17 أبريل، 2025 11:04 ص

الجلادون والمعذبون.. سير ذاتية بشعة وخواتيم مأساوية مفجعة !

الجلادون والمعذبون.. سير ذاتية بشعة وخواتيم مأساوية مفجعة !

قال تعالى: ” وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ “.
” أخي انت مو شرطي !” عبارة بالصوت والصورة تردد صداها في الآفاق لتقلب عالي ملف حقوق الانسان في العراق سافله قبل أن تتحول الى قضية رأي عام ، وبما تسبب بهزات ارتدادية عابرة للحدود هزت أركان الضمير العربي والمحلي لن تهدأ طويلا وبما دفع أرفع المسؤولين للتعامل معها بجدية مشوبة بالحذر بعيدا عن المحسوبيات والمنسوبيات خشية خروج القضية برمتها عن نطاق السيطرة !
العبارة التي أطلقها المهندس العراقي الشاب بشير خالد لطيف، والتي جاءت متسائلة عن هوية الجناة،ومستغيثة بمن يهمه الأمر من النشطاء والمتعاطفين والمسؤولين الثقات، سرعان ما تحولت الى بطاقات رقمية وكاروسيلات وانفوغرافات ولوحات مولدة بالذكاء الاصطناعي ضجت بها معظم المنصات والحسابات منذ أن أطلقها المهندس الشاب الذي فارق الحياة ظلما وعدوانا بعد أيام قلائل على دخوله في غيبوبة ناجمة عن التنكيل به وتعرضه للضرب المبرح مرارا على يد شرذمة من سقط المتاع ،وشذاذ الآفاق ، والبلطجية بلباس مدني داخل مركز مخصص للاحتجاز بعيدا عن مجال تخصصه كان بشير قد أحيل إليه إثر مشاجرة لم تعرف أسبابها ولا ملابساتها على وجه الدقة في وقت تباينت فيه الشهادات بشأن تفاصيلها الدقيقة مع أحد ضباط الشرطة الكبارفي مجمع الايادي السكني بمنطقة العامرية في كرخ بغداد ، حيث أصبحت عبارة “أخي انت مو شرطي !” التي صدح بها المجني عليه دفاعا عن النفس فيما كان يجلس على أرضية الزنزانة ويده مقيدة خلف ظهره بالأصفاد، في وقت كان يحاول بقدمه منع هؤلاء الأشقياء باللباس المدني ممن كانوا يرومون الاعتداء عليه – وهذا ما حصل بالفعل – ترندا على جميع المواقع والمنصات لتثير العبارة المحزنة ، و المأساة المفجعة غضب العراقيين، ولتنكأ جراحاتهم التي لم تندمل بعد ، وتثير مواجعهم التي لم تهدأ قط ، وهم يستدعون تاريخا حافلا من المظالم وانتهاكات حقوق الإنسان في السجون والمعتقلات ومراكز الاحتجاز والدوائر الامنية منذ العهد الملكي و”معتقل نقرة السلمان” سيء الصيت والسمعة جنوبي شرقي صحراء السماوة ، مرورا بقصر النهاية وبعدد لا يحصى من الدوائر والوجوه الأمنية الكالحة في العهد الجمهوري “يتصدرهم فاضل البراك ،ناظم كزار ، سعدون شاكر ، سبعاوي ” وغيرهم من الجلادين ممن تناوبوا على رئاسة الأمن العامة وجهاز المخابرات ” مرورا بـ فظائع وانتهاكات سجن أبو غريب على يد المحتلين الاميركان ، والحبل على الجرار حتى كتابة السطور، وبما يخفت حينا، ليطفو الى السطح و بمرارة أحايين ، والكل ويتساءل وبلسان واحد “ترى كم من بشير وبشير وبشير عراقي وعربي ، وكم من معتقل ومفقود ومغيب ومظلوم ومحتجز وأسير لم تكشف كاميرات المراقبة ولا التحقيقات الاستقصائية الجدية والمجدية يوما عن ما تعرضوا له من انتهاكات وسوء عذاب ومصير !” .
ولعل من المفارقات العجيبة أن جد المهندس المغدور بشير خالد” اللواء نشأت البكري” كان محاضرا في كلية الشرطة والمعهد العالي للتطوير الأمني والإداري، وهو أحد خريجي كلية الشرطة وكان وقبل إحالته على التقاعد يشغل منصب مدير المستودعات ومن ثم معاون مدير الشرطة العام للميرة، كما أنه أحد المشاركين في تأليف “موسوعة علم الجريمة والبحث الإحصائي الجنائي في القضاء والشرطة والسجون” بخمسة أجزاء، بالاشتراك مع الاستاذ الدكتور أكرم عبد الرزاق المشهداني ، وقد أكد المشهداني لوكالة الحدث العراقية ، بأن البكري لم يكن مؤسسا للشرطة العراقية كما أشيع خطأ، وبأن جناحا خاصا في مكتبة كلية الشرطة كان يطلق عليه اسم (جناح اللواء نشأت البكري) بعد أن أوصى الراحل بإهداء مكتبته الشخصية إلى الكلية بعيد وفاته !
ولعل من روائع فيلسوف الحرية كما يطلق عليه ، الشيخ عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه ذائع الصيت ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ” هي تلخيصه لمنظومة الظلم والاستبداد قائلا ” الاستبداد لو كان رجلاً وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشرُّ، وأبي الظلم، وأمّي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسْكَنة، وعمي الضُّرّ، وخالي الذُّلّ، وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي فالمال المال المال.
ولا شك فإن من قاضات المضاجع ،ومن مخبثات الخواطر ، ومن مؤرقات الليالي وكوابيس الأحلام أن ذاكرتي الحبلى ما تزال تحتفظ بصور وتفاصيل أشخاص سبق لي وأن اطلعت على أحوالهم وتنامى الى علمي جانبا من ماضي حياتهم قدرا، الأول كان مدمن خمر يجلس على كرسي متحرك صباح مساء أمام أحد البارات البائسة في رصافة بغداد وكان الموما إليه لا يستفيق من سكرته للحظة حتى يتوجه من فوره الى البار ليشتري جرعة جديدة من العرق الزحلاوي، وبما يطلق عليها عراقيا مصطلح “الربعية” ، أما الشخص الثاني فعرفته أيام الخدمة العسكرية الالزامية ، وكان الرجل كريها الى أبعد الحدود ، ولم أعلم أحدا كان يحبه ويحترمه في طول الكتيبة وعرضها على الإطلاق والكل لا يعلم يقينا سر هذا الكره الدفين ومنذ النظرة الاولى ولما يصدر عنه آنذاك ما يثير الشكوك بشأنه ، وبمرور الوقت اكتشف الجميع الحقيقة المرة حيث كان الشخص السكير الأول معذبا في مديرية الأمن العامة أيام الجلاد الشهير ناظم كزار، المعروف بـ صلاح نصر ، العراق ، ولكن وبعد تصفية كزار في تموز 1973 على يد من كان يعمل بإمرتهم للتخلص من أسراره ولدفن فظائعه معه ، تم فصل الجلاد من وظيفته وحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة ليفقد بذلك كل ما يملك فيما تعرض الى الاضطهاد والتنكيل والاحتقار من قبل ذوي الضحايا الأبرياء الذين كان يتلذذ بتعذيبهم داخل الزنازين المغلقة المظلمة سابقا ، أما الثاني فكان يمارس ساديته داخل دائرة الانضباط العسكري أيام الحرب العراقية الايرانية 1980- 1988 بحق الفارين والمتخفلين من أداء الخدمة الالزامية ، أو بحق المتهمين بالانتماء السياسي لجهات ما داخل صفوف الجيش العراقي آنذاك وقد عرفنا التاريخ الاسود للكريه الثاني بعد أن نقل إلينا يوما أحد حراس الدائرة التي كان يعمل فيها هذا الخنزير من قبل وليواجهه بما كان يصنعه بحق الابرياء العزل داخل الزنازين فيما كان الأخير يبتسم بلؤم تارة ، ويطأطىء رأسه خجلا تارة أخرى من دون أن يحر جوابا ولا أن ينبس ببنت شفة !!
وليس بعيدا عن العراق ما حدث مؤخرا في الجارة سوريا في أعقاب سقوط نظام عائلة “الوحش ” الملقبة زورا بـ الاسد ،هذه العائلة النصيرية الباطنية المنسوبة من قبل الفرنسيين ادعاء الى العلويين ، والعلويون منها براء، براءة الذئب من دم يوسف ، بعد افتضاح أسرار وخفايا السجون والمعتقلات السرية والعلنية خلال أكثر من خمسة عقود من الطغيان والاستبداد والقبضة الحديدية والحكم الشمولي ، وكل ما كان يجري داخل الافرع الامنية والتي أعقبها ملاحقة كل جلاديها تباعا ومن أكثرهم شهرة ، بل قل خسة ونذالة ، اللواء محمد كنجو الحسن،الملقب بـ قاضي الدقيقة الواحدة ، حيث كان هذا الشيطان يصدر حكمه على المعارضين والمتهمين بالإعدام شنقا حتى الموت ليقوم زبانيته بتغييب جثث المعدومين ،إما بأحواض الملح ، أو في المقابر الجماعية ، أو داخل المكابس الحديدية ، أو في أحواض الاسيد، كل وذلك بعد دقيقة واحدة فقط من الاستماع الى اعترافات المتهم وجلها منتزعة بالقوة تحت وطأة التعذيب العنيف ، ولا يختلف الحال مع الابلاغات والدعاوى الكيدية وفبركات الوكلاء الأمنيين والمخبرين السريين وشهود الزور، اضافة الى تقارير الفرق الحزبية ،وادعاءات الشبيحة بحق الابرياء العزل من المدنيين والعسكريين على سواء ، ولله در القائل في الظلم ، وفي نهايات الظالمين الحتمية ولو بعد حين ، وكل الظالم في نهاية المطاف سيحصد ما زرع:
تدحرج الظلم إذ زلت به القدم…فاستبشر الحق واهتزت له الأمم

وإذا كان القانون لا يحمي المغفلين كما يقولون ، فإن التأريخ بدوره لم يحم الجلادين والمُعذبين والمُخبرين الكيديين حتى أنه فصَّلَ وأصَّل معظم انتهاكاتهم البشعة بعد أن إستعرض للبشرية جمعاء نهاياتهم الأنكى واﻷبشع ، ولا غرو في ذلك فقد قال اسلافنا وعلماؤنا في الظلم : “الظلم يزِلُّ القدم، ويزيل النعم، ويجلب الفقر، ويهلك الأمم … فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال ،وكل ظالم وإن تمتع في الدنيا فنهايته لامحالة الى زوال واضمحلال “.
الكرنك ، زائر الفجر ، إحنا بتوع الاتوبيس ، وراء الشمس ، كلها أفلام سينمائية شهيرة تناولت ألوان التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان داخل المواقف والسجون والمعتقلات قبل وبعد هزيمة حزيران 1967 ، أفلام ظلت عالقة في اﻷذهان مذ عرضها والى يومنا لما سلطت عليه اﻷضواء الكاشفة من إنتهاكات مارسها “ساديون ماسيوشيون سايكوباثيون” ضد المعارضين السياسيين على إختلاف توجهاتهم بذريعة تنفيذ الواجب المناط بهم لحفظ اﻷمن الداخلي والخارجي للبلاد ما أسهم بإسقاط الانظمة الحاكمة وهز صورتها بدلا من إعلاء شأنها وحمايتها محليا ودوليا تلاحقهم اللعنات والضغائن والثارات ، ولعل انتهاكات اللواء حمزة البسيوني مدير السجن الحربي ، واللواء شمس بدران وزير الحربية ، ورئيس المخابرات العامة صلاح نصر زمن عبد الناصر ، وكذلك قصص ناظم كزار مدير اﻷمن العام في العراق بداية سبعينات القرن الماضي وما تلاها ، وفظائع سجن ابو غريب ، ومن ثم بشاعات باستيل سوريا ” سجن صيدنايا ” ظلت تثير حفيظة الشارع العربي وتزرع في مخيلته الكثير من صور الهلع الممزوجة بمشاعر الاحباط كونها أرست دعائم منظومة الرعب المعاصرة وتركت إرثا ملطخا بالعار سار على نهجه من سار من أمثالهم وعلى خطاهم من الذئاب البشرية لخص جانبا من أصولها وفروعها ونماذجها وأساليبها كتاب ( موسوعة العذاب ) للباحث العراقي الموسوعي عبود الشالجي بأجزائه السبعة ، وكتاب ( بوابة الجحيم ) للباحث المصري محمد عبد الوهاب إضافة الى الكتابين الساديين «دليل KUBARK» وكتاب “التدريب لاستغلال القدرات البشرية” وقد لخصا بالصور أبرز ما يجب اتباعه من قبل المحققين لإنتزاع الاعترافات من أفواه المعتقلين بالقوة وكانا يُدرسَان لضباط الاستخبارات الاميركية بما تم تطبيق ما جاء فيهما ﻻحقا وبالحرف في سجن ابو غريب العراقي إبان الغزو اﻷميركي الغاشم للعراق 2003 وبما شكل وصمة عار أبدية في جبين الادارة اﻷميركية بجمهورييها وديمقراطييها ، وأشهر الافلام العربية التي تناولت فضيحة القرن الـ 21 المدوية فيلم ( ليلة البيبي دول ) بطولة نور الشريف عام 2008 ، أما عن كتيب ” من تأريخ التعذيب في الاسلام ” لهادي العلوي ، فهذا كتيب ومن وجهة نظري الشخصية لا قيمة موضوعية وﻻبحثية له وقد طغى عليه النفس الماركسي الممزوج بالتحامل الاستشراقي الحاقد على التراث بدءا من العنوان المستفز المجانب للصواب وانتهاء بآخر سطر ربما في محاولة خائبة لتقزيم جرائم الشيوعية النكراء بحق معارضيهم السياسيين ممن يطلقون عليهم بالرجعيين ، ومحاكم التفتيش بحق مخالفيهم العقديين ممن يسمونهم بالمهرطقين ، فضلا عن جرائم البعثيين السوريين الذي عاش الكاتب في كنفهم طويلا بحق معارضيهم ومعظمهم من “الاسلاميين والقوميين والعروبيين” لينقل الكتيب في نهاية المطاف للجميع صور مشوشة ومهزوزة أحادية الجانب مستلة انتقائيا من التأريخ العربي – الاسلامي مفادها “كلنا في هوا – التعذيب – سوا فلا يتذرعنّ أحد بإنتهاكات حقوق الانسان للوقوف بوجه الحاكم والسلطان وأولهم اﻷسد بائع القنيطرة والجولان، الراكن الى الظلم والطغيان ، المهزوم أمام العدوان ، الاسد على الشعب، اﻷرنب أمام الكيان ( الكيان الصهيوني المسخ ) أما عن الصين الماوية التي كان معجبا بنظامها ومنظومتها فهي ارث دموي خلف 79 مليون ضحية في عهد كاره العصافير ماوتسي تونغ ، واما عن الماركسية التي اعتنقها فهذه خلفت 40 مليون قتيل في عهد جوزيف ستالين لوحده ، عن السجون والمعتقلات السرية والعلنية وما كان يجري فيها بظل الانظمة الشيوعية والماركسية اللينينية والماوية في كل انحاء العالم فإن الحديث يتطلب مجلدات تملأ رفوف المكتبات ، فلا يحاولنَّ أحد المزايدة على تأريخنا الذي إذا ما قيس بتأريخ اﻷمم والشعوب اﻷخرى التي سالت الدماء على سفوحها وقممها ومحاكم تفتيشها ومحارقها أنهارا أضحى ملاكا فوق رأسه هالات القديسين !
اﻵيات القرآنية التي تحرم الظلم بكل أنواعه كثيرة سواء ظلم الانسان بتجاوزه الحد مع خالقه ،أم ظلم الإنسان نفسه ، أم ظلم الإنسانﻷخيه الانسان ، كما حذر رسول الله ﷺ من الظلم وصنوفه في أحاديث شريفة حفلت بها السنة النبوية المطهرة ومنها قوله ﷺ” اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ فإنَّ الشُّحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلُّوا محارمَهم” ، وقوله ﷺاتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ” وقوله ﷺ” دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه” وقوله صلى الله عليه وآله سلم” اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا فإنه ليس دونها حجاب”، و قَالَ رسول الله ﷺ” إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ” ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وقوله ﷺ” مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ. إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ”.
ومع أن الدستور العراقي يمنع التعذيب بكل أشكاله كما جاء في المادة (37/ج) منه والتي تنص على”يُحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الأنسانية”وبرغم أن العراق سبق له عام 2008 أن انضم الى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ، إﻻ أن إرث ناظم كزار العراقي ،ونظيره المصري حمزة البسيوني يظهر بين الحين واﻵخر هنا وهناك ليغلف ملف حقوق الانسان برمته بالسواد ويعيدنا لا اقول الى المربع اﻷول ،وإنما الى المستنقع اﻷول ، ولطالما فُجعَ العراقيون واستفاقوا على وقع نهايات مأساوية على غرار ما تعرض له المهندس بشير من جراء التعذيب في بعض مراكز الاحتجاز بعدد من المحافظات ، ولولا أن هذه الحوادث قد مست شخوصا لهم حظوظ لم تتسن لسواهم بالدفاع عن قضاياهم لما طفت الى السطح لتتناولها وسائل الاعلام المحلية والعربية بمزيد من الاهتمام بخلاف نظيراتها التي لم تحظ بما يلزم من الإهتمام ، لتأتي كلها متزامنة مع تقارير منظمة العفو الدولية ، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش ” المتتالية عن ظروف الاحتجاز السيئة فأنفلت العقال بحادثة بشير وإنقطع ناظم المسبحة لتتساقط حباتها بسرعة على صفحات المواقع الالكترونية والقنوات الفضائية ومانشيتات الصحف والفضائيات الرئيسة والتي أخذت تتسابق في غضون الايام القليلة الماضية – والله وحده العالم بنياتها الحقيقية – بتناول ملفات الانتهاكات وسوء المعاملة والاعتقال بالدعاوى الكيدية وبتقارير المخبر – السري – واكتظاظ مراكز الاحتجاز وما على شاكلتها!
وفي كل مرة ينقسم المسؤولون والمعنيون تحت وطأة الضغط الاعلامي والشعبي واسع النطاق على أنفسهم ليدلى حقوقيون بدلوهم ، ويطل سياسيون برؤوسهم ، وبينما يطالب قسم منهم بفتح ملف تحقيق عاجل لمعرفة ملابسات الانتهاكات التي شغلت الرأي العام ، وفتح التحقيق على لسان بعض السياسيين وكما هو معلوم بالتجارب الماضية يعني – إما الاسراع بغلقه ، أو التفاوض بشأنه سياسيا- في حقيقة الامر وقلما كان التحقيق – المُسيس – جادا ، وقلما أعلنت نتائجه النهائية على الملأ بكل نزاهة وشفافية، ليخرج علينا النشطاء والمعنيون بملفات حقوق الانسان ويكشفوا لنا وعلى حين غرة ومع كل حادثة على غرار حادثة بشير ، كوارث ظلت حبيسة الادراج عن ما يجري في مراكز التحقيق والاحتجاز المكتظة بأضعاف أضعاف طاقتها الاستيعابية ما أسفر عن انتشار الامراض وفي مقدمتها الجرب علاوة على اختلاط المتهم العادي بجنح بسيطة ، بالقتلة الجنائيين المتسلسلين وتجار المخدرات وعتاة المجرمين ليختلط الحابل بالنابل وتتلاقح اﻷفكار الاجرامية الخطرة ،واﻷمزجة الشاذة العكرة مع بعضها وبما لا تحمد عقباه مستقبلا ، مطالبين بتفعيل قانون العفو العام ، والإفراج الفوري عن كل من لم تثبت إدانته و طالت مدته من غير إدانة ولا مبرزات جرمية بحوزتهم ، ولاشهود عيان عليهم ، ولا دعاوى بالحق العام ضدهم ، وعن كل من لم يتورط بدماء الابرياء، مع إعادة محاكمة كل من سيقوا بتهم كيدية خشية أن تكون اعترافاتهم وإفاداتهم قد انتزعت منهم قسرا على طريقة البسيوني والسجن الحربي ، وصلاح نصر ومهازل” السمو الروحي “،وأساليب ناظم كزار ، وبشاعات قصر النهاية، ، فيما حذرت منظمات حقوقية من أن إزدياد حالات الوفاة أثناء التحقيق ونتيجة التعذيب في مراكز الاحتجاز والتوقيف يعد مؤشرا خطيرا على تراجع ملف حقوق الانسان في العراق برمته .
وﻻ شك بأن واحدة من أسباب استشراء المعاملة السيئة ومنظومة العذاب والتعذيب في العالم العربي والمحيط الاقليمي وبقايا الانظمة الشيوعية ودكتاتوريات أفريقيا وأميركا اللاتينية تستوي في ذلك الانظمة الملكية والجمهورية بما فيها التي تدعي الديمقراطية هو التعامل مع ملفاتها على أنها – تابوهات محرمة – يحظر التقرب منها أو تناولها ولو همسا بخلاف الغرب الذي تلاحق فيه وسائل الإعلام والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان كل شاردة وواردة بملف التعذيب والانتهاكات ومطاردة مرتكبيها علانية، اعلاميا وقضائيا بما يكفي لإسقاط حكومات بأكملها بتقرير أو تحقيق استقصائي واحد عن حالات تعذيب بعضها فردية وشخصية !
وﻻيفوتني ها هنا التعريج على قضية الظلم الاجتماعي والعنف والتعنيف الاسري التي تطاول النساء والاطفال وكبار السن في مجتمعنا ،وللجميع اذكر بحديث النبي المصطفى ﷺ” لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ ، بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ:دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ ” .
ولله در القائل في الظلم :
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدراً.. فَالظُلْمُ مَرْتَعُهُ يُفْضِي إلى النَّدَمِ
تنامُ عَيْنُكَ والمَظْلومُ مُنَتَبِهٌ ..يدعو عليك وعين الله لم تنم

اودعناكم اغاتي

أحدث المقالات

أحدث المقالات