيادة الثورة (يصدر قرارات لها قوة القانون)، ورئيس الجمهورية (يصدر مراسيم جمهورية)، والمجلس الوطني (يُشرّع القوانين).
وبدا مشروع دستور عام 2005 يكرر نفس المعضلة القانونية، رغم وضع بعض الضمانات لإزالة التعارض الي بقي قائماً في التطبيق والواقع العملي. واليوم، نشهد تعارضاً بين قوانين المركز وقوانين الأقليم، بحيث أن سلطات إقليم كردستان غالباً ما إعترضت ورفضت تطبيق الكثير من القوانين التي يصدرها المركز لا بل صدرت قوانين عديدة تتعارض وتتقاطع مع قوانين الحكومة الإتحادية، لان النصوص الدستورية الخاصة بسلطات الإقليم تجيز لها تعديل القوانين الإتحادية وفقاً لمنطوق الفقرة ثانياً من المادة 121 من الدستور الحالي. والتي تنُص على ما يلي: –
المادة ( 121):
اولاً :ـ لسلطات الاقاليم، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية.
ثانياً :ـ يحق لسلطة الاقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم، في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم، بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
ثالثاً :ـ تخصص للأقاليم والمحافظات حصةٌ عادلة من الايرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها.
رابعاً :ـ تؤسس مكاتبٌ للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية، لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية.
خامسا:ـ تختص حكومة الاقليم بكل ما تتطلبه ادارة الاقليم، وبوجهٍ خاص انشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي للاقليم، كالشرطة والامن وحرس الاقليم.
ضعف مفهوم الدولة الموحدة: أما الملاحظة الثالثة والتي لا تقل أهمية عن سابقتيها، والتي أعترف بعدم ملاحظتها إلا بعد صدور الدستور، وهي إن الدستور العراقي الحالي لا يحافظ على وحدة العراق إسوة بكل دساتير العراق السابقة، وكل الدساتير في العالم.
فعلى الرغم من أن تعريف دولة العراق قد جاء في المادة الأولى منه كما يلي:
المادة (1):
جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.
إلاّ أن التلاعب بالمصطلحات واضح للباحث المدقق فيها. فالدولة الواحدة (A State-One State) لا تعني دولة موحدة (United State). فالدولة تبقى واحدة في مختلف أشكالها سواء أكانت دولة بسيطة أو مركبة، وسواء أكان نظام الحكم فيها مركزيا أم غير مركزي، كالنظام الفيدرالي والكونفدرالي.
وما يرسخ هذا المفهوم، هو القسم الذي يُردده رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والنواب الوارد في المادة 150 من الدستور النافذ، والذي يخلو من عبارة الحفاظ على وحدة البلاد، حيث جاءت صيغته كالآتي: –
(اُقسم بالله العلي العظيم، أن اؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ واخلاص، وان احافظ على استقلال العراق وسيادته، وارعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بامانةٍ وحياد، والله على ما اقول شهيد).
وواضح من المادة في أعلاه أن واجب رئيس الجمهورية يتمثل في الحفاظ على إستقلال العراق وسيادته) ولكنه غير ملزم بالحفاظ على (وحدته). وهنا يَشّذ الدستور العراقي عن جميع دساتير العالم، التي تعتبر أولى مهام رئيس الدولة (على إختلاف تسمياته) هو المحافظة على وحدة البلاد، ويعتبر الإخلال بها جريمة خيانة عظمى.
وهنا أتوقف عن سرد باقي الملاحظات على دستور العراق، وأكتفي بهذه الملاحظات، فالبحث في هذا الموضوع مما يدمي قلب كل عراقي وطني.
الجانب القانوني للإستفتاء
في الحقيقة، لا يثير الإستفتاء الكردي مشكلة قانونية إذا ما أعتبر مجرد إستطلاع للرأي أو إستبيان بحثّي، لمعرفة توجهات الرأي، على الرغم من أن هذه التوجهات معروفة سلفاً، فالدولة الكردية هي حلم كل كردي، كما أن الخلافة الإسلامية هي حلم كل مسلم، بإستثناء القلة التي لا يقاس عليها، فالعبرة للغالب الشائع لا القليل النادر. ولكن المشكلة تكمن في الأبعاد السياسية التي أعطيت للإستفتاء. فقد ساد شعور عام بسبب الدعاية الإعلامية، والتوجهات الحزبية وخاصة لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البارزاني، والدور غير المسؤول الذي لعبه وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري في إبراز طابع الخيانة العظمى للإستفتاء بدلاً من إبراز الطابع الوطني له، حيث إنتشرت صور لقاءات عقدت في داره مع أشخاص أجانب غير مرغوب فيهم في العراق خصوصاً، والشرق الاوسط عموماً، أمثال برنار هنري ليفي، عرّاب ما أصطلح عليه بالربيع العربي، وبيرنارد كوشنير وزير خارجية فرنسا السابق، والسيدة فيسنا پوزيچ وزيرة خارجية كرواتيا السابقة، وزلماي خليل زاده السفير الأمريكي الأسبق في العراق، وپيتر گالبريث السفير الأمريكي السابق في كرواتيا، وأخرون. كما ساهم تطرّف العامة في رفع الأعلام الإسرائيلية، بما يوحي بالطابع المعارض لتوجهات السياسة العامة في العراق والمنطقة. وهذا ما أثر سلباً -في تقديري- على الطابع الوطني للإستفتاء المستند الى حق الشعوب في تقريرها مصيرها، ولم ينص هذا المبدأ الدولي على حق الشعوب في خيانة وطنها. وهذا ما إستغربته شخصياً، بحكم إنتمائي لكردستان-العراق.
كما جاءت نتائج الإستفتاء التي أعلنتها المفوضية العليا للإستفتاء هذا اليوم بنسبة تُذكِرنا بنتائج تصويت صدام حسين وإستفتاءاته بشكل تقريبي وهي 92%، وسط تنديد العديد من المنظمات الدولية بالكثير من الخروقات التي رافقت عملية الإستفتاء.
وسنتناول الجوانب القانونية لهذا الإستفتاء في الدستور العراقي وقرارات المحكمة الإتحادية.
أولا. في الدستور
وإذا أردنا أن نجرد النصوص الدستورية المتعلقة بالإستفتاء الكردي وفقاً لدستور العراق لعام 2005 النافذ فيمكن جمعها وكما يلي: –
النصوص الدستورية الواردة في دستور العراق لعام 2005 ذات الصلة هي: –
نصت المادة الأولى منه على ما يلي:
المادة (1):
جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.
المادة (5):
السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، ….
المادة (13):
اولاً: يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزماً في انحائه كافة وبدون استثناء. ثانياً: لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم أو اي نص قــانوني آخــر يتعارض معه.
المادة (14):
العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية …..
المادة (18):
أولاً: الجنسية العراقية حقٌ لكل عراقي، وهي أساس مواطنته.
ثانياً: يعدّ عراقياً كل من ولد لأب عراقي أو لأمٍ عراقية، وينظم ذلك بقانون.
المادة (27):
اولاً: للأموال العامة حُرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن.
ثانياً: تنظم بقانون الاحكام الخاصة بحفظ املاك الدولة وادارتها وشروط التصرف فيها والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الاموال.
المادة (61):
يختص مجلس النواب بما يأتي:
سادساً:
أ ـ مساءلة رئيس الجمهورية بناءً على طلبٍ مسبب بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب.
ب ـ اعفاء رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، بعد ادانته من المحكمة الاتحادية العليا في احدى الحالات الاتية:
1 ـ الحنث في اليمين الدستورية.
2 ـ انتهاك الدستور.
3 ـ الخيانة العظمى.
المادة (67):
رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لأحكام الدستور.
المادة (93):
تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي:
اولا: الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة.
ثانيا: تفسير نصوص الدستور.
ثالثا: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة.
رابعاً: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية.
المادة (94):
قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة.
الباب الرابع
اختصاصات السلطات الاتحادية
المادة (109):
تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي.
المادة (110):
تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الاتية:
ثانيا: وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه.
الباب السادس
الأحكام الختامية والانتقالية
الفصل الأول
[الأحكام الختامية]
المادة (126):
اولا: لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/5) اعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور.
ثانيا: لا يجوز تعديل المبادئ الاساسية الواردة في الباب الاول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام.
المادة (131):
كل استفتاء وارد في هذا الدستور يكون ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين مالم ينص على خلاف ذلك.
المادة (142):
ثالثا ـ تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب، وفقا لما ورد في البند (ثانيا) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ إقرار التعديل في مجلس النواب.
رابعا ـ يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر.
المادة (144):
يعد هذا الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره في الجريدة الرسمية وتشكيل الحكومة بموجبه.
وبإختصار، فإن الدستور الحالي لم يتطرق إطلاقاً الى مسألة (الإستفتاء) بقصد الإستقلال أو الإنفصال: كما هو الحال في الإستفتاء الكردي. وما أورده الدستور النافذ بصدد الإستفتاء قد وردت على سبيل الحَصْر في ثلاثة مواضع للتعبير عن ثلاثة أشكال من الإستفتاء حصراً، وهي: –
كل استفتاء وارد في هذا الدستور (م 131 من الدستور).
الإستفتاء الشعبي على تعديل الدستور (م 142 من الدستور).
الإستفتاء على إقرار الدستور الحالي (م 144 من الدستور).
بخلاف هذه الحالات الواردة في الدستور حصراً، لا يجوز إجراء أي إستفتاء يمّس كيان الدولة العراقية وسيادته وإستقلالها ووحدة التراب العراقي أرضاً وجواً وبحراً.
ثانياً. في قرارات البرلمان
أما البرلمان العراقي، فقد أعلن مجلس النواب الثلاثاء 2017-09-12 أنه رفض في عملية تصويت إجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان المزمع إجراؤه في 25 أيلول/سبتمبر الحالي، ما أدى إلى انسحاب النواب الأكراد من الجلسة.
واعتبر رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري أن عملية التصويت هذه تؤكد “حرص مجلس النواب على وحدة العراق ترابا وشعبا”، مؤكدا “إلزام رئيس الوزراء (حيدر العبادي) باتخاذ كافة التدابير التي تحفظ وحدة العراق والبدء بحوار جاد لمعالجة المسائل الموجودة بين بغداد والإقليم”.
وقال النائب محمد الكربولي “الأعضاء الكرد انسحبوا من الجلسة لكن القرار برفض الاستفتاء تم تمريره بالأغلبية”.
وقال النائب الكردي ماجد شنكالي إن الأكراد سيرفضون القرار. وقال “هذا القرار ليس له قيمة ولن نقوم بتطبيقه”.
ورفضت حكومة العبادي من قبل الاستفتاء ووصفته بأنه خطوة أحادية الجانب وغير دستورية.
ثالثا. في قرارات المحكمة الإتحادية
اصدرت المحكمة الاتحادية العليا، اعلى سلطة قضائية في العراق، وبناءً على طلب رئيس الوزراء، الاثنين “امراً ولائياً” برقم 94/أتحادية/2017 بتاريخ 17/9/2017 بإيقاف الاستفتاء المرتقب حول استقلال اقليم كردستان في 25 ايلول/سبتمبر الحالي، حيث نصّ على أنه، وبعد المداولة ولتوفر الشروط الشكلية القانونية في الطلبات، أصدرت المحكمة أمراً ولائياً بإيقاف إجراءات الاستفتاء المنوي إجراؤه بتاريخ 25 أيلول 2017، بموجب الأمر الرئاسي المرقم (106) في 8 حزيران 2017 الصادر عن رئاسة الاقليم الكردي لحين حسم الدعاوى المقامة بعدم دستورية القرار المذكور”.
وجاء تدّخل السلطة القضائية، التي قضت بـ«عدم دستورية» إجراء الاستفتاء، بناءً على طلب تقدم به رئيس الوزراء حيدر العبادي، ويتهم «الطلب الولائي» الذي قدمه الأخير إلى المحكمة الاتحادية رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وبرلمان الإقليم بمخالفة أحكام الدستور، من خلال تأييدهما لموضوع الاستفتاء، معتبراً أن من شأن إجراء من هذا النوع أن «يؤدي إلى نتائج خطيرة لا يمكن إزالة آثارها، تؤدي إلى تقسيم العراق، وتهدد السلم الأهلي في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، فضلاً عن تهديده للسلم الإقليمي»، كما ورد في نص كتاب طلب العبادي. بدورها، قالت المحكمة الاتحادية العليا إنها اجتمعت بحضور كل أعضائها، ونظرت في الطلبات المقدمة بوقف إجراءات الاستفتاء في إقليم كردستان والمناطق المشمولة بالاستفتاء خارجة سيطرته. وأكد بيان صادر عن المحكمة الاتحادية «توفر الشروط الشكلية القانونية في الطلبات». وعلى ضوء ذلك، «أصدرت أمراً ولائياً بإيقاف إجراءات الاستفتاء المنوي إجراؤه»، وذلك استناداً إلى أحكام المادة (151) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969.
و “الأمر الولائى”، هو نمط من القرارات التي يجوز للقضاء اتخاذها في قضايا مستعجلة، ويغلب على هذه القرارات الصفة الإدارية أكثر من الصفة القضائية، فهو قرار وقتي يصدره القاضي في الأحوال المنصوص عليها في القانون في أمر مستعجل بناءا على طلب يقدم إليه من أحد الخصوم، ولا يشترط في إصداره مواجهة الخصم الآخر.
وقد تناول الفقه العراقي بحث هذه المسألة في “أثر الصياغة التشريعية في الأحكام القضائية”، والذي إستند على قرارات المحاكم العراقية، حيث جاء فيه: –
“فإن الأمر الولائي أعلاه لا يشكل حجة تجاه هذه الدعوى يقيد المحكمة أو يعطل صلاحيتها في نظر الدعوى لان ذلك الأمر لا يرقى إلى مستوى الحكم القضائي الذي يكون حجة بما فصل فيه حيث إن حكم المادة (105) إثبات جاء حصرا في منح الحجية للأحكام ولم يرد فيه ما يشير إلى شمول الأمر الولائي بهذه الحجية لأنه ليس بحكم قضائي. نصت المادة (151) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل على مايلي: –
(لمن له حق في الاستحصال على امر من المحكمة للقيام بتصرف معين بموجب القانون ان يطلب من المحكمة المختصة اصدار هذا الامر في حالة الاستعجال بعريضة يقدمها الى الحاكم المختص وتقدم هذه العريضة من نسختين مشتملة على وقائع الطلب واسانيده ويرفق بها ما يعززها من المستندات).
إن فقه قانون المرافعات أشار إلى أن الأمر الولائي ليس بحكم قضائي فاصل في الدعوى وإنما هو من الأعمال القضائية التي تباشرها المحكمة عرضا عند النظر في اصل الدعوى من جهة الموضوع وتكون هذه الأوامر القضائية اقرب إلى أعمال الإدارة القضائية للدعوى و أطلق عليها اسم الأعمال الولائية وهذا ما أشار إليه المرحوم عبدالرحمن علام في كتابه الموسوم (شرح قانون المرافعات رقم 83 لسنة 1969 – ج3 ـ ط2 ـ ص124) ويكون الأمر الولائي بذلك غير ذي حجة تجاه طلب المدعي فضلا ان الحكم يكون فاصل في الدعوى من جهة الموضوع ويصدر بناء على طلب وخصومة متحققة ومرافعة تجري بين الأطراف على وفق تشكيل صحيح من محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا وهذا ما أشار إليه الدكتور محمد سعيد عبد الرحمن في كتابه الموسوم (الحكم القضائي أركانه وقواعد إصداره ـ منشورات مكتبة الحلبي الحقوقية – الطبعة الأولى بيروت عام 2011 ـ ص127) بينما الأمر الولائي لا يكون بمواجهة الخصوم ويكون اقل حجية حتى من القضاء المستعجل الذي لا يصدر إلا بمواجهة الخصوم وبذلك فان الأمر الولائي حجيته مؤقتة قابلة للنقض على خلاف الحكم القضائي او قرار القضاء المستعجل حيث أتاح القانون للقاضي أن يرجع عن الأمر الولائي الذي أصدره بعد التظلم منه على وفق حكم المادة (153) مرافعات بينما في الحكم او في قرار القضاء المستعجل فان يد المحكمة ترفع ولا يجوز الرجوع عن القرار وإنما يتم الطعن فيه أمام محكمة ذات درجة أعلى وهذا يؤشر أن الأمر الولائي حجته مؤقتة في حدود الدعوى التي صدر بموجبها ذلك القرار وصفة الوقتية التي يتصف بها الأمر القضائي تنتهي حين التعرض لأصل الحق من محكمة الموضوع وعلى وفق ما ذكره فقهاء قانون المرافعات ومنهم القاضي هادي عزيز علي في كتابه الموسوم (القضاء المستعجل ـ الطبعة الأولى ـ بغداد عام 2008 ـ ص42 ) ويعدها البعض الآخر من شراح قانون المرافعات بأنها إجراءات تحفظية يزول أثرها بقرار من ذات القاضي الذي أصدرها وعلى وفق ما ورد في كتاب (قضاء الأمور المستعجلة ـ ج1 ـ الطبعة السابعة ـ بيروت ـ ص159 ، تأليف محمد على راتب والمستشار محمد نصر الدين و والمستشار محمد فاروق راتب) . وبذلك فان الأمر الولائي لا يتمتع بالحجية المشار إليها في حكم المادتين (105 ـ 106) إثبات ولا يعد معطلا لسلطة هذه المحكمة في النظر بأصل الحق.
إن القرار الولائي لابد أن يصدر لمن له الحق في طلبه وبمقتضى القانون، بمعنى أن يكون هناك نص في القانون يعالج موضوع طلب الاستعجال أو إصدار الأمر الولائي تستند إليه المحكمة عند إصدار ذلك الأمر الولائي”.
وفي رأينا، إن الأمر الولائي الصادر من المحكمة الاتحادية بصدد الإستفتاء المذكور، لا يلغي الإستفتاء وإنما يوقفه مؤقتاً فقط لحين البت في نتيجة الدعوى الاصلية، كما لا يمكن الإعتراف بنتيجته بعد إجراءه، لإن إقامته قد جاءت مخالفة لقرار المحكمة الإتحادية، وكان من المفروض أن يتم تأجيله لحين البت في أساس الدعوى. لأنه مجرد أمر إداري تصدره المحكمة المختصة بناءا على طَلَبْ طَالِبْ الأمر الولائي، بشكل مستعجل لحفظ حقوقه القابلة للضرر نتيجة التأخر في حسم الدعوى الأصلية نظراً لطول إجراءاتها. وهو أولا وأخيراً ليس بحكم قضائي. وهذا ما يميزه عن القضاء المستعجل الوارد بأحكام المادة 142 من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
والحقيقة، لم نجد ما يشير الى أن الفريق القانوني قد أقام الدعوى للبت في شرعية الاستفتاء ومدى مخالفته للدستور، أي أساس الدعوى (الدعوى الأصلية)، لأن الأمر الولائي هو مجرد إجراء إداري بوقف بعض التصرفات لتجنب الإضرار بحقوق طالب الأمر الولائي وحماية حقوقه وحفظها لحين البت في الدعوى الأصلية، وفي حالة عدم وجود مثل هذه الدعوى فإن الأمر الولائي يسقط تباعاً.
وقد حدّد الدستور مهام المحكمة الاتحادية وصلاحياتها في المادة 93 من الدستور النافذ، وهي: –
أولا:- الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.
ثانياً:- تفسير نصوص الدستور.
ثالثاً:- الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة.
رابعاً:- الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.
ويبقى هذا القرار الولائي مجرد إجراءا إحتياطياً معلقاً على نتيجة الدعوى الأصلية. والغريب أن عريضة الطلب الولائي التي تقدّم بها (حيدر الصوفي) المستشار القانوني المساعد لرئيس الوزراء حيدر العبادي (طالب الأمر الولائي) لا يذكر إطلاقا بوجود دعوى أصلية أمام المحكمة، كما أنه ذهب بعيداً في إعتبار (الإستفتاء على إنفصال الإقليم يؤدي الى تقسيم العراق وتهديد السلم الأهلي في ظل الظروف الأمنية والإقتصادية التي يمر بها البلد فضلا عن تهديده للسلم الإقليمي). وأرجو أن لا تكون المحكمة المذكورة قد ذهبت بعيداً أيضا في أمرها الولائي إذا ما إعتبرت الاستفتاء مخالفاً للدستور، لان هذا يدخل في أساس الدعوى الذي يتجاوز الأمر الولائي الذي كل ما يستطيع فعله هو وقف إجراءات الإستفتاء لحين البت في دستوريته من عدمها. وهنا جاز لسلطات أقليم كردستان العراق الإعتراض عليه والمطالبة بإلغائه. وهذا ما فات الفريق القانوني لمسعود البارزاني، وكذلك الفريق القانوني لرئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي لم يُقم -بحسب علمنا- الدعوى الأصلية حتى الأن.
وختاما، يبقى إستفتاء كردستان، إستبياناً ذو طابع سياسي، وهذا مضمون التصريح الصادر من الحكومة الأمريكية والذي نشرته سفارتها في بغداد بعد الإستفتاء بيوم واحد والذي أشارت فيه الى أنه (إستفتاء غير ملزم). وقد يقود الى المزيد من التصعيد نتيجة التصلب في المواقف، وتجنب الحلول السلمية، وتدخل الدول الأخرى نتيجة لمصالحها الخاصة، أو يؤدي الى إنهيار السلطة السياسية التي قامت في العراق بعد 2003 وحتى الآن.