يُنسب الى نابليون بونابرت [ 1769 – 1821 ] المقولة الهامة التالية عن الدور الحاسم والحيوي والفاعل كثيراً في الجغرافيا الطبيعية في قدر البلدان ومصائرها حيث صاغها في ثلاث كلمات ، هي إن : [ الجغرافيا هي القدر ] ! .
بالحقيقة إن هذه المقولة لنابليون لها حقيقتها ومصداقيتها ماضياً وحاضراً في قدر البلدان والشعوب على الصعيد السياسي والإجتماعي والحضاري والثقافي والصناعي والإقتصادي والعسكري وغيره .
عليه فلو أمعنَّا النظر تاريخياً في تاريخ الإمبراطوريات والدول العظمى في العالم ، في الماضي والحاضر نجد إن الجغرافيا ، طبعاً بالإضافة الى العوامل الداخلية والذاتية لتلكم الإمبراطوريات والدول قد لعبت أدواراً حاسمة وأساسية ومفصلية فيما وصلت اليه من مَنَعة وقوة وآزدهار ورقي ورخاء وتقدم في مناحي الحياة كلها .
لهذا فإن المجال البحري هو الشرط الأول الجغرافي الحاسم والأساسي والهام والضروري جداً لتشكيل القدر السوي والإيجابي والناجح لبلد ما وشعب ما . في هذا الشأن اذا فقد بلد ما قدره في آمتلاك إمتداد بحري حينها سيكون من الصعب والعصيب والعسير جداً إمكانية التحكم في إرادته ومصيره وشؤونه وكيانه الجغرافي بشكل مستقل وحر وصحيح ، هذا ناهيك من أن يتمكن بتشكيل دولة مقتدرة وقوية ومؤثرة وذات فاعلية في السياسة الإقليمية ، أو الدولية .
في شأن الجغرافيا الهام والحاسم التي هي في طليعة العوامل الحاسمة في تشكل وإزدهار البلدان وتطورها وقوتها فإن كردستان تفتقد – للأسف البالغ – الى هذا العامل الحسمي والحيوي ، حيث إنه أعاق دوماً وبآستمرار ، مضافاً الى عوامل ذاتية – داخلية أخرى لقيام كردستان مستقلة ككيان جغرافي ووطني ورسمي لاعب في السياسة الدولية ، وله إثباته وواقعه المتميز في الخرائط السياسية الرسمية الدولية ، أي إفتقاد كردستان لمنفذ وآمتداد بحري طبيعي جغرافي خاص بها كما هي الحال بالنسبة للكثير من البلدان في العالم .
إن قدر وقوع كردستان في الماضي والحاضر بين دولتين كبيرتين وقويتين جداً ، وهما تركيا وايران حال دون تمكنها من الإستقلال بهويتها الوطنية الخاصة بها كأيِّ شعب وأمة في المعمورة رغم الحركات والثورات المتكررة والتضحيات الجبارة التي قدمها الشعب الكردي في سبيل الحرية والإستقلال الوطني .
تأسيساً لما ذكرناه نستطيع القول على ضوءه وبالإستناد عليه ؛ إن كردستان بحسب الواقع الجغرافي الحالي لها هي ساقطة على المستوي الجيوسياسي ، وهي أيضاً مخنوقة جيوسياسياً . لذلك ولغيره من الأسباب والعوامل الذاتية بطبيعة الحال فشلت جميع المحاولات الكردية في الماضي والحاضر ، في تأسيس كيان كردستاني جغرافي مستقل ذات طابع رسمي معترف به لدى السياسة الدولية والشرعية الدولية .
لعله بسبب فقدان كردستان القدر الجغرافي الإيجابي ، ولم تكن كياناً مستقلاً يومها ، وربما لعوامل أخرى أيضاً لم تَفْرد السياسة الدولية في بدايات القرن العشرين المنصرم كياناً جغرافياً وطنياً مستقلاً وخاصاً بكردستان وشعبها ، بل إنها جزأت وقسمت الكرد وكردستان على الدول الجارة المحيطة بهم ، وهي كما هو معلوم ؛ تركيا ، ايران ، العراق وسوريا مُذْ إتفاقية سايكس – بيكو البريطانية الفرنسية لعام 1916 من القرن الماضي .
يتضح من السياسة الدولية يومذاك إنها قد أقامت حظراً دولياً سياسياً ورسمياً على قيام دولة كردستان . ثم كما يبدو بوضوح أيضاً إن الحظر الدولي هذا لقيام دولة كردستان في كردستان مستمر في رسميته حتى يومنا هذا ، وهو سيستمر حتى الأمد المنظور . واضحٌ ، كل الوضوح إن الغاية الأساسية لتوزيع كردستان على الدول المحيطة بها ، هي إسقاطها جغرافياً وسياسياً وإفشال أيَّ محاولة كردية تهدف الى الإستقلال ، وهذا لايعني إلاّ إن قيام دولة كردستان هو من المحال على الأقل في المستقبل المعلوم .
إن تقادم الزمن على قضية كردستان بلا حلٍّ ولا يلوح في الأفق المعلوم أيَّ حلٍّ قد ألحق بها أفدح الخسائر والأضرار ، بخاصة على الصعيدين الديموغرافي والجغرافي بسبب السياسات العنصرية التتريكية والتفريسية والتعريبية التي تمارسها الدول المحيطة بكردستان والكرد ، هذا بالإضافة هناك مناطق ومدن كبيرة من كردستان قد تم مسحها من واقعها الجغرافي ، أو بعض منها تقع ضمن السياسة الدولية أيضاً ، مثل مدينة كركوك في كردستان العراق الغنية بآبار النفط ، ومعلوم لدى كل متابع للقضية الكردية الموقف السلبي للسياسة الدولية من الإستقلال الكردستاني وقيام دولة كردستان ، أي إن السياسة الدولية كانت ومازالت تخالف إعتبار مدينة كركوك من ضمن كردستان العراق ، علاوة على مناطق ومدن أخرى في مختلف أجزاء كردستان التي تتبع تركيا وايران وسوريا . لذلك فإن كردستان تعرضت للعوامل المذكورة بسبب تقادم الزمن عليها بلا حلٍّ الى المزيد من التقلص والإنحسار الجغرافي والديموغرافي ، بل هناك مناطق من كردستان قد إنسلخت عنها تماماً ، مثل منطقة لورستان في كردستان ايران ! .