29 ديسمبر، 2024 2:46 ص

الجمعية الامبراطورية الارثذوكسية الفلسطينية – الروسية

الجمعية الامبراطورية الارثذوكسية الفلسطينية – الروسية

تأسست الجمعية الامبراطورية الارثذوكسية الفلسطينية ( هكذا كان اسمها الرسمي) في الامبراطورية الروسية العام 1882 , و تقدّم هذه الجمعية نفسها على انها منظمة دينية و علمية وانسانية هدفها مساندة وتوسيع وتسهيل حج الارثذوكس الروس الى الاراضي المسيحية المقدسة في فلسطين , وكذلك التعاون مع شعوب الشرق الاوسط في مجالات الاستشراق وتوطيد العلاقات الثقافية والانسانية معها . واستمرت هذه الجمعية بالعمل النشيط والمتشعب جدا في فلسطين وسوريا ولبنان وافتتحت الكثير من المدارس الاهلية الارثذوكسية ( والتي كان التدريس فيها يجري باللغة الروسية) الى العام 1917 , اذ توقفت عن العمل بعد ثورة اكتوبر 1917 في روسيا , وتأسيس دولة الاتحاد السوفيتي وما أعقبها من أحداث هائلة وتغيّرات جذرية في المجتمع الروسي والعالم , وهي احداث معروفة للجميع , وهكذا تحولت الجمعية بعد ثورة اكتوبر1917 الى ( جمعية فلسطينية روسية داخل اكاديمية العلوم السوفيتية ) ليس الا, ولم تستطع واقعيا القيام بدورها السابق طبعا . لكن بعد انهيار دولة الاتحاد السوفيتي عام 1991 , أعادت هذه الجمعية كيانها من جديد , واستعادت اسمها التاريخي الرسمي ( الامبراطوري !) العتيد كما كان قبل ثورة اكتوبر1917 بالضبط,
و عادت الى الحياة في دولة روسيا الاتحادية , وبدأت بنشاطها مرة اخرى بعد توقف دام حوالي مئة عام تقريبا , ونحاول في هذه المقالة التوقف عند هذه الجمعية ( القديمة – الجديدة !) والاطلاع على نشاطاتها, وتسليط الضوء ( كما يقول التعبير الشائع) على ما تقوم به هذه الجمعية من أعمال في منطقتنا في الوقت الحاضر , بعد عودتها الى العمل من جديد.
الجمعية كانت تؤدي نفس الادوار التي كانت تؤديها البعثات التبشيرية العديدة في الشرق الاوسط بشكل عام , والتي تعرفها شعوبنا منذ نهاية القرن التاسع عشر, والتي كانت مرتبطة بدول مثل انكلترا وفرنسا والمانيا والولايات المتحدة الامريكية وغيرها , وجاءت روسيا متأخرة عن تلك الدول , وهكذا بدأت بذلك النشاط منذ 1882 فصاعدا , وهي سنة تأسيس الجمعية المذكورة .
لقد لعبت كل هذه البعثات التبشيرية دورا كبيرا في توسيع المجالات الثقافية في العالم العربي بلا شك , ولكنها لم تكن بعثات تبشيرية بحتة , وانما كانت تساهم ( ولو بشكل غير مباشر ) في التخطيط العام لبلدانها في عملية التوغل والتوسع في العالم العربي , وربما يمكن القول , ان طبيعة الاوضاع العامة منذ نهاية القرن التاسع عشر صعودا كان يسمح لهذه البعثات التبشيرية بالعمل في العالم العربي آنذاك , حيث كانت بلداننا في وضع سئ جدا( ضمن اطار الامبراطورية العثمانية ), الا ان الاوضاع قد تغيّرت بشكل جذري , خصوصا منذ النصف الثاني من القرن العشرين صعودا , وان التطور العلمي الهائل , الذي حدث في الوقت الحاضر خصوصا , قد خلق ظروفا جديدة ومختلفة كليّا و جذريا , بحيث انتفت الحاجة للعودة الى احياء دور مثل هذه الجمعيات التبشيرية, ونضرب على ذلك مثلا واحدا فقط , وهي قضية الحج و زيارة الاماكن المسيحية المقدسة في القدس, اذ يستطيع الان كل مواطن يحمل جواز السفر الروسي ان يسافر الى هناك متى يشاء ودون الحصول على تأشيرة الدخول والخروج ( الفيزا) وذلك تنفيذا للاتفاقية بين روسيا الاتحادية و اسرائيل , علما ان عدد اليهود الروس الذين هاجروا الى اسرائيل منذ سبعينات القرن العشرين ( من الاتحاد السوفيتي آنذاك ) ولحد الان يبلغ حسب الارقام الرسمية سدس عدد السكان في اسرائيل ( اكثر من مليون وربع ) , وان اللغة الروسية اصبحت اللغة الثالثة هناك , وتوجد الان عشرات الصحف والمجلات ودور النشر والمسارح باللغة الروسية , وهناك عشرات الشركات السياحية بين البلدين , والتي ترتبط بها وسائل النقل المتطورة من طائرات ووكالات خدمية للسياح والدعاية…الخ , بل هناك حتى مستشفيات خاصة لعلاج المرضى الروس , اي ان اهداف الجمعية , والتي تأسست من اجل تحقيقها قد اصبحت حقيقة ماثلة للعيان على الارض فعلا , فما هو اذن دور الجمعية الان؟ علما انه توجد الان في روسيا الاتحادية مؤسسة رسمية غنية وضخمة اسمها ( العالم الروسي) , وهي مسؤولة عن موضوع نشر اللغة الروسية في العالم , وقد اسست هذه المنظمة عشرات المراكز الخاصة بتعليم اللغة الروسية , بما فيها في عواصم بعض الدول العربية , وبالتالي , فان مهمة نشر اللغة الروسية , التي كانت تمارسها هذه الجمعية في الماضي لم تعد ايضا مطروحة في عصرنا .
عالمنا العربي لا يحتاج الى الخطاب الديني من قبل جمعيات تبشيرية اجنبية , سواء كانت انكليزية او فرنسية او روسية او مرتبطة باي دولة اوربية او امريكية , اذ ان الشعار الذي رفعه الليبراليون العرب منذ فترة طويلة , وهو – (الدين لله والوطن للجميع) , هذا الشعار لازال لحد الان صحيحا وضروريا , رغم كل المحاولات البائسة هنا وهناك لتشويهه او لتقليل اهميته, ويمكن ( بل ويجب) ان يحل (بدل ذلك الخطاب الذي تقترحه تلك الجمعيات التبشيرية) – الحوار المتكافئ بين تلك البلدان وعالمنا العربي , والتقدم العلمي الحالي يمكن ان يكفل هذه العملية الحضارية …