22 ديسمبر، 2024 1:41 م

ما الذي دفع هذا الجندي الشجاع ، إلى حرق نفسه أمام سفارة الكيان الصهيوني في بلده ؟ بعد سكب الوقود على رأسه ، ولم ينس إرتداء طاقيته العسكرية كدليل على إحترامه للقيم العسكرية الحقة ، قبل أن يضرم النيران في نفسه ولم يوقف هتافه (فلسطين حُرّة Free Palestine) ، رغم لسعات النار ، حتى خبا صوته ، ونقل إلى المستشفى ليموت متأثرا بحروقه .

هل هنالك ألم فوق ألم الحريق ؟ ، يقولون أن الله يلطف بالحريق والغريق لشدة عذابهما ! ، ليس بإمكانكم تقمص ما مر به هذا الجندي ذو الخمسة وعشرون ربيعا ، أي وعي وضمير إنساني وشعور عميق بالمسؤولية في عقل هذا الجندي ، بحيث حجب عنه كل ذلك الألم ؟ ، وهو يرى بأم عينيه الظلم الفظيع ، والوحشية اللامتناهية والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ، وكل العالم الحر يقف مع القتلة الصهاينة دون أدنى إدانة .

الأرض ليست أرضه ، والشعب ليس شعبه ، لكنه وجد نفسه يُحشر مع أدوات القتل فقرر أن يغير الباطل ، فقرر الإحتجاج بفعلٍ مدوٍّ ليدفع خدر العنصرية والمعايير المزدوجة ، كان واجبه الإنساني فوق كل شيء .

لقد سبّب هذا الجندي إحراجا لبلده ولكل الدول التي تدور في فلك الكارتلات الصهيونية ، لكنهم كالعادة ، سيحضّرون حزمة من التبريرات ، ليس لأقلّها السلامة العقلية ، وهو أعقل كل السياسيين ، الأجانب والعرب على حد سواء !.

فيا أيها الحُكام العرب ، يا من تسلطتم على رقابنا في غفلة من الزمن ، ألا تستحون ، وأنتم ترون أرضكم وشعبكم يباد تحت أنظاركم دون أدنى رد فعل ؟ ، هل الكراسي أعز حتى من الأعراض والمبادئ والوجود ، أين العروبة التي ملأتم بها أذهاننا الغضة ونحن أطفال ؟ ، والله لفعل هذا الجندي أكبر وأجل من كل الأدبيات الكاذبة التي أوجدتموها لديمومة كراسيكم ، فأين أسلحتكم ؟، أين جيوشكم ، أين مهاتراتكم ؟ بل ، أين (داعش) !!؟؟.

وفي الحقيقة لا أجد شعرا أمضى مما قاله شاعرنا (مظفر النواب) ، والذي قضى حياته مطاردا من قبل كل الأنظمة العربية لتوجهاته التي لا تروق لهم ، وهو يقول عن فلسطين المغتصبة ..

خلّوها دامية في الشمس

بلا قابلةٍ ، تحل ظفائرها

وستقيء الحَملَ على أعزتكم

ستقيء الحملَ على أبواق إذاعاتكم

وستغرز إصبعها في أعينكم

وستقول لكم .. أولاد القحبة

أنتم مغتصبيَّ

حملتم أسلحة تطلق في الشعب

حملتم أسلحة تطلق في الخلف

وثرثرتم ، وتراقصتم كالدببة

كوني عاقرةً ، أي أرضَ فلسطين

فهذا الحمل من الأعداء دميم ومخيف ..

رغم الحادث المأساوي المدوّي ، إلا إنني أقول (لسة الدنيا بخير) على حد قول إخواننا المصريين ، لسنا وحدنا مَن يأكل بنا الحيف والظلم ، في هذا العالم الذي تبين أنه (وجرُ ذئاب) فعلا على حد قول شاعرنا .