“سنوزع على كل بيت القرآن الكريم”
هذا ما قاله رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو خلال مؤتمر سفراء تركيا بوزارة الخارجية، (والذي بدوره يضع) علامات استفهام كثيرة على مستقبل هوية الجمهورية التركية، التي أسست على يد مصطفى كمال أتاتورك.
أتاتورك، الذي عمل بأولى خطواته بتوليه حكم تركيا بحذف جملة “دين الدولة هو الإسلام” من الدستور التركي، وجعله دستورياً علمانياً، وكذلك قام بقرارات لم تشهده اي بلد سابقاً، من خلال الغاء وزارة الأوقاف والتكايات واعطاء الدروس الدينية والمحاكم الشرعية، حتى وصل الأمر الى “تتريك الآذان”، وان هذه القرارات أدت مستقبلاً لمنع دخول النساء الموظفات اللواتي يرتدين الحجاب الى مؤسسات الدولة، وكذلك غير التابعة للدولة مثل المؤسسات الصحفية ونقابات التعليم والتربية والمحاماة، وطرد اللواتي يرفضن الامتثال لهذا الامر، لأنهن يخالفن المبادئ الدستورية العلمانية الرسمية.
وللحفاظ على هذا الدستور العلماني، تحول الجيش التركي الى الحامي الاول للعلمانية في البلاد، من خلال عدة انقلابات قام بها، واطاحت بأكثر من أربعة حكومات خلال خمسين عاماً، حفاظاً على العلمانية.
تركيا اليوم، تختلف عن تركيا أتاتورك، من خلال حزبها الحاكم الحالي “العدالة والتنمية” الذي قلم اظافر المؤسسة العسكرية الحامية للعلمانية، ونفذ وعوده اثناء حملته الانتخابية لانتخابات “2007” بالسماح للنساء المحجبات بممارسة اعمالهن بمؤسسات الدولة وغيرها، حتى داخل البرلمان التركي، بالتدرج في تفكيك حظر ارتداء الحجاب، والقيام بعض المؤسسات الحكومية بتخصيص مساجد صغيرة للصلاة في المؤسسات الحكومية، كما تم منع شرب المشروبات الكحولية في قطارات النقل الداخلي وإزالة أسماء منتوجاتها من قوائم الماكولات والمشروبات، وهذا التوجه للحزب الحاكم ولد صراعاً داخل الاحزاب التركية على هوية بلادهم.
وان الصراع يقسم الشارع السياسي والاجتماعي التركي الى خندقين؛ الخندق الاسلامي أو المدافعين عن حريات الاتراك وجعل بلادهم اكثر ليبرالية، الذي يضم بصفوفه حزب العدالة والتنمية النابع من جذوراً اسلامية، والرافض تصنيفه ضمن قائمة الاحزاب الاسلامية، وكذلك حزب السعادة (الرفاه سابقاً) صاحبه نجم الدين اربكان “ابو الاسلام السياسي التركي كما يطلق عليه”، الذي يتهم رجب طيب اردوغان رئيس الجمهورية الحالي بـ “السارق” لتجربتهم السياسية الاسلامية والمشوه لها، بعد خروج أردوغان من عباءة حزبه وتأسيسه حزب العدالة والتنمية، وحكمه لتركيا وتوسيع علاقاته مع دول الغرب الذي يحتفظ عليها اربكان، وايضاً هناك احزاباً اخرى ضمن المعارضين للعدالة والتنمية وتتقاطع افكارها معه مثل القضية الكردية التي هي الابرز في المشهد الداخلي التركي، تاتي ضمن هذا الخندق.
اما الخندق الآخر، الذي يضم التيار العلماني، فيتصدر حزب الشعب الجمهوري صاحب ارث فكر وايدلوجية مؤسسه كمال اتاتورك، وغيره من الاحزاب ضمن التيار يرفضون هذه التوجهات، وترى ان العدالة والتنمية يحاول فرض هوية اسلامية على المجتمع والدولة، واسلمته من خلال قراراتهم التي تطبق بسهوله، بسبب الأكثرية التي يتمتعون فيها بالبرلمان التركي وادارتهم لدفة الحكومة والرئاسة.
وعلى الرغم من أن المسلمين في تركيا، قد يختلفون عن بقية المسلمين في العالم، بسبب ارتباطهم بالثقافة الغربية وأخذ تقاليدهم وعائداتهم منهم، ومنها وجود واعظة دينية في مسجد تعطي الدروس الاسلامية وترشد الحاضرين من الرجال والنساء على الاصلاح وتفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فضلاً على حضور البعض للمحاضرات الدينية في المساجد والخروج منها اثناء الصلاة، لا يمنع من تخوف التيار العلماني التركي على مستقبل هويتهم، بتحويل بلاد الاتاتورك الى جمهورية الاسلامية الثالثة في المنطقة، وأول جمهورية اسلامية في اوربا، حتى وان لم تكتب رسمياً بدستورها المعدل.