قد يكون العنوان صادما.. فكيف تكون الجمعة سوداء ونحن كمسلمين نعتبر يوم الجمعة يوما مقدسا !!! .ولكن هذا ما قاله أحد المترجمين الأميركان المصاحبين لآخر قافلة لقوات الاحتلال الاميركي تغادر قاعدة الثعبان (Adder Base) خارج الحدود العراقية “أن هذا اليوم يشبه الجمعة السوداء في اميركا” …وحسب الاتفاقية التي اقتضت مغادرة قوات الإحتلال الأميركي بعد المقاومة الشرسة والبطلة التي سجلها أبطال المقاومة الإسلامية …عندما كنت أقراء مقالا بعنوان (آخر قافلة) وهو يتحدث عن انتهاء الحرب الأميركية على العراق رسميا وهو مقال من عدة مقالات ضمن ما يسمى بالمتحف الافتراضي للفترة الرئاسية للرئيس الأميركي باراك اوباما ابتداء من توليه زعامة البيت البيضاوي في سنة 2009
وإلى هذه اللحظة .فعلى ما يبدو أنه يقام لكل رئيس أميركي متحفان لإنجازات هذا الرئيس منذ توليه الفترة الرئاسية إلى نهايتها ضمن ما يعرف بتركة الرئيس أو أرث الرئيس ..هذان المتحفان أحدهما واقعي كما هي المتاحف التقليدية والآخر افتراضي يتضمن سلسلة من المقالات تمثل السجل التاريخي لجميع إنجازاته ومقولاته وأفعاله ..وهذه المقالة التي جرى تسميتها (آخر قافلة) تتحدث عن الفترة ما بين فترتي الرئيس بوش الابن والرئيس أوباما وما تضمنته هذه الفترة من الترتيبات التي تم الاتفاق عليها بين الرئيسين لانسحاب القوات الأميركية من العراق …وكما تم تدوين بداية الفترة الرئاسية له فأنه سيتم إضافة مقالات آخرى الى هذا المتحف الافتراضي تؤرشف نهاية فترته الرئاسية والترتيبات التي سيجري الاتفاق عليها عندما يتم حسم موضوع السباق الرئاسي بين مرشحي الرئاسة Trump أو Clinton وبين أوباما لتحديد معالم الفترة المقبلة تماما مثلما حدث في العراق عندما اتفق الرئيس الاميركي باراك اوباما مع بوش الابن على إنهاء الحرب التي كانت بكل المقاييس الأميركية هي حرب طويلة وشرسة … .فلقد كان باراك اوباما حريصا على أن لا توصف فترته الرئاسية بالحرب أو أن تطمغ بختم الحرب والدمار وخصوصا كحرب مثل حرب العراق أقل ما يمكن أن توصف به بأنها حرب كارثية لا يمكن إيقافها .ففي عشية اجتياح العراق قال أوباما .. “أن هذه الحرب هي حرب غبية متسرعة.. لم تبنى على أساس منطقي أو على أساس المبادئ … إنما بنيت على أساس العاطفة والسياسة … ولابد من انهائها بسرعة قدر الإمكان” ..
لقد أشر كاتب هذا المقال شراسة وخطورة الوضع في العراق إلى تطرف السياسيين العراقيين والتدخل الإيراني و الحرب الأهلية الكارثية على طول الحدود السورية مع العراق بالإضافة إلى الأخطاء العسكرية الأميركية الكارثية التي أعترف بها الجنرال (ديفيد اج بترا يس) وقال أقوى جملة في حرب العراق … “أخبرني كيف سوف تتوقف هذه الحرب” … ولعل الرئيس جورج بوش الابن ظن أنه قد أجاب على هذا السؤال الكبير عندما وقف على ظهر حاملة الطائرات (أبراهام لينكولن) بعد شهرين من سقوط نظام صدام حسين المجرم وقال “أن المهمة قد اكتملت” .. وكالعادة فإن الرئيس الاميركي بارع في خطاب الإمكان والاستمكان و التمسكن الكلاسيكي لخداع الشعب الأميركي على خسائرهم الكبيرة التي كانت بكل المقاييس الأميركية هي خسائر كبيرة فاقت توقعاتهم التي لم تتوقع أن تكون هناك مقاومة عراقية لوجودهم العسكري الغير شرعي ..قال بوش الابن ..”بسببكم انتم أيها البحارة على ظهر أبراهام لينكولن فأن أمتنا أكثر أمنا .. بسببكم فإن الطاغية قد سقط ..
والعراق أصبح حرا ” ..و لكن حقيقة ما جرى ان نظام صدام لم يكن مشلكة ابدا .. فسرعان ما سقط هذا النظام وسرعان ما تم وضع حبل المشنقة حول رأسه.. أما الحرب الحقيقية فقد بدأت منذ أول يوم وطاءت سرف دباباتهم أرض العراق واستمرت طويلا و استهلكت ما تبقى من فترة بوش الابن الرئاسية واستمرت إلى ان خرجت قواتهم ذليلة منكسرة من العراق عندما أعلن أوباما ذلك في عام 2011 . وكالعادة وقف أوباما مثلما وقف بوش الابن لكن هذه المرة ليس على ظهر حاملة الطائرات الحربية أبراهام لينكولن إنما في احد المعسكرات ليخبر قوات المارينز ..
” لقد قاتلتم ضد طاغية وضد اللا نظام ..لقد نزفتم دما لأجل اصدقائكم ولأجل العراقيين الذين لا تعرفونهم … لقد خدمتم بشرف .. سوف نساعد العراقيين .. سوف نعمل بصدق لأجل تحرير طاقة الشعب العراقي وبناء أواصر التنمية بين التجارة والاقتصاد والثقافة والتعليم”ولكن مالذي حدث ؟؟ لقد سلموا العراق إلى مجموعة من اللصوص والمرتزقة الذين لا هم لها سوى قضم نبتة الربيع وسرقة مال الله والشعب بأسم الدين العقل و الأعراف .. الى ان اصبح العراق في المرتبة الأولى في إمبراطورية الفشل والفساد .. ولقد أطلقوا قطعان الماعز والخنازير لتعيث في أرض الفراتين قتلا و نهبا وتدميرا ..كثيرا ما وقف أوباما يتغنى ببطولات جيشه وقواته وكثيرا ما كان يذرف الدموع على قتلاهم التي وصلت إلى أرقام لا يمكن أن يتحملها العقل الأميركي…لقد قرر أوباما أن ينهي هذه الحرب .. وفعلا تم الإتفاق عام 2011 على خروج جميع القوات المسلحة الأميركية من العراق على شكل قوافل كان آخرها القافلة التي غادرت قاعدة الأفعى تتدحرج في جنح الظلام عند الساعة (3:00) بعد منتصف الليل وتحت حماية طائرات الهليكوبتر المزعجة تاركين خلفهم فوضى عارمة قال عنها أحد المترجمين الأميركان المصاحبين لهذه القافلة “ان هذا اليوم يشبه الجمعة السوداء في اميركا” فماذا كان يقصد بالجمعة السوداء ..المقصود بالجمعة السوداء هو اليوم الذي يأتي بعد الخميس الرابع من شهر تشرين الثاني من كل عام حيث يعتبر هذا الخميس عطلة رسمية في جميع أميركا ويسمى بيوم الشكر لله Thanksgiving day …
يوم الجمعة هذا يعتبر أكبر يوم للتسوق في اميركا لعيد الكريسماس ففي هذا اليوم تفتح جميع المحال التجارية الكبرى والصغيرة مبكرا جدا خلال ساعات الليل لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الزبائن على جميع أرض الحرية الجديدة..في هذا اليوم يتم تسجيل أكبر زحمة سير للمركبات والأشخاص بحثا عن التسوق لإحياء الكريسماس وعند انتهاء يوم التسوق فإنك لن ترى سوى الفوضى في كل البلاد وليصبح يوم الجمعة يوما أسودا على الأميركيين. ان ما قامت به أميركا مشابه تماما لما حدث في الجمعة السوداء ..لقد كان العراق بالنسبة لأميركا ليس إلا (مولا كبيرا) للتسوق.. استمر (تسعة سنوات) من التدمير والفساد والسرقة .. طبقت فيه كافة الإستراتيجيات والمؤامرات والسحق والتشتيت والالغاء ..تم في هذه الفترة إعلان أكبر محفل للظلم والتنكيل والاضطهاد … لقد برع رعاة البقر في تحويل العراق إلى أكبر مزرعة للخنازير والبهائم …لقد أخرج عباقرة هوليوود إكبر فيلم للظلام ولمصاصي الدماء …لقد أطلقوا جميع فايروساتهم في ماء دجلة والفرات و قتلوا بريق الحضارة ..لا تكفي السطور على مختلجات ما في الصدور من فضاعة ما جرى .. .لقد أصبح البقاء في العراق مكلفا جدا ولا بد من المغادرة … وفعلا غادر الاحتلال أرض الفراتين تاركين خلفهم أكبر فوضى عرفها التاريخ شبهها أحد المترجمين انها تشبه الفوضى التي خلفها الجمعة السوداء ….أما نحن كمسلمين فأن يوم الجمعة يوم مقدس تلتقي فيه الأرض بالسماء وتنزل فيه البركات .