كعادتِهم أبناء الوسط والجنوب مواقفهم متباينة حول بعض القضايا والأحداث التي حصلت في الماضي أو ربما ستقع في المستقبل.
الكلام حول تلك الجماعة منشأه أسباب عدة أهمها: تاثيرها المباشر في رسم المشهد السياسي وعلاقة ذلك بمستوى الإستقرار الإجتماعي في سائر أنحاء البلاد.
الأمر الآخر هو الهدوء الحاصل في بقية مناطق العراق وعزوف سكانها عن الخوض في سجالات غير مجدية، وكأنهم في حالة معينة من الإنسجام المجتمعي، بالرغم من سريان أغلب عوامل القهر الاجتماعي والتمييز القومي والمناطقي والعشائري الذي تعرضت له تلك المناطق.
الملاحظ أن هناك حالة من القناعة والرضا بالوضع العام الذي هم عليه، وهو ما إنعكس بشكل إيجابي على واقعهم الخدمي والعمراني كونهم _ زعامات وجماهير_ إتجهوا صوب ترميم واقعهم المتردي، وهذا لا يعني بلوغم المستوى المثالي المنشود لكن ذلك أفضل بكثير قياساً بأوضاع المحافظات الوسطى والجنوبية.
تعاملت الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق مع أبناء الوسط والجنوب ككلٌ لا يتحزأ من حيث إحتسابهم مواطنين من الدرجة ال”خارج النطاق الرقمي” ، فلا فرق بين مثقفهم وغيره ولا الشيخ ولا الفلاح ولا التاجر ولا الكاسب، فجميع هؤلاء بنظر الأسياد السابقين ان لم يكونوا مجهولي النسب فولاءهم للوطن محل ريبة ولا معيار لنزاهة أحدهم وحسن سيرته سوى خضوعه لإملاءات السلطة وتصفيقه لمنجزاتها وتصديقه بشعار “شعب يقوده صدام مكانه الذرى”!
أي ذرى تلك التي يروج لها المتملقون خصوصاً المتأخرون منهم، الذين يصورون حقبة البعث غاية في المثالية والنزاهة؟
ما كان ليخطرَ على أذهانِ كثيرٍ ممن عاصروا حكم صدام أن أحدهم يجهد نفسَه في تقديم دليل إثباتٍ على دموية البعث وطائفية زمرته، ليقنع بعض المغرر بهم كيف أن ذلك النظام أهان كرامةَ الإنسانَ العراقي وصادر حريته، خصوصا في البيئة التي كانت مسرحا لممارساته الوحشية.
الحديث هنا لا يستوعب كل فئات المجتمع، بل بعض الفئات التي لا ترى في ذاتها سوى عبداً مملوكا لسيِدِه.
بعضهم يذرف الدمع حزنا على “تلك الأيام ” ويكثر من عبارات المديح والإشادة بسماسرة “الزمن التعيس”! وأخرها ما حصل من لغط بعد نفوق وزير دفاع صدام سلطان هاشم في سجنه، حيث شاهد الجميع نسبة التعاطف والترحم عليه والتغني بأمجاده!.
الغريب في الأمر أن يصدرَ ذلك من الجماعات التي إكتوت بناره حين كان يزهق عشرات الآلاف من الأرواح بجرة قلم أو عبر نداءٍ لاسلكي يتلقاه من سيده.
في زمن حرية الرأي والتعبير لا يحق لأحد الإعتراض على ما يبديه الآخرون من آراء أو يتخذون من مواقف، لكن أن إلتزام الصمت بعد مشاهدة هذا الكم الهائل من الأكاذيب عن بطولاتٍ ومآثرٍ لجنرالٍ لم يَذُقْ حلاوةَ النصر طيلة مسيرته العسكرية، فهذا أمر لا يستقيم مع سلوك الإنسان العارف بذاته والمتصالح مع نفسه.
مهما حاول المطبلون أن يروجوا لمهنية الرجل وكفاءته بتلفيق الأكاذيب وتحريف الحقائق برغم ثبوتها ولا سبيل لتزويرها.. فالواقع يشير لسلسلة هزائم تلقاها هذا الوزير سواء في حروبه مع إيران حين كان ضابطاً في جيش صدام قبل تسنمه منصب وزارة الدفاع أم بعد ذلك في الحروب التي أعقبت غزو الكويت وتحريرها وصولاً لما حدث مطلع عام ٢٠٠٣ التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعث وأسدلت الستار على مسيرته الدموية.
مهما يكن الموقف من الرجل فإن الموضوعية تتطلب الإنصاف كي لا يُبْخَسَ حق الرجل، فلا بد من الإشارة الى نصره الساحق على شعبه وليس على خصومه من خلال سحقه لأبناء الوسط والجنوب “الذي أحزنَ بعضَهم رحيلُه “، حين تمكن من إخماد إنتفاضتهم المعروفة ب “الشعبانية”، حيث تمت تصفية عشرات الآلاف منهم بدوافع إنتقامية وتعويضاً عما فقده النظام من كرامة بعد انسحابه المذل من الكويت تحت نيران قوات التحالف.
كذلك نصره ” المؤزر” على أبناء شمال العراق من القومية الكردية في أشهر عمليات التصفية الجماعية المعروفة بالأنفال والتي أقر بمسؤوليته عما حدث فيها.
وأخيراً لنفترض وجودَه حالياً على هرم المسؤولية الأمنية كيف سيكون تعامله مع الأحداث الجارية في العراق؟
وبماذا يرد على من يترحم على سنوات البعث؟
إن طبيعته العدوانية توحي بأنه لا يستخدم غير ألفاظ الإهانة والازدراء كون الطواغيت أعرف بكيفية مخاطبة عبيدهم.