في قراءة موضوعية للمستقبل القريب والبعيد وقابل الأيام نستنتج ان هناك خطرا كبيرا ومشكلة ستراتيجية تهدد الحياة برمتها في العراق . وان هناك خرابا بيئيا وعطشا وجفافا يهدد الزرع والضرع بعد ان تحولت معظم الأراضي الزراعية من أراضي زراعية تُسر الناظرين الى اراضي جرداء قاحلة تشكو المحول وتُبكي العيون بسبب نقص المياه في نهر دجلة وانحساره في بعض المناطق نتيجة قيام السلطات التركية بأنشاء سد ( أليسو ) الذي بدأت تركيا بأنشائه عام 2006 وهو من اكبر السدود التركية المشيدة على نهر دجلة . والسبب الآخر للمشكلة هو التجاوزات على الحصص المائية من قبل بعض المحافظات وبعض المسؤولين الذين تحولوا الى ( اقطاعيين جدد ) واستغلوا نفوذهم وسلطتهم من أجل السيطرة على المياه بدون وجه حق ضاربين عرض الحائط الحصص المائية المخصصة وحسب القوانين .
ان الماء هو سر الحياة .. قال تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيىء حي ) وان المياه مسألة حياة وموت فلا مصلحة تعلو فوق مصلحة الحصول على المياه …. والظمأ والجفاف هما الأسوأ ويعنيان الموت البطيء وهذا ما تؤكده الأخبار من ان هناك العشرات بل المئات من العوائل بدأت بالهجرة من مناطقها بسبب شحة المياه وجفاف اراضيهم وعطش ماشيتهم بمعنى انعدام مقومات الحياة عندهم ..
والسؤال هنا هل هي حرب جديدة فُتحت على العراق بعد داعش ؟ وهل ان المياه هو سيناريو جديد وصفحة جديدة قادمة ضد العراق بأدوات تركية وايعازات دولية واقليمية من اجل ان يبقى العراق ضعيفا تعصف به الأزمات يمينا وشمالا ؟؟ نعم انها حرب جديدة مقصودة ومخطط لها …. حرب تهدد الحياة برمتها ، ولاأدري لماذا هذا الصمت المدقع من قبل الحكومة والبرلمان ؟؟ وكأنَّ الموضوع لايهمهم .. ناسين او متناسين انه من المسائل الخطيرة والستراتيجية التي تهدد مستقبل العراق وحاضره في كل مناحي الحياة …. المطلوب الان وعلى وجه السرعة من الحكومة والبرلمان وكافة المسؤولين في الدولة التحرك السريع ومن اعلى المستويات اصدار قرارات حاسمة وحازمة وتشكيل غرفة عمليات بصدد هذا الموضوع الخطير وترك المناكفات والصراعات والأنتباه الى الخطر القادم وتفعيل الاتفاقيات مع الجانب التركي والضغط على الحكومة التركية من خلال جميع القنوات الدبلوماسية وتشكيل وفد من اعلى المستويات من ذوي الاختصاص واضعين نصب اعينهم مصلحة العراق مثلما هي مصلحة الدول المتشاطئة … ان المسألة حساسة وخطيرة جدا ، لأن الجفاف يعني الموت البطيىء خاصة اذا ما علمنا ان الجانب التركي لايعترف بحقوق العراق المائية كما انه يستخف بالقانون الدولي والاتفاقيات الدولية بخصوص المياه ومبادىء حسن الجوار ، وفي حالة عدم استجابة الجانب التركي لحقوق العراق المائية ، على الحكومة العراقية ( تدويل ) قضية المياه واللجوء الى الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وكافة المنظمات الدولية الاخرى ، ثم هناك سلاح بيد الحكومة العراقية وهو الميزان الاقتصادي حيث ان العراق يستورد سنويا من تركيا بعشرات المليارات .. على الحكومة استخدام هذا السلاح ومنع استيراد اي سلعة من تركيا واستخدام ذلك كورقة ضغط على الجانب التركي من اجل عدم قطع المياه في نهر دجلة انطلاقا من مبدأ المصالح المشتركة وكما قال الرئيس الفرنسي الاسبق ديغول ( ليس للوطن اصدقاء بل للوطن مصالح ) وان جزءا كبيرا من المشكلة يتحمله المسؤولون في العراق حيث انهم طيلة خمسة عشر عاما لم يشيّدوا سدودا وخزانات على نهري دجلة والفرات واين هي الاموال والميزانيات التي خُصصت للموارد المائية والزراعة ؟؟ واين المشاريع واين الخطط الخمسية والعشرية التي تضمن ان يكون العراق في مأمن من خطر الجفاف وشحة المياه … اقول ان جزءا كبيرا من اسباب المشكلة يتحمله المسؤولون العراقيون بسبب اهمالهم وعدم اكتراثهم وعدم تخطيطهم الصحيح في مجال الامن المائي للبلد لأنهم اصلا لايهمهم الأمر المهم عندهم مصالحهم الشخصية .. ومن حقنا ان نسأل كمواطنين اين هي المشاريع الستراتيجية ؟؟ واين السدود الجديدة واين الخطط واين ذهبت الأموال المخصصة للمياه … وسؤال آخر يتداوله الناس في الشارع : هل سيكون برميل النفط مقابل برميل الماء مستقبلا اذا بقي هذا الصمت والأجراءات الخجولة …. دجلة تستغيث لولا رحمة الله الذي أنعم علينا بنزول الغيث قبل ايام لكن موسم الصيف قادم ونحن بحاجة الى حلول جذرية وليست ترقيعية فالخطر قادم … اللهم اني قد بلّغت اللهم فاشهد .. ورحم الله شاعر العرب طيّب الذكر الجواهري وهو يتغنى ب ( دجلة الخير ) حيث يقول : حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحييني ……. يادجلة الخير ياأمَّ البساتينِ
ولاأدري لو كان الجواهري حيا الآن وشاهد ( دجلة الخير ) ماذا ستجود به قريحته ؟؟ هل يبكي أم يتغنّى .. انه سؤال افتراضي …