23 ديسمبر، 2024 10:55 ص

الجنرال سليماني والعصا الامريكية .. تعارض واقعي في النموذج العراقي للحرب على الإرهاب

الجنرال سليماني والعصا الامريكية .. تعارض واقعي في النموذج العراقي للحرب على الإرهاب

قالت وكالة “فارس” الإيرانية المقربة من الحرس الثوري في تقرير لها امس إن التحالف  الدولي  ضد داعش بدأ “يضمحل تحت راية قائد ميداني تربع في قلوب شرفاء العراق باسم سليماني” بما يؤكد ان العراق يواجه  مجددا قياسات بوصلة حرب معلنة على الإرهاب، وهي ذات المعايير التي طبقها رئيس الوزراء السابق  نوري المالكي ، ويحاول رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي التملص منها ولكنه يواجه استحقاقات  النفوذ  الإقليمي والدولي المتعارض في هذه الحرب ما بين عودة القوات الأمريكية من جديد الى العراق مصحوبة بقوات حلف الناتو  لمواجهة  تداعيات النجاحات التي يحققها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في  قضم الأراضي العراقية وبين إمكانيات نجاح عراقي  – إيراني  في  مواجهة  داعش  لوحدهما   بعد ان لمحت وكالة  فارس إلى أن “سليماني هو القائد الفعلي للعمليات العسكرية العراقية ضد داعش”، قائلة “إن الجنرال (جون الن) الذي اختارته أميركا لإدارة شؤون التحالف بأحدث الأسلحة لم يكن يتصور أن يتهمش دوره في ظل الانتصارات التي حققها الجيش العراقي مدعوما بالحشد الشعبي تحت إمرة قائد محبوب لا يمتلك سوى إمكانات عسكرية محدودة

ورأت الوكالة أن التحالف الدولي “لم يحقق اي شيء سوى مساعدة كردستان وتحرير سد الموصل خدمة للأكراد الذين يحلمون بالانفصال عن العراق في دولة مستقلة”، مضيفة إن “فيلق القدس المدافع عن الإنسانية قدم الدعم الاستشاري واللوجستي لحماية العراق من الانهيار”، وأن سليماني الذي وصفته بـ”البطل المغوار” أصبح “حديث الساعة بين أبناء الشعب العراقي وبات بطل تحرير لكل المستضعفين والتحرريين لدرجة أن وسائل الإعلام الغربية والعربية الموالية للغرب أذعنت بأن قواته هي التي قدمت يد العون لتحرير المناطق العراقية”.

هل يحتاج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى ان يخرج راسه من معطف المرشد الاعلى للثورة الايرانية السيد علي خامنئي ؟؟ .

في مثل هذه التحليلات الافتراضية عن مستقبل منظور تربط ما بين وقائع قتال ميدانية وبين حسابات سياسية إقليمية ودولية ، تجعل القرارات تصدر لحظة بلحظة ، لمواجهة متغيراتها ، وفقا لمنطلقات استراتيجية ثابتة ، تبدأ بالقول ان الجميع  بات  متفقا اليوم  على محاربة تنظيم داعش وارهابه المتعدد الجنسيات، لكن الجميع أيضا ما زال غير متفق على  كيفية  مواجهته  والخطوط الحمراء التي تحمي ميول كل منهم  وطنيا ، مقابل  اهتماماتهم الإقليمية والدولية ومحاولة  واشنطن عبر  دبلوماسية المبعوثين المتخصصة  بقيادة حربها على الإرهاب ، ما زالت غير قادرة على  تجسير  هذه الخلافات بالشكل الذي يجير جميع  نتائجها لصالح أهدافها في المنطقة وابرزها الملف النووي الإيراني  .

 لذلك  ، لا يمكن اخفاء حقيقة تعامل ايران مع العراق وفقا لقاعدة الحديقة الخلفية لنفوذها الاقليمي الذي ازداد بفعل حماقات امريكية وتناسي عربي خليجي لحقائق الجغرافية السياسية ، فانتهى الامر الى رمي العراق برمته في احضان ايران، حتى بات الامر يتطلب ان” يهاجر العراقي ” الى ايران ، اما يتدرب على السلاح او يتعلم المبادئ العقائدية، وهي دورات متواصلة يدرج فيها المؤهلون من قيادات الاحزاب الخارجة من معطف “تصدير الثورة ” ، لينتهي الامر الى تكون الدولة  بجميع مكوناتها تحت امرة “سيدنا الولي” وهو اللقب الذي يحمله الخامنئي عند هذه الاحزاب .

   وحينما جاء العبادي ببرنامجه الحكومي الذي اخرج وزارته الى النور بعمليات قيصرية لها سكاكين ايرانية وامريكية وربما خليجية ايضا ، انتهى الامر بتكرار فاجعة التعارض حول الحقائب الامنية ، وبعد ان حسم الموضوع عراقيا  بتفضيل كفة  منظمة بدر لحقيبة الداخلية ، واعادة ضابط سابق لحقيبة الدفاع ، وجد العبادي نفسه امام استحقاقات اضافية ، ابرزها  فرضيات انزال قوات برية امريكية لمقاتلة تنظيم داعش، وهو امر يطلب بإلحاح من ميدان القتال في الرمادي والموصل، فيما يرفض من قيادات الحشد الشعبي ، ووصل الامر الى حالة من التصادم  التي هددت العبادي  شخصيا بتقديم استقالته  اذا فشل  في ربط طرفي المعادلة المتناقضة  ما بين  مواقف اتحاد القوى العراقية  الداعية لإعادة صياغة التفاهمات الامريكية العراقية لتمكنها من مقاتلة داعش ،والتحالف الوطني الراعي البرلماني للحشد الشعبي الذي ينتمي اليه العبادي  .

مصيبة العبادي انه يريد ان يكون رئيسا لوزراء كل مكونات الشعب العراقي ، بعد فرز طائفي وقومي جعلا من مسارات العملية السياسية العرجاء بنظام المحاصصة ، تحتاج الى معادلات انية لجبر خلافاتها ، وقدرات العبادي  القيادية تكمن في استخدام اوراقه الرابحة، فكانت زيارته الناجحة لمكتب السيد السيستاني ، ومن جملة ما سرب عنها من معلومات عدم رضا المرجع الشيعي على ان يؤول الحشد الشعبي الى استعادة المليشيات الشيعية مواقعها داخل الحرس الوطني المطلوب ان يكون رديفا للقوات النظامية، مكررا اهمية ان يكون العلم العراقي وحده من يظلل افاق حربها على تنظيم داعش دفاعا عن كل العراق ،  ونقل هذه الرؤية الى الخامنئي على يد العبادي ، جعل تكرار  تأييده لحكومة العبادي ، مشروطا بما سبق وان فعله  المالكي خلال  حكومتيه ، بان يكون العراق ملاذا  لإيران من العقوبات الدولية ، وميدانا للمواجهة مع واشنطن على  طاولة  المفاوضات النووية  ، وهي حالة لا يمكن للعبادي  من نكرانها .

 لكن في المقابل، ستكون امام العبادي فسحة من المساحة المحسوبة بدقة وعناية، للتحرك خارج سياق ما سبق وان تمحور حوله المالكي لتقريب هذه المليشيات واطلاق يدها، ما دام هناك اكثر من اتجاه لاحتوائها اما من خلال الحرس الوطني او عبر عودة نظام التجنيد الالزامي، فضلا عن مساحة اخرى تجعل العبادي اكثر قدرة على التعامل مع المواقف الأمريكية التي ربما تصر على انزال قواتها لقتال داعش لكي يتوسع عنوان ” المستشارين العسكريين ” ليصل الى عشرة الاف مقاتل.

  مشكلة العبادي الأخرى، انه نتاج هذا النفوذ الإيراني، الذي حاول من خلال زيارة طهران إيضاح عدد من الحقائق الميدانية حول الطلبات الإيرانية المتعجلة بان يكون الحشد الشعبي مصحوبا بدعم إيراني كبير في التسليح والتدريب هو البديل العراقي الرسمي عن الالتزامات التي قدمها العراق للولايات المتحدة والناتو في مؤتمرات جدة وباريس ونيويورك، للاشتراك في الحشد الدولي لمحاربة الإرهاب في العراق وسورية.

ومشكلة  واشنطن انها اكدت للأطراف العراقية كلها بان خطة عسكرية طويلة الأمد، بقيادة أميركية، للخلاص من تنظيم ‘داعش’، جرى بلورتها أخيراً، وتمتد على مراحل متعددة، على أن يقع العبء الأكبر فيها على كاهل القوات العراقيّة العاملة على الأرض، بعد تأكيد واشنطن أن أياً من البلدان المشاركة غير مستعدة لخسارة أحد من جنودها في بلاد الرافدين، لكن هذه الخطة التي طرحها  الجنرال جون الن خلال تواجده في بغداد  نهاية شهر أيلول الماضي في عملية إعادة تأهيل القوات العراقية  ودمج  المليشيات الشيعية  و7 جماعات سنية مسلحة في  تشكيلات الحرس الوطني  التي انتهى مجلس الوزراء من  كتابة مشروع قانونه قبل عطلة عيد الأضحى المبارك ، وحصر حمل السلاح بيد الدولة فقط ،يمكن ان تصب في اتجاهات غير مقبولة في منح الجماعات السنية المسلحة فرضيات السيطرة على مناطقها ومن ثم عودة نفوذ  إقليمي خليجي- تركي بالضد من النفوذ الإيراني الذي ترى اغلبية اطراف  التحالف الوطني ، بان طبيعة حكم العراق الجديد لابد وان تكون بقيادة شيعية !!

ما يمكن  توقعه خلال الأيام القليلة المقبلة ، اما نجاح العبادي في مسك  العصا من الوسط  لإتاحة تطبيقات مطلوبة أمريكيا  في إعادة تأهيل الجيش العراقي وحشد الجميع في حربها المعلنة ضد داعش، بما في ذلك الانتهاء الى  نموذج فيدرالي  يمنح العرب السنة حقوقهم الوطنية وفقا لتصورات احزابهم وابرزها جماعة الاخوان المسلمين المتمثلة في الحزب الإسلامي العراقي ، او ظهور فتور كبير في الجانب السياسي الذي سيمنح  تنظيم  الدولة الإسلامية فرضيات النجاح بما يجعله يهدد بغداد ويطرق أبوابها  بقوة ، عندها سيكون الحل بدخول غير متوقع لقوات الحرس الوطني لمناطق معينة تحت عنوان حماية  المواقع المقدسة ، بما فيها منطقة الكاظمية وسط بغداد ، عندها سيكون التواجد العسكري الإيراني هو الغالب على  التواجد الدولي وهو ما يخطط له  داخل بعض الجماعات المسلحة الشيعية التي تهدد واشنطن بعودة المقاومة الإسلامية لتوجدها في العراق .