18 ديسمبر، 2024 11:14 م

الجلاسنوست + البريوسكا  = الربيع العربي

الجلاسنوست + البريوسكا  = الربيع العربي

قالوا أن الإولى تعني الشفافية , والثانية إعادة البناء , أما الربيع العربي فلا حاجة لمعناه المدفون تحت أزهار ربيع الله  الحقيقي ,  ولعل العرب عامة والعراقيين خاصة  أعرف به من غيرهم  , فقد  إبتدا بهم   بعشر سنين  حصار ,  حتى إذا جف اللحم وخوى العظم غزاهم   بأكبر  حملة قصف أنتهكت الإنسان والأرض وأنتهى بإحتلالين واحد داخلي والآخر خارجي فكل مواطن عراقي أسير المكان والزمان لأنه لا يملك مستقبل يومه ولا يعرف سويعات نهاره أما الليل فويل لشياطين المليشيات وهي تجوب كل محرم .
هي ليست سذاجة منا  صدَّقنا القول ولكن  بات قدر محتوم لعلنا الأقوى والأكثر جراة وإننا الراس فحين نسقط يخاف الآخرون وهم على كراسي حكمهم , أما لماذا ولإي سبب فان السبب الأول والأخير إنا بلد موحد وهم يريدونه مجزأ ومتأقلما وطائفيا , وتصبح  مشاكلنا  من ديننا , ونحن على هذه الحالة لا نعجبهم لأن  الخط الذي نسير عليه لا يعجب المتحكمين بفصول السنة بل بطقسها ومناخها .
هذه الممارسة العبقرية مورست قبلنا بدولة كانت موازية لأمريكا وربما تزداد عليها قوة في  بعض مفاصل ستراتيجية  ,  فيوم كان للإتحاد السوفيتي وجود مؤثر وفاعل في الوسط الدولي وكان ظل قباب الكرملن الذهبية ينبسط على ضفاف المحيط الإطلنطي من جهة وعلى البحر الكاريبي  من جهة أخرى , وعلاقاته مع العالم الثالث تورق الستراتيج الغربي , حتى بعد أن صار لمفهموم  الحرب الباردة تأثير في خفض التوتر.
 كان التوجه لآسيا وأفريقيا على أشده بين الدولتين وكانت أكثر دول العالم إيلاما للغرب وأمريكا الوسط اللآتيني خاصة بعد الإنتصار الكوبي وشيوع أفكار تشي جيفارا في جمهوريات الموز  وغيرها , وبروز  مناضلون في اكثر الأماكن حساسة في مفهوم التخطيط بعيد المدى , وإنفكاك دول  عن الطوق الأمريكي والإرتباط  بالمعسكر الشرقي وبالذات الإتحاد السوفيتي .
 إن سياسة التصعيد التقني أو ما سمي بحرب النجوم إستهلكت الميزانية السوفيتيه , مضافا إلى ذلك ثقل حمل الدول التي ظلت تعتاش على الثروة السوفيتيه , ولَّد تناقضا عند المواطن فهذا الإتحاد بني بدماء الآباء والأجداد وقدمت روسيا خيرة رجالها من أجله والأحفاد لا يلقون من الرعاية والإهتمام  ما يتناسب وتضحيات أسلافهم , فكان لهذا التناقض مفتاح إبتكرته عقلية برجينسكي المستشار العاشر للبيت الأبيض في زمن الرئيس جيمي  كارتر , هو ضرورة تقويض البناء السوفيتي من خلال تجزئته ,وهذا لا  يتم من دون تشجيع المعارضين في أوربا الشرقية عامة والإتحاد السوفيتي خاصة , وقد أبتدا مع مجاهدي أفغانستان وتسليحم لمقاتلة الأتحاد السوفيتي , على الارض الافغانية , ولعل وصل غورباتشوف ويلتسن  وتداول مصطلحات مثل الشفافية وإعادة البناء وتطبيق النظام العالمي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش تحت مسميات متعدده لكنها تصب بطريق واحد ليس له علاقة بما يقال بقدر ما يخرب البنية ويهدم البناء الذي كانت نسبة الدم فيه أكثر من الماء , مسميات التجارة الحرة والحدود المفتوحة وضرب الخصوصية الدينية والثقافية وغيرها كثير . حتى أن   (برجنسكي) تصور العالم طاولة شطرنج والآعب الفارس من يستطيع توضيب  الأحجار حسب مراميه ولهذا نشر كتابه ( رقعة الشطرنج الكبرى ) توزعت فيه الأفكار الإنتقامية لشيء أسمه الإتحاد , كما شمل التخطيط  الشطرنجي دول العالم العربي ,  إبتدأ بالعراق تحت مسميات لا تعد ولا تحصى,  والأفضح أن شيئا مما قيل  لم يظهر على سطح الواقع ولكن بعد خراب البصرة كما يقول العراقيون فقد وقعت الفاس بالراس .
الذي يستطلع الربيع العربي في ليبيا أو اليمن أو تونس وما تحت الرماد يدرك أن مصطلحات مثل الشفافية وإعادة البناء  وتوسيع دائرة الديقراطية وتداول السلطة  ونبذ الإرث القديم , وإزاحة الكل بجرة قلم كي يتسنى للمرتزقة والجواسيس  من عملائهم   إستلام السلطة , ورسم الخريطة وفق التصور المطلوب , كي تكون الدولة الواحده مجموعة دول , بل مجرد أقاليم نُفخت كي تكون على هيئة دولة , مرة بهوية طائفية واخرى بهوية قومية   كل ذلك من اجل الدخول  لذلك القطر وتلك الدولة  وهي بالنتيجة مجرد أوهام , والذي نراه الآن  على الأرض خراب لتلك البلدان وتفكيك لبنيتها , فأي شفافية والشعب يقتل بعضه بعضا , وأي أعادة بناء والبناء القائم تحول إلى رماد , ولعل الكثير من الحكام الذين شملتهم عملية التجميل الهدامة كانوا يدركون النتيجة لذلك حين قدموا شاو شسكو للإعدام وطلبوا منه أن يقل ما يريد قوله , قال إنظروا إلى هذا البناء بعد عشر سنين  أنتم غير قادرين على إعادة طلائه , إنها ليست دفاعا عن الدكتاتورية والتسلط ولكن دفاعا عن الشعوب التي تسحق باسم التغيير .