نسخة منه للمسئول
هنالك صراع محتدم بين الذات وملذاتها ,مع كرسي السلطة وأهوائه التي تسحر الناظرين بمفاتنها لما فيه من خدمٍ وحشم ,فلا حواجز ولا فيتو يفرض على الجاثم عليه يعمل بما يحلو له من أفعال وأعمال وكأن له تأييد من السماء ,هناك من تأتيه السلطة لعتبة باب داره فيرفضها خوفاً من الوقوع في شرك الانتهاك الاخلاقي والشرعي والعرفي والقانوني الذي يأتي به المنصب ,وهناك من يلهث ورائها طمعاً في المال ,فهو يظن أنها غنيمة ما بعدها وليمة ,وبها رفعةٍ بالوجاهة الاجتماعية بين المجتمع ,الرافض الاول ,رفضها لأنه أدرك أنها مسؤولية أخلاقية وتاريخية ملقاة على عاتقه ستؤثر على منجزاته التي قدمها حباً في الناس لأن السلطة ستأخذه وتذهب به بعيداً عن الآم ومعاناة محبيه الذين كانوا يجدون فيه الملاذ والأمان من سطوة القوي المتجبر بغرورها,وأما الثاني فيجد فيها استكمالاً لقصورٍ كان يفتقده فوجد ضالته فيها ,لكن الأول وبعد صراع محتدم من النقاش لمن وجدوا به ناصراً لهم قبل النزول لمعترك السلطة لأنه أيقن تماماً أن تكليفه الاخلاقي فرض عليه هذا قضاءاً لحوائج الناس ونصرةٍ للمستضعفين وما حل بهم من ضيم ,أذكر جيداً عندما جاء علي ابن يقطين وكان وزيراً في عهد هارون الرشيد وقد استأذن الإمام (موسة بن جعفر) ع . بترك منصبه فأجابه الإمام: (لا تفعل فإن لنا بك أنساً، ولإخوانك بك عزاً وعسى الله أن يجبر بك كسيراً أو يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه) يا علي: كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم، اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً، اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلا قضيت حاجته وأكرمته، وأضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً، ولا ينالك حد السيف أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً. يا علي من سر مؤمناً فبالله بدأ وبالنبي ثنّى وبنا ثلث). ثم عاود مرة أخرى ضاق صدر بن يقطين من معايشته لفساد السلطة وانحرافها فشكا إلى الإمام وطلب منه الرخصة في ترك منصبه فنهاه الإمام قائلاً:
{يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي} …فالانتهازيين والوصوليين يتسابقون لسد الفراغ حاملين معهم أقنعة كثيرة وحسب ظروف الزمان والمكان في أي موضوع تتحدث سيكونون هم في بادىء كل أمر , المشكلة هي بمن يأتي بهم فبعد رحيل المسئول ومغادرته من منصبه ,زرعه بهؤلاء الغدد السرطانية التي يتركها بعده ,لأنهم سينشرون ثقافة المسخ بين المكان المتواجدين فيه … يحكى أن البهلول أتى يوماً إلى قصر هارون فرأى المسند والمتكأ الذي هو مكان هارون خالياً، وما رأى هارون، فجلس في مكانه لحظة، فرأته الخدمة الخاصة، فضربوه وسحبوه عن مكان الخليفة,فلما خرج هارون من داخل قصره رأى البهلول جالساً يبكي، فسأل الخدم..
فقالوا: جلس في مكانك فضربناه وسحبناه.
فزجرهم ونهرهم، وقال له: لا تبك.
فقال: يا هارون لا أبكي على حالي ولكن أبكي على حالك، أنا جلست في مكانك هذا لحظة واحدة فحصل لي هذا الضرب الشديد، وأنت جالس في هذا المكان طول عمرك فكيف يكون حالك؟ من يطلب السلطة عليه أن يضع مقدرات الناس أمام نصب عينيه ,لا تركها والركض وراء مبتغى يريده منها .