لم يكن مستغرباً أن يخرج خامنئي ” المرشد الأعلى ” للجمهورية الإيرانية الإسلامية ببعض التصريحات حول ما يدور من أحداث في العراق ولبنان والتي تَنُم عن غباء سياسي واضح لأعلى مسؤول في إيران ، حيث يوصي بمعالجة ” أعمال الشغب ” التي تديرها أمريكا وإسرائيل في العراق ولبنان ” حسب تعبيره ” ويُعَلِق بأن مطالب المتظاهرين في كلا البلدين تتحقق حصراً ضمن الأطر والهيكليات القانونية في البلدين . إن تصريحات المرشد الأعلى الإيراني خامنئي بخصوص التظاهرات تنم إما عن غباء وجهل سياسي أو خَرَف نتيجة تقدم العمر . فهو يوصي بمعالجة التظاهرات السلمية ويسميها وبوصفها ” أعمال شغب ” وهو يعلم بإدراكه المحدود بأن التظاهرات في مجملها سلمية منذ بدايتها ولحد الآن والتي تطالب بحقوقها المسلوبة من قبل سلطة سيطرت عليها كيانات وأحزاب ورموز ذات ولاءات واضحة ومعلنة للنظام الإيراني وهذا ما دعى المتظاهرين الى المناداة بإسقاط السلطة ورموزها من أجل حياة ومستقبل واعد للشباب والمجتمع ككل . ومع الأسف فإن هذا ” المرشد ” يوصي بمعالجة ” أعمال الشغب ” حسب تعبيره أي يوصي أتباعه ومليشياته في العراق ( وهم معروفين للجميع ) بالقضاء على التظاهرات السلمية بأي وسيلة ، وهذا ما يفسر إستخدام السلطة في العراق كل وسائل القمع وإستخدام الرصاص الحي والقنص ضد المتظاهرين السلميين مما تسبب في سقوط الآلاف من القتلى والمصابين ولم يَدرك هذا ” المرشد ” بأن دعوته للسلطة في العراق بقمع التظاهرات السلمية عبارة عن تدخل واضح في الشأن الداخلي للعراق ، وكذلك يعطي الدليل على إن القناصين الملثمين هم إيرانيون أو من أتباعهم حيث كانت لهجات بعظهم المسموعة إيرانية . ومع إن تظاهرات الشباب في معظم محافظات العراق كانت عفوية وسلمية خرج ” المرشد ” الذكي بإسطوانته المشروخة وهي إن وراء هذه التظاهرات أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الغربية وبأموال بعض الدول الرجعية . وهنا أجبن ” المرشد ” في تسمية هذه الدول الغربية والدول الرجعية على إعتبار إنه ” بذكائه ودهائه السياسي ” لا يريد أن يُثير حفيظة هذه الدول ( وهي بريطانيا والسعودية ) .
أما بالنسبة لتصريحه بأن مطالب المتظاهرين تكون حصرا ضمن الأطر القانونية والهيكلية في البلد ، وكأن ” المرشد ” يعتبر المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين من تحسين ظروف الحياة ومحاسبة المسؤولين الفاسدين وتوفير فرص العمل ووقف سرقة وهدر المال العام من قبل جميع أركان السلطة وتحرير البلد من التدخلات الخارجية وإستقلالية قراراته لم تكن ضمن الأطر القانونية والهيكلية ، وهل إن خروج الشعب في تظاهرات سلمية منادية بحقوقها لم تكن ضمن الأطر القانونية والهيكلية حسب رأي ” المرشد ” ، في حين كان على هذا ” المرشد ” أن يفهم ويستوعب بأن حق الشعب في التظاهر السلمي مكفول بموجب الدستور ولا ينبغي أن تواجه التظاهرات السلمية بالعنف والقتل المباشر من قبل بعض العناصر المسلحة سواء كانت من ضمن الأجهزة الأمنية أو المليشيات المسلحة ذات الولاءات الخارجية المعروفة . والأهم من كل ذلك فإن عدم إستنكار ” المرشد ” لإستخدام العنف المفرط وقنص الشباب المتظاهر سلمياً في العراق ، بل وتوجيهه بمعالجة التظاهرات السلمية ( أي القضاء عليها ) والتي أطلق عليها صفة ” أعمال الشغب ” ما هو إلا دليل واضح على ضلوع السلطة الإيرانية وعلى رأسها ” المرشد ” في قمع التظاهرات في العراق بشكل مباشر من خلال قناصيها الملثمين أو بشكل غير مباشر من خلال أذرعها المليشياوية المسلحة في العراق .
إن الجميع يفهم حقيقة ردود فعل المرشد خامنئي إتجاه التظاهرات السلمية في العراق التي هزت أركان السلطة الحاكمة فيه مما سيحد من توغل التأثير الإيراني في الشأن والقرار العراقي ومن ثم فشل أو عرقلة المشروع الإيراني الاستراتيجي من ربط المد المذهبي الأيديولوجيي من إيران الى البحر المتوسط مروراً بالعراق من خلال سلطة موالية وتابعة له ثم بسوريا فلبنان . وليس من الغريب أن يوجه ” المرشد ” أتباعه في العراق من مليشيات مسلحة مثل فيلق أو منظمة بدر وعصائب أهل الحق وحزب الله العراقي وحركة النجباء وغيرها من المليشيات والرموز الموالية له وذراعه المؤثر في لبنان وهو حزب الله اللبناني لإستخدام كل وسائل القمع الوحشي للتظاهرات السلمية في كلا البلدين وإتباع أساليب القتل والخطف والترهيب لإفشال أهداف التظاهرات والحفاظ على الهدف الاستراتيجي الإيراني مهما كلّف الأمر . وقد تناسى هذا ” المرشد ” بأن الأوضاع العامة في المنطقة قد تغيرت وبدأت شعوب المنطقة تعي مدى الظلم والتعسف والتخلف والتأخر الذي تعاني منها هذه الشعوب ولسنوات عديدة بسبب السلطات الحاكمة الفاسدة ذات الولاءات الخارجية غير الوطنية وبدأت مرحلة التغيير وسوف يتم تقديم جميع من تسبب في مآسي ومعاناة هذه الشعوب الى العدالة لمحاسبتهم على ما سببوه من فقر وعدم آمان وقتل وتهجير وسرقة موارد البلد حتى ولو هربوا الى الدول المجاورة أو البعيدة وإستقروا فيها فسوف يتم ملاحقتهم قضائياً محلياً ودولياً لإسترجاع أموال وحقوق الشعب التي نهبوها .