شأني شأن كل العراقيين والبغداديين ، نحب الإطراء لمدننا ولو إستجلبناه من عمق التأريخ ، لكن وزير خارجيتنا السيد إبراهيم الجعفري أراد أن يكون متطرفاً في “محبته” للبلاد وبغداد تحديداً ، فقام بصولة تأريخية على المرحوم سرجون الأكدي لينطقه ما لم ينطق ، رغم ثقتي التامة بالسيد سرجون الأكدي(2340 -2279 قبل الميلاد) ، من أنه كان سيحب بغداد في عصر زهوها وثقافة أهلها ..وسيقول القول نفسه الذي قاله عن بلاد مابين النهرين إن “من يحكمبلاد ما بين النهرين يحكم الجهات الأربعة في العالم“.
مشكلّة السيد الجعفري هو إنه على مايبدو مغيب تماماً عن الحاضر بسبب إهتماماته الثقافية والفكرية والفلسفية وولعه الغريب بالتصوير على خلفية بلوك كامل من المجلدات التي أشك في إنه قد ورّقها حتى !
في مؤتمر وزراء الخارجية العرب يتحدث عن بلقيس والملوك الذين يخرّبون المدن ويفسدوا العباد ، وفي إجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة يفتري على سرجون الأكدي وهو يصف بغداد قبة العالم وأن من يحكمها يتحكم برياحهاالأربعة..
وكان بإمكانه بدل هذا السطو المخجل ، الذي حوّله الى مادة دسمة للترويح عن النفس في محطات التواصل الاجتماعي ، حتى قال مدون ، إن من نكد حظناأن يكون الجعفري وزيرا لخارجية العراق ، أن يستذكر مثلا قول محمد بنادريس الشافعي الذي قال لجليس له إسمه يونس لم يزر بغداد أبداً ” يا يونسما رأيت الدنيا ولا رأيت الناس ” ، أو قول الخطيب البغدادي في تأريخ بغداد ” سافرت إلى الآفاق ، ودخلت البلدان من حد سمرقند إلى القيروان ، ومنسرنديب الى بلاد الروم … فما وجدت بلداً أفضل ولا أطيب من بغداد“..أو قول الجاحظ : بغداد أم الدنيا ، من لم يرها لم ير الدنيا ولا الناس“..
ثم من قال للسيد الجعفري إن المجتمعين جاءوا ليستمعوا الى ماقاله سرجون الأكدي أو فرعون من فراعنة مصر أو شعراً للمتنبي ، أين رصانة تقديم الأفكار ووضوحها لعرض قضيتنا على العالم !
أين قدرة وزير الخارجية في تقديم ستراتيجية البلاد ورؤيتها للأحداث في المنطقة المشتعلة على صفيح ساخن بانتظار شرارة حرب كبيرة ؟!
ولكن من أين يأتي الرجل بشيء هو فاقده !
من أن يأتي بالأفكار وهو دائم الزلق في القول ، الم يقل في مؤتمر صحفي معنظيره الإيراني جواد ظريف في شباط 2015 ، إن العراق منفتحة على“داعش” بكل أعضائها“…
وفي نفس المؤتمر قال مهندس السياسة الخارجية العراقية ، إن نيوزلنداوأستراليا طلبتا “الإنضمام إلى داعش“، لكن الخارجية العراقية أصدرتتوضيحاً بعدها قالت إن الجعفري كان يقصد التحالف الدولي ضد “داعش” !!
ويتذكر العراقيون من باب السخرية ماقاله في تشرين الأول 2017، بمجلس عزاء الراحل جلال طالباني “سيبقى موقف السيد جلال الطالباني موقفاً وطنياًعراقياً واحدا ونتمنى له كل التوفيق” !!
والتوفيق سادتي الأفاضل للميت والحي كما هي الرحمة !
وكان قد كشف مستشار الأمن الوطني العراقي السابق، موفق الربيعي، أنأحد أصدقاء الجعفري المقربين وهو عالم أعصاب واستشاري بالطب النفسيفي بريطانيا، طلب مني “الربيعي” أن أوصل إلى الجعفري رسالة، بأن يبتعدعن العمل العام..!!
يقول مهندس السياسة الاميركية هنر كيسنجر في عهد الرئيس جيرالد فورد (إذا كنت لا تعرف أين تريد أن تذهب فكل طريق سيذهب بك إلى لا شيء).
قد يكون السيد الجعفري متأثراً بالروائي الأميركي الكبير هنري ميلر ، حين يكون الجعفري كوميدياً بعض الأحيان ، يقول ميلر “ ضعوا كل الأمور في حسبانكم ولكن دون أن تفقدوا روح الفكاهة ، فالحياة ليس فيها أمر أبدي الجدّية ” !
رغم إني أشك بأنه قد سمع بإسمه !