لم يكن انهيار الفرق العسكرية في المناطق الساخنة بالامر المفاجئ,انما جاءت الاخبار والمعلومات بأن اغلب المنتسبين من الضباط والمراتب الى تلك الفرق كانوا لايعودون الى وحداتهم بعد انتهاء مدة الاجازة,والاسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه المعنويات المهزوزة هي الحكومة والبرلمان,
بل ان القائد العام للقوات المسلحة ( والذي اثبتت التجارب انه لايملك اية معلومات او خبرات عسكرية مهمة او عادية ,وحتى البسيطة منها)
كان اثناء المعركة يحاور بعض سياسي وشيوخ الفتنة,مقدما لهم التنازلات,ومبديا في احيان كثيرة استعداده عن اصدارعفوا عاما عن الارهابيين تحت عباءة المغرر بهم(قبل احداث سقوط الموصل وتكريت كان يعد لاصدار عفو وكذلك بعدها) ,
كانت هذه العوامل الكارثية عبارة عن رسائل انهزامية تضخ للجيش وهو يقاتل تحت خط النار,واية نار تلك التي تكون صديقة في النهار, وعدوة في المساء,وفي محافظات عراقية,
هذا فضلا عن ان طريقة واسلوب واليات اعداد وتدريب وتوزيع الجيش لم تكن سليمة,
وقد حذرنا من الانهيار اكثر من مرة,وليتهم جلبوا مع عباءة الديمقراطية كل ادواتها ومبادئها والياتها,والتي عادة ماتكون مستندة على اعمدة وقوائم الرأي الاستشاري العلمي والاكادمي,
فكيف وثقت الكتل البرلمانية بالوضع الامني في المحافظات المتوترة, بحيث تركت كل تلك الاسلحة والمعسكرات والمدارس والكليات الحربية منتشرة في مناطق شبه ساقطة امنيا
,هذا ماينتظره ذوي ضحايا تلك المجازر وابناء شعبنا الصابر ان تخبرهم به الحكومة والبرلمان.
يقال ان فتوى السيد السيستاني حفظه الله (المتعلقة بالجهاد) انقذت العراق من الفوضى والانهيار,واوقفت تقدم داعش وفلول البعث البائد والتوجه نحو العاصمة بغداد,واجهضت على مخططاتهم التخريبية التدميرية ,واعادت الهيبة وزمام المبادرة الى قواتنا البطلة من الجيش وجحافل التطوع الشعبي,
ولكن مانود ان نطرحه للنقاش هنا حول هذه الفتوى التاريخية,
هو حول بروز ظاهرة الاستثمار الشخصي والسياسي على السطح لتلك الفتوى,وكذلك تراجع المرجعية التكتيكي عن استكمال جوانب تلك الفتوى التكميلية, بدعمهم العملية السياسية الحالية وضرورة الاستمرار بها ,رغم كل الذي حصل ولازال مستمرا,
والمخاوف التي اود ان اشير اليها هنا وبحذر شديد ,هو فيما يتعلق بقوة استمرارية تلك الدعوة الجهادية,
وهل ان العودة الى مربع المحاصصة والتوافق السياسي لتوزيع الرئاسات الثلاث والمناصب السيادية الاخرى ستكون عاملا مدمرا لتلك الفتوى ,ومضعفا للمعنويات العالية التي يتمتع بها المقاتل العراقي حاليا,
فما نراه في قبة البرلمان لايحمل في طياته اية بوادر تفائلية,فبعد ظهور رؤساء الكتل والاعضاء الشبه دائمين فيه(وهذا وحده ملف وقصة فساد انتخابي متكرر),وعودتهم الى مربع التوافق السياسي السابق,يعطي اشارة سيئة بأن ماورثه الشعب بعد عام 0320 من فساد مالي واداري وعسكري او امني وسياسي باق ,
بل يبدوا انه متجذر وثابت ولايستطيع احد تغييره(لا المرجعية ولاحتى مخططات داعش),
فالحقائق تقول ان الذي جلس في البرلمان يوم افتتاح الدورة الجديدة, هم انفسهم كانوا في الحكومة منذ عهد بريمر وحتى يومنا هذا,هم من كتب الدستور,
وشرع القوانين والامتيازات ,
ومنع التشريعات المصيرية بما فيها الموازنة الاتحادية,
من بينهم من يؤيد داعش,
وفيهم اخرين يؤيدون اقامة دولة كردستان التابعة لتركيا واسرائيل وهكذا,
اذن هل جاءت الفتوى السيستانية الشرعية لحماية هؤلاء ,وحماية العملية السياسية التي كانت عاجزة عن اعتقال اي نائب برلماني او وزير فاسد, لان كتلته البرلمانية او الحصانة تحميه من الملاحقة القضائية,
ام انها جاءت لحماية العراق من خطر الارهاب,
اذا كانت كما هو معروف عنها لمقاتلة داعش وفلول الجريمة والارهاب وجنود الشيطان,كان المفروض ان تصدر بعدها ملاحق سياسية تشريعية,اي ان الشعب والمكون الشيعي تحديدا ليسوا قرابين رخيصة تقدم على موائد السياسيين الفاسدين,
وليست مشروعا ترقيعيا لسد منافذ الخلل والفراغ, الذي تركه الجيش وانسحب من مواضعه ومواقعه العسكرية بظروف غامضة,
وقد يعود لها يوما او لا تبعا للصفقات السياسية,
والا ماذا يمكن ان تقول المرجعية والكتل السياسية للشعب والمتطوعين وعوائل الضحايا من شهداء فتوى الجهاد الكفائي,
اذا سارت الكتل السنية والكردية نحو التقسيم والفدرلة والاقلمة المصطنعة لمناطقهم,
نحن شخصيا نقول ان الفتوى يجب ان تكون لها ابعاد واقعية مؤثرة في العملية السياسية الحالية, والمشهد السياسي المستقبلي العام,اي انها يجب ان لاتمنح كل الثقة للكتل البرلمانية المتلهفة حول المناصب والمنافع السياسية,
والتي لاتريد ان تعترف انها كانت احد اسباب الفساد والفوضى والفشل الديمقراطي والسياسي العام في العراق,فهي لاتحمل اي افكارا للاصلاح والتغيير, ولاتريد التفكير جديا في البحث عن بدائل فاعلة من الكفاءات والخبرات والطاقات الوطنية المغيبة,
فحتى مديرية الحشد الشعبي التي اطلقها مكتب رئيس الوزراء ارسل لها مدير من مكتبه ,وهذا يدلل على انهم لاينظرون ابعد من سعة امتار مكاتبهم…الخ.
مانود التأكيد عليه هنا هو ان الشعب عليه ان يبحث عن بدائل سياسية جديدة,بعد ان جرب التوافق والمحاصصة وتوزيع المناصب بين المكونات السياسية والاقليات الاجتماعية, وفشلت كل تلك المحاولات,وان لايستهين بالتجربة المصرية الرائدة المتمثلة بثورة الجيش الاصلاحية,
ولايمكن لاي قوة ان تكون ممثلا رسميا للشعب ورديف حكومي رسمي للنظام ومؤسسات الدولة,غير الجيش او المؤسسة العسكرية,
فنحن الان وبعد كل هذه الدماء والضحايا والارهاب,لازلنا نفتقر لوجود مؤسسة عسكرية رصينة يمكن الوثوق بها في حال انهيار العملية السياسية برمتها,
ولهذا اعود لمقترحي القديم المتجدد بالدعوة لتشكيل مجلس عسكري مرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة والبرلمان العراقي, لكنه يتمتع باستقلالية ادارية ومالية وعسكرية,يكون اعضائه من القيادات العسكرية الكبيرة صاحبة التاريخ والمهنية والنزاهة المعروفة,
اما اذا كانت هناك مخاوف من احتمالات حصول انقلابات عسكرية في المستقبل, وعودة شبح الدكتاتورية,فهذه تكفلت به القوى العظمى التي ارست مبادئ النظام العالمي الجديد,والذي تمنع قيام مثل هكذا انظمة في القرن الامريكي الاوربي الجديد,
بحيث يمكن ان تكون نفس الكتل السياسية ضامنة لنزاهة تلك المؤسسة , وكذلك قدرات السلطات الدستورية الثلاث(التشريعية- التنفيذية -القضائية)
المتمكنة من التحكم بمثل هكذا مجلس او مؤسسة وطنية مهمة,
اما بخصوص الجدوى والفائدة التي يمكن ان يجنيها العراقيون من تأسيس هكذا تشكيلات عسكرية مؤسساتية,
هو منع تكرار الشعور بالفراغ السياسي المحتمل,و ظهور شبح الانهيارالذي اقترب شيئا ما من العملية السياسية,
ولمسنا شيئا منه بعد سقوط الموصل واجزاء من تكريت وديالى,
والمحافظة على الدولة والنظام والجيش معا من التفكك وفي مختلف الظروف والازمات ,وابعاد التوترات النفسية للمجتمع وكـأننا نعيش ايام وظروف سقوط بغداد على يد الاحتلال الامريكي البريطاني,
كذلك ندعوا الكتل البرلمانية المستهدفة من الارهاب ودعاة التقسيم ان تكون بمستوى المسؤولية الوطنية والاخلاقية والشرعية, يعملون بشجاعة المقاتلين الذين يواصلون القتال ليل نهار ضد الارهابيين,في محاسبة مروجي الفتن والفوضى والانفصال,
وطردهم كليا عن العملية السياسية واحالتهم الى القضاء,وكذلك ابعاد اي صورة من صور التدخلات الخارجية بالشأن العراقي بما فيها مكاتب الامم المتحدة المتواجدة في بغداد,التي لاتنبش ولاتبحث الا عن قبور وملفات الارهابيين ,ولاتتابع الا قضاياهم.
المطلوب ان تستكمل الاجزاء الاخرى المفقودة من فتوى الجهاد الكفائي,والتي تعني جهاد ضد الخونة والارهابيين ومؤيديهم والداعمين لهم ,
وكذلك ضد الفاسدين من السياسيين الذين اوصلوا البلاد الى هذه الحالة المزرية,
والا اصبحت تلك الفتوى سلاحا ذو حدين, سلاح بوجه الارهاب لكنها تسمح لسياسيي المنطقة الخضراء بالاستمرار في لعبة الامتيازات والمنافع والمصالح الشخصية,تلك التي لم تتحدث او تنتفض لطرد الارهابيين من الموصل,واعتبرتها من الامور الطبيعية
ان فتوى الجهاد كانت اكبر من حجم العملية السياسية ,ردت بقوة وبصدق وبشعورعال بحجم الكارثة على التهديدات المحيطة بالعراق وشعبه ومستقبله,لكنها لم تستكمل مقومات الانجاز الكامل للتصدي والاصلاح,فقد رمتها في ملعب السياسيين,وهم وضميرهم..