الجريمـة شـاهـد لا سبيل الى تجاهلـه على فشـل التعاون الايجابي بين البشـر ، والدوافـع اليها كثيرة ، لكن هذه الدوافـع مهما تكن طبيعتهـا تبقى هي الشاهد الذي يـدل الى انفجار أزمـة بيــن القاتـــل والمقـتول . حتى الحــرب هي جريمــة أيضـاً ، أحـد طرفيهــا معـتـدٍ والطرف الثانــي معتـدى عليه ، والدوافع لها واحـدة أيضاً ، حتماً في نظر الشريعة الاسلامية اذا كان هناك مايميز نوعاً من الجرائـم من نوع آخر . ففي آن واحـد النوعـان هما حصيلة صــراع ســـياسـي ، فشـلت أطرافـه في حـل الأزمــات الناشـئة بالحـوار والتفاهـم ، فلجـأ أحدهمـا الى العـنـف الذي تعارفنـا على تسـميته ب ( جـريمـة سـياسـية ) .
ومهمـا يكن في الجريمـة السـياسـية من دواعـي النـفـور فإننـا يجب ان نعتبر هـذه الجريمـة ظاهـرة نبـتـت مـع فجـر التأريخ البشري وأسـهمت في صنـع عالمنــا . ومـن الطبيعـي ان هذه الجريمـة لن تخـتـفـي في المسـتقبل ما لـم يخـتـف ٍ التعصب الأعمـى والحقـد وروح التـمـرد ، هذا يعني بصريـح العبـارة انها لن تـخـتفي أبـداً ـ وهـل كان اعتـداء قابيـل على أخـيه هابيــل إبـنـي آدم عليه السلام غير حصيلة حـقـد ناجـم عـن الحـسد !!
والجديـر بالذكـر ان للجريمـة السياسية جوانب متعـددة وهي واسعة الأبعـاد وواقعـة حاضـرة في كل فـترة من فترات التأريخ ، وقــد بـدأت حلقات هذه الجريمة تلعب دورها في كل أزمـة ، ولنا في تأريخنا العربي والاسلامي الشواهـد الكثيرة على الدور السيء الذي أدت اليه .
ومن خلال هذا الاستعراض السريع نرى ان قتـل الإمام علـي ( عليه السلام ) كان حصيلة ضيـاع عند فئـة من الناس لم يكن افرادها أسوياء من الناحيتين النفسية والفكرية ، ومن هنا جاءت حروب الخوارج وغيرها من حلقات التمرد والعصيان ..
والواقـع ان الازمات السياسية وما رافقهـا من حروب داخلية خلال العهد الراشدي ، كانت من وراء خطة عدوانيـة لم يقصـد بها الامام علي ( ع ) وحــده ، بل كانت الخطة ايضا قتل الرموز الاخطر في الدولة الاسلامية وقـتذاك ، فنجح من نجح وفشل من فشل والذين هم عناويـن الازمـات وصناعها حسب ظن الذين تآمروا عليهم .
ولو رجعنـا الى ما قبـل هذا التأريخ لوجدنا ان الخليفـة الثانـي عمر بن الخطاب ( رض ) هو في جوهره جريمــة سـياسـية ، فالقاتل هو ابو لؤلؤة والباعث هو الانتقـام لإمتـه .والشأن هو نفسـه في قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ( رض ) .. ولا يقلل من طبيعة البواعـث السـياسـية ودورها إلا قتـل الخليفـة وهو الامر الذي التقى عليه جمهرة من الثـوار .. علما ان التسـرع وعــدم التروي قـد لعبـا دوراً فـي تحقـيق هـذه الجريمة ، المهـم ان في تاريـخ هـذه الجـرائـم وغيرها ما تحفـل بـذكـره حوليـات التأريخ والتي لاتـزال تـرتكب حتى الآن ما يعلن الـحـقـيقـة التاليـة : ان الجـريمـة الســـياسـية قـديمـة قـدم الحيـاة ذاتهـا بصـورة عامـة ، وان بعض السـياسـات والتعصب والحقـد ، هو الاشكال من الانحـراف العقلـي والالتـواء النفسي .. هذه الامور كلها تجـد في اللجوء الى القـتـل عمليـة تـحقيق لـذات القـاتـل أكثـر منها تعبيـرا عن ارادة او فكـرة سياسية ، فـقـتـل الإمام عليـه السلام هو حصـيلة صــراع داخلي بـين فئـات متباينـة من المسلمين وكذلك بالنسـبة للخليفة عثمان ( رض ) ، ولو انـنا حاولنـا أن نسـتعرض عمليات القتـل السـياسي التي تعاقبت في العهود العربية والاسلامية على امتـداد التاريخ ، لما اتسعت مجلدات عدة من هـذا الاسـتعراض السريع .. ولعل ما جـرى ويجـري اليوم في العراق ما هو الا علامــة على ضخامـة الدور الذي تقـوم به الجريمـة السياسية ، وهي جرائم نابعـة من ازمـات جـديدة ، أو رواسب قديمة تكونت بهـا أحقـاد ، والتـوت تحت ضغوطهـا نفـوس ضعيفـة ولعبت المصالـح الفئـويــة أو الفــرديـة دورها الأساس في العــــراق ، ولهذا يجب أن يأتي دور العقـلاء من السـاسـة في اطفاء اية جذوة قـد تحـدث من اجل العـــراق العظيـم .