الأمريكان عندما احتلوا العراق وعبروا المحيطات وصرفوا الأموال وقدموا التضحيات ليس من اجل سواد عيوننا وليس كما يدعون إزالة حاكم متسلط على العراق حيث المعروف هو من صنيعتهم , ولكن كل هذه التضحيات الجسام هي من اجل السيطرة على العراق بصورة مباشرة ونهب خيارته وتمزيق وحدته وتامين ظروف أمنه للكيان الصهيوني , لكن مقاومة المحتل بالطرق السلمية هي من أجبرته على ترك العراق وهذا ما احترفوا به أنفسهم وكان للمرجعية العليا الدور الكبير والمميز فيه فقد أحرجت وأزعجت المحتل عندما أصرت ان لا يكتب الدستور العراقي الا بأيدي عراقيين منتخبين وقد رضخ
الأمريكان صاغرين لهذا المطلب لأنهم على دراية بان المرجعية وراءها مد شعبي كبير متى ما أمرته سيقلب الأرض على رؤوسهم لاسيما وقد جربوا حظهم في المعارك التي جرت في شهر اذار وبداية نيسان عام 2003 في البصرة والناصرية والنجف حيث قاتل الجيش العراقي ببسالة وشرف في حين لم تطلق رصاصة واحدة على المحتل في المناطق الأخرى من العراق … ويمكن الاطلاع على ما كتبه السفير بول بريمر في كتابه عام قضيته في العراق لنعرف بالتفاصيل ما لعبته المرجعية من دور كبير في مقاومة المحتل سلميا وارغامة على كثير من القرارات التي تخالف رؤيته وأهدافه ومصالحه .
لقد اخرج المحتل الأمريكي من العراق بعد اجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة لكثرة المطالب الشعبية برفض وجوده على ارض العراق وبعد ان تبددت كل الذرائع لبقاء ه فقد امتثل لهذه المطالب مرغما وبدات القوات الامريكية تنسحب بالتدريج , لكن هؤلاء لن يتركوا العراق امنا معافى لا سيما مشاريعهم فشلت واهدافهم تبددت لذا قدم جوزيف بايدن نائب الرئيس الاميركي مشروعا اقترح فيه شكلا للنظام السياسي في العراق، يقضي بتقسيمه الى ثلاث فيدراليات رئيسة على اساس طائفي ، واعتبار كركوك منطقة ذات ادارة خاصة، وقد حاز المقترح على موافقة الكونغرس في حينها في26/9/2007
بأغلبية 75 صوتًا مقابل 23 صوتًا .
المعروف في السياسة الامريكية ان القرارات التي يقرها الكونكرس ستكون ملزمة التنفيذ ولو بعد حين حتى وان تغير الرؤساء والقادة التنفيذيين … اذن مشروع بايدن لتقسيم العراق كان واقع حال ينتظر الوقت لتنفيذه ولكن يحتاج في البداية متطلبات وتهيئة ظروف مناسبة ومن هذه المتطلبات ان يحصلوا على دعم من قادة سياسيين عراقيين يؤيدون هذا المشروع ويدعموه وبالفعل وجدوا ضالتهم في شخصيات سياسية وبرلمانية ورجال دين طائفيين اعلنوا عن نفسهم اكثر من مرة بالمطالبة بالاقليم السني وادعوا انهم الممثلين له , اما التحالف الكردستاني فهم في اطار النظام
الفدرالي ومؤيدين فكرة التقسيم ويحضرني قول للنائب خالد شواني بعد لقاءه نائب وزير الخارجية الامريكي (( تأسيس ثلاث فيدراليات في العراق سيكون ضمانة لبناء دولة اتحادية موحدة وفق مشروع نائب الرئيس الاميركي جو بايدن )) كما ان النائب حيدرالملا صرح مرة قبل اشهر ان “مشروع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن القاضي بتقسيم العراق وجد من ينفذه على أكمل وجه من الإسلاميين الجدد.
اما الظروف الملائمة لهذا المشروع الخبيث فقد تكفلت به مخابرات تركيا وقطر والسعودية فاستدرجت الوضع السياسي في العراق في سلسلة مظاهرات واعتصامات وصلوات جمعة بدأت في الانبار ثم سامراء والحويجة واستمرت اكثر من سنة ثم تلتها حرب انكشاف خلايا القاعدة النائمة في ساحات الاعتصام وانسحاب التظاهرات الى المدن والتحول الى الحرب القتالية المسلحة كما حصل في الانبار والفلوجة وما يحصل في الصحراء الغربية وتحت يافطة المحافظات المنتفضة وثوار العشائر .
لا شك ان ما يجري في العراق اليوم وبعد النكسة التي حصلت في الموصل هو ان ساعة البدء بتطبيق مشروع بايدن لتقسيم العراق قد دقت بالفعل فالاكراد ماضون وبخطى متسارعة في تأسيس دولتهم المنشودة بتشجيع من تركيا وبعض دول الخليج وها هم اليوم يتمردون على الحكومة المركزية ويصدرون النفط دون موافقتها وعقدوا اتفاقات لتوريد السلاح المتطور ناهيك عن ماغنموه من اسلحة الجيش السابق ويسعون لضم وابتلاع مناطق المتنازع عليها وضم كركوك الى الاقليم …اذن العراق امام صورة جديدة وخارطة جديدة تتمثل بـ «ثلاث دويلات»او ثلاث اقاليم ولمن لا يعرف فان مشروع بايدن
مدعوم امريكيا واسرائيليا ولكن التأييد الاميركي خفي وما تظهره الولايات المتحدة الامريكية من حرص على وحدة العراق اكذوبة كبرى .. . بدليل انها تنصلت حتى من معاهدة الدفاع المشترك الموقعة معهم …نعم ان مشروع بايدن حانت ساعة الصفر له بعد ان سيطرت الجماعات الارهابية على الموصل بطريقة دراماتيكية سريعة وراحت تتوجه الى مدن العراق الاخرى وانسحاب غير مفهموم وغير متوقع لقطعات الجيش كل هذه الامور تشير الى وجود مؤامرة خارجية بأدوات داخلية تستهدف تدمير العراق واخضاعه للجماعات الارهابية .
ان حالة الياس والنكسار النفسي الذي حصل في 9 حزيران لعموم العراقيين وعدم تبلور مواقف سياسية موحدة ازاء خطر الارهاب وما يبغية وما يفعله خاصة بعد ان وطاة اقدامه القذرة ارض الحدباء حيث كانت الامور تتجه الى الحافات الخطيرة بصورة سريعة جدا، ولم يبق شيء في الصورة يبعث على التفاؤل والاطمانان ولمواجهة الحرب الطائفية التي يبتغيها الارهاب ويجعل المواطنين يفكرون جديا بالتقسيم الفدرالي المشؤوم هذه الامور وربما غيرها هي التي دفعت المرجعية الدينية الى اصدار الفتوى التاريخية، التي يتفق الكثيرون من الساسة والمراقبين وعموم النخب، وبالاخص
الامين العام للامم المتحدة على انها مثلت رسالة موجهة لكل المكونات ولكل الاطراف الداخلية والاقليمية والدولية ، وانها جاءت في الوقت المناسب والمكان المناسب .
لقد اعتبر السيد السيستاني مدينة الموصل كمدينة البصرة والدفاع عنها امام الوحوش الظلامية كالدفاع عن كربلاء المقدسة والنجف الاشرف .. انها دعوة وطنية مخلصة فالجهاد الكفائي الذي امر به السيد عامة العراقيين بمختلف قومياتهم واديانهم ومذاهبهم عزز الروح المعنوية في القوات المسلحة وادخل عنصرا جديدا وهو العنصر الجماهيري المطيع والمتفاني في التضحية من اجل الوطن وطلب الشهادة في سبيل الله والمسألة المهمة الجديرة بالذكر ان فتوى المرجعية، ومن خلال الجو الشعبي العام الذي اوجدته اربكت الجماعات الارهابية والاطراف الداعمة لها والجهات
المتواطئة والمتعاطفة معها، وجعلت تراجعها وانكسارها وهزيمتها اسرع واسهل لاسيما ان هذه الفتوى كانت عنصر مباغته لها ولم تاخذها في حساباتها …هكذا هو تاريخ مراجعنا العظام حافل بالماثر الوطنية ففي عام 1911 افتى المرجع الشيخ الخرساني بالجهاد ضد الاحتلال الايطالي في ليبيا وفي عام 1967 افتى السيد محسن الحكيم بدعم المقاومة الفلسطينية وجواز دفع الحقوق الشرعية لها .
بقي ما المطلوب منا كمواطنين الا الوقوف بوجه كل الذين يعملون على تمزيق وطننا وتحويلنا الى دويلات طائفية او عرقية كما خطط لها الخبيث بايدن وان نحارب جميعا الطائفية البغيضة ونواجه مديعها بكل الوسائل وان تكون هويتنا عراقية مهما تعددت عناويننا الثانوية فالعراق يجب ان يبقى واحدا لا يقبل القسمة الا على نفسه وكفى تخاذلا واستسلاما لكل ارهابي ولكل حاقد ولكل خائن يريد تدميرنا وهذا ما تريده منا مرجعيتنا السديدة التي ناخذ منها احكام ديننا وليسقط مشروع بايدن القاضي بتقسيم العراق على اسس عرقية وطائفية الى الابد .