تحتل إيران منذ ٣٠ نوفمبر عام 1971م ، ثلاثة جزر عربية تابعة لدولة امارات العربية المتحدة ، حين أرسل شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي قواته المسلحة لتستولي على هذه الجزر ، ثم لتمارس بعدها اجراءات تعسفية بحق سكانها العرب تمثلت بسياسة الترحيل الجماعي القسري بعد التضييق على مصادر رزقهم وعلى أساليب أستمرار حياتهم الطبيعية فيها . وطيلة الفترة الممتدة بين عام 1971م وحتى العام الجاري 2012م ( 41 عاما) حاولت إيران تثبيت دعائم أحتلالها للجزر العربية (طنب الكبرى ، طنب الصغرى ، وأبوموسى) ، وتكريس مبدأ الأمر الواقع على ترابها ، من خلال سلسلة من العمليات الجيوبولتيكية تمثلت في تغيير أسماء هذه الجزر ، ومنع تداول جميع المطبوعات التي تثبت عروبة الجزر او تشير اليها ،كما شطبت السلطات الايرانية كل الاسماء والعبارات الدالة على عروبة الجزر في المناهج الدراسية الإيرانية ، إضافة إلى تثبيت بعض القطعات العسكرية ، وزراعة بعض المجموعات الإيرانية في الجزر على أعتبار أنهم سكان هذه الجزر والمقيمون فيها ، إضافة إلى مرابطة قطع حربية ايرانية الى جانب جزيرتي طنب الكبرى والصغرى وطائرات الهيلوكبتر ، كما تبنّى مجلس الشورى الايراني في ابريل 1993 م قانونا حدد فيه المياه الاقليمية لإيران كانت الجزر الإماراتية الثلاث جزءا منه ، ردت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة مباشرة وتحديدا في 17/10/1993 بالقانون الاتحادي رقم (19) لسنة 1993 الذي عينت بموجبه المناطق البحرية التابعة لها ، كانت بالطبع جزرها المحتلة ضمن حدود هذه المناطق .
لقد تعاملت دولة الإمارات العربية المتحدة وطيلة هذه الفترة بالكثير من العقلانية وضبط النفس حيال أحتلال إيران لجزرها الثلاث ، وقامت بما أوتيت من طرق دبلوماسية وعلاقات دولية، بالمطالبة بتثبيت حقها الشرعي في السيادة على هذه الجزر واعتبارها محتلة ، بحسب مفهوم القانون الدولي ، احتلالا حربيا يمس السيادة الامارتية من قبل إيران ، وهي ووفق أساس قواعد القانون الدولي تملك الحق الكامل في المطالبة بإنهاء هذا الاحتلال بالطرق والوسائل المقررة لإنهاء النزاعات الدولية ، ولم يتوانى أو يتردد أي مسؤول إماراتي بدءا من رئيسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان وانتهاءا بوزير خارجيتها الحالي الشيخ عبدالله بن زايد من التأكيد على حق الإمارات في جزرها المحتلة وبإنها لن تتهاون في أسترداد هذا الحق .
هذان موقفان واضحان لطرفي قضية واحدة ، الطرف الأول ، إيران ، المحتلة لجزر عربية إماراتية ، والمتغطرسة في تعاملها المستفز سواء مع الإمارات أو مع كل من يشير من قريب أو بعيد بإحقية الإمارات في جزرها، ثم الطرف الثاني ، دولة الإمارات العربية المتحدة ، ذات الحق التاريخي والقانوني في هذه الجزر ، والتي تتعامل بشكل حضاري وقانوني ومسؤول تجاه المطالبة بإسترداد حق شعبها في أرضه ومياهه ، ثم تأتي مع وخلال فترة الأحتلال الأستيطاني الإيراني الطويل هذه ، تساؤلات عن مواقف دولية تدعم أو تؤيد مطالب هذا الطرف أم ذاك ، وإذا ما أستثنينا دول مجلس التعاون للخليج العربي ، بإعتبارها جزء من منظومة واحدة الإمارات العربية جزء منها، فإن أبرز الذين وقفوا مع الحق الإماراتي لإسترداد جزرها المحتلة وبشكل واضح وقوي هو العراق ؛ فقد رفض بشكل قاطع كل مايمس عروبة الجزر العربية ، وطالب بعقد جلسة لمجلس الامن لبحث مسألة الاحتلال الايراني للجزر العربية، ووجه احتجاجا شديد اللهجة ، إلى السفارة البريطانية بتاريخ 20/11/1971 ، حمّل فيه الحكومة البريطانية مسؤولية استقطاع جزء من الأرض العربية وتسليمه إلى دولة أجنبية ، كما وجه مذكرة احتجاج شديدة إلى الحكومة الإيرانية، طالب فيها إيران بسحب قواتها من الجزر وإنهاء احتلالها فورا ، إضافة إلى أن موضوع الأنسحاب الإيراني من الجزر العربية الإمارتية كانت واحدة من شروط العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 م .
يبقى أن نبحث عن طرفين مهمين جدا في موضوع الجزر الإماراتية ، اولهما ، المملكة المتحدة التي كانت تحتل هذه الجزر خلال القرن التاسع عشر وحتى العقد السابع من القرن العشرين ، ثم الولايات المتحدة ، بإعتبارها القوة الأولى في العالم والتي تلاعبت كثيرا بمقدرات المنطقة وأهميتها الجيوستراتيجية ، بريطانيا بالطبع كانت تؤيد طوال القرن التاسع عشر حق العرب في السيادة على الجزر، ورغم أن الإيرانيين قاموا عام 1904 بانزال الاعلام العربية عن جزر (ابو موسى) و(طنب الكبرى والصغرى) ورفعوا بدلا عنها العلم الايراني بالقوة ، إلا أن بريطانيا طالبت حينها بإنزال الاعلام الايرانية وضغطت على طهران لسحب قواتها بعد فترة وجيزة لاحتلالها الجزر . وفي عام 1964م احتلت ايران جزيرة (ابو موسى) إلا أنها واجهت احتجاجا دوليا شديدا ، فصرح وزير خارجية ايران حينها بأن الانزال الايراني كان مناورة حربية طارئة اشترك فيها الاسطولان الايراني والامريكي ولم يكن بقصد الأحتلال ، وانسحبت القوات الايرانية بعد عشرين يوما من ذاك الانزال. ، فلماذا إذن استغلت ايران اعلان بريطانيا الانسحاب من الخليج العربي في نهاية عام 1971 وقامت مباشرة باحتلال الجزر العربية الثلاث مستخدمة قوة كبيرة من الجيش الايراني يساندها سلاح البحرية بعد معركة غير متوازنة مع رجال الشرطة التابعين لإمارة رأس الخيمة أستشهد خلالها ستة أماراتيين . فما الذي غيّر الموقف البريطاني ؟ ولماذا لم تسلّم بريطانيا الجزر رسميا إلى دولة الإمارات العربية المحتلة ، أو تبقي على قواتها فيها، بإعتبار هذه الدولة وفي عام 1971 تحديدا من الدول الفتية ولا تملك جيشا ، أو قوة تمكنها من الحفاظ على حدودها وأمنها القومي ؟ ولم تجاهلت بريطانيا الأحتجاج الذي تقدمت به رأس الخيمة بإعتبارها المسؤولة عن حماية جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى في تلك الفترة ، ثم لم تحرك ساكنا لموضوع الاحتلال الايراني لها حتى بعد تعرض مصالحها ومصالح إيران في الإمارات ، لردود أفعال غاضبة من قبل المتظاهرين الإماراتيين أبان هذا الأحتلال؟
أما الولايات المتحدة الأمريكية ، فهي لم تقدم شيئا يذكر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بخصوص ملف الجزر ، بإستثناء ” تأييدها” لموقف الإمارات بهذا الخصوص !! وهو موقف شبه ثابت ، عبّر عنه مؤخرا الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال أستقباله الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية في البيت الابيض . ولعل الكثير من المحللين والمراقبين يرون في الموقف الأمريكي تكتيكا يراد به تغذية حالة الضغط على النظام الحاكم في طهران ليس إلا ، ويذهب البعض إلى أعتبار الدعم الأمريكي لشاه إيران الراحل كان أحد الأسباب التي شجعته على احتلال الجزر الثلاث وتحدي المجتمع الأقليمي والدولي حينها، فلماذا لا تضغط واشنطن باتجاه تصعيد موضوع المطالبة الرسمية لإيران ، ومن خلال المنافذ القانونية المعروفة ، لسحب قواتها من هذه الجزر ؟ بل على العكس تماما فإن إيران تتحجج بعدم انسحابها من الجزر بالخوف من التدخل الامريكي ، وان “القوات الايرانية باقية فيها حتى لا تستخدم كقواعد عسكرية أمريكية ثابتة ضد شعوب المنطقة” !! .
إيران ، تصر على رفض مناقشة إنهاء الاحتلال العسكري للجزر، والإمارات مستعدة للاحتكام إلى محكمة العدل الدولية، والقبول بكافة النتائج التي يسفر عنها حكم هذه المحكمة ، فالإمارات تملك وثائق عثمانية وبريطانية تؤكد أحقيتها القانونية بالجزر ، وإيران لا تملك إلا الحديث عن أحتلالها لهذه الجزر عام 1904 لمدة ثلاثة أشهر بتحريض من المفوضية الروسية في طهران بسبب مخاوف الروس من قيام بريطانيا بتعزيز مركزها في الخليج العربي ، ويكفي أن أستقطع جزء من رسالة وزارة الخارجية البريطانية الموجهة لإيران كرد على مذكرة سبق أن رفعتها طهران بشأن الجزر رقم 513 – 7/7/1949 لمعرفة قصور الأدعاء الإيراني وبطلانه ، حيث تقول : “بالإشارة إلى برقيتي السابقة، لقد درست حكومة صاحبة الجلالة وبدقة مذكرة وزير الشؤون الخارجية رقم 420 ولاحظت بأن هذه المذكرة كمثيلتها المذكرة الفارسية المؤرخة في 30/4/1935 التي أشارت إليها لم تقدم أي دليل لدعم الادعاء الإيراني بأن هذه الجزر كانت جزءاً من منطقة محافظة لنجة وهو ادعاء درسته حكومة صاحبة الجلالة منذ سنوات عديدة مضت ولم تقبل به… وكما تعلم الحكومة الإيرانية فإن حكومة صاحبة الجلالة لم تقبل مطلقاً بالادعاءات الإيرانية بهذه الجزر كما أنها لم تعترف بأن للحكومة الإيرانية أية حقوق فيها. وفي غياب أي دليل يثبت عكس ذلك فإن حكومة صاحبة الجلالة لا ترى هناك سبباً لتغيير موقفها الذي وضحته بشكل تام في مذكرة السير آر كلايف لسنة 1930 وسنة 1934 بأن هذه الجزر تابعة لحاكمي الشارقة ورأس الخيمة وأنها ليست بأية طريقة قانونية أو غيرها تابعة لسيادة الحكومة الإيرانية”.!! .
إن موضوع الجزر العربية المحتلة يثير وعبر عقود مضت الكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات وإلى تحرك فعلي يعيد الحق إلى أصحابه ، وحتى لا تتحول هذه الجزر إلى أحواز أخرى ، فإن التحرك العربي يجب أن يكون أكثر فاعلية باتجاه الضغط وبكافة الوسائل على الحكومة الإيرانية للأنسحاب من هذه الجزر ، ويجب أن لا تترك الإمارات وحدها لتعالج هذا الملف ، وقد يكون من المفيد المعرفة ، بإن الموقف البريطاني المتواطأ مع الأحتلال الإيراني للجزر عام 1971 هو ذاته المعبر عن السياسة البريطانية عند أنسحابها من أي من مستعمراتها ، فهي تركت شط العرب مثارا للخلاف بين العراق وإيران ، وقطعت اقليم الأحواز التابع وثائقيا ورسميا وشعبيا لإقليم البصرة وألحقته بإتفاق معروف إلى إيران ، وهكذا الأمثلة كثيرة ومعروفة ، لذلك تركت بريطانيا موضوع الجزر معلقا وجعلت منه سببا لتوتر شبه دائم بين الإمارات وبين إيران ، ولذلك أيضا لم تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لإعادة الحق إلى أصحابه رغم العلاقات المتميزة والشراكات العسكرية والأقتصادية بين الإمارات وبين كل من بريطانيا والولايات المتحدة .
الإمارات العربية المتحدة قد تتوهم كثيرا عندما تعتقد بوجود مصداقية لدى الجانب الإيراني ، وأنها يمكن أن تحصل على حقوقها منه عن طريق المفاوضات الثنائية ، ولعلها تلمس بعد كل موقف (أعتباري) إماراتي يتعلق بسيادتها الوطنية ، كيف تلجأ طهران إلى التهديد سواء بإستخدام القوة المسلحة أو من خلال تحريك الخلايا النائمة ، وبينما تعوّل ابوظبي على تحسن في مباحثاتها الثنائية مع إيران خلال العام المنصرم ، ياتي أحمدي نجاد بحركة مباغتة يزور فيها جزيرة أبو موسى زيارة رسمية مستفزة ، ثم ليعلن عن مشروع لائحة ستعرض على البرلمان الإيراني لانشاء محافظة إيرانية جديدة عاصمتها جزيرة أبو موسى المحتلة ستضم جزرا أخرى من قبيل طنب الكبرى وطنب الصغرى وكيش وقشم ولاوان وميناء لنجة وسيريك وكلها تقريبا تقطنها أغلبية عربية !! . إن الحقيقة التي أكدها التاريخ بشكل قاطع ، أن لا مصداقية لإيران ، وأن هذه الدولة يجب أن تنتزع منها الحقوق أنتزاعا ، لذلك فإن على الإمارات أن تستثمر ( الآن) علاقاتها المتميزة مع الغرب ، وتحديدا مع لندن وواشنطن ، من أجل الوصول إلى صيغة تعيد إليها جزرها ، عليها أن تجرب إحراج حلفاءها وتدفعهم إلى موقف حازم ، ربما تكون مطالبة جامعة الدول العربية مجلس الأمن الدولي بإبقاء قضية جزر الإمارات المحتلة الثلاث بندا دائما على جدول أعمال المجلس إلى أن تنهي إيران احتلالها للجزر الثلاث وتسترد دولة الإمارات العربية المتحدة سيادتها الكاملة عليها ، ربما يكون مدخلا لإن تستحضر أبوظبي كل أمكاناتها وما تملك من وثائق في أستصدار قرارات تؤدي بالتراكم إلى أجبار إيران وبقرار دولي على الأنسحاب من الجزر ، هناك يبدو الموقف الأمريكي – البريطاني على حقيقته وموضوعيته . كما أن على مجلس التعاون الخليجي أن يؤدي دورا فاعلا في هذا الجانب وأن يتعامل مع ملف الجزر كموضوع خليجي مشترك وليس إماراتي فقط ، وإلا ما فائدة هذا المجلس ؟ وما فائدة فقرة يذكرها في كل أجتماع له ، تؤكد احقية الإمارات بجزرها؟ فيما ترّد إيران على هذه العبارة بإفعال وخطابات استفزازية ومهينة .
إن دولة الإمارات العربية المتحدة ، ومعها دول مجلس التعاون الخليجي ، مطالبة أن تضع شروطها حيال أي تطورات مستقبلية في منطقة الخليج العربي ، وعليها أن تضمن صراحة ، حقوقها في الجزر المحتلة ، وغيرها من الأمور العالقة مع أي طرف أقليمي في المنطقة ، عندما يطلب منها أي دعم لوجستي أو عملياتي مستقبلا لدعم أي عمليات عسكرية ضد إيران أو غيرها ، ولعل تجارب المشاركات الفعلية أو اللوجستية السابقة لدول الخليج أو بعضها، لم تعد لهم أي من حقوقهم ، بل على العكس شهدنا نفوذا إيرانيا ، وغطرسة في التعامل مع عناصر القوة التي تمتلكها ، وتهديدا مباشرا لدول الخليج ولمصالحها . إن أي حرب أو عمل عسكري مقبل من قبل الولايات المتحدة والغرب عموما تجاه إيران يجب أن تكون واحدة من ثمراته إعادة الجزر العربية الإماراتية المحتلة ، علينا أن نكون أكثر وعيا لإمننا الأستراتيجي ومصالحنا القومية ، وإلا فلن تعود هذه الجزر أبدا .