الحركة الأمازيغية بمطالبها الديمقراطية تتعرض على أيدي رجالات النظام الحاكم، إلى ما تعرضت له سابقا التيارات المناوئة لهذا النظام المتسلط.
تميّزت الحملات الممهدة للانتخابات التشريعية، والتي نشطتها أحزاب المعارضة وأحزاب الموالاة الجزائرية في المدن الكبرى وعلى مستوى الجزائر العميقة، بتكرار نفس اللغة الخشبية التي ملَ منها الشعب الجزائري منذ فتح المجال للتعددية الحزبية الشكلية في ثمانينات القرن الماضي إلى يومنا هذا.
لم تقدم هذه الأحزاب أي رؤى سياسية جديدة يمكن أن تساهم في تجاوز الانسداد السياسي والركود الاجتماعي والتخلف الثقافي والفكري، وفضلا عن ذلك فإنها قد فشلت في رسم المشاريع التنموية المادية الجادة والقابلة للتطبيق، بل إن الذي فعلته أحزاب الموالاة هو التمترس وراء ما يسمّى ببرنامج الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
أما أحزاب المعارضة فقد برهنت مجددا وخاصة طوال المدة المخصصة لحملاتها الانتخابية على تشرذمها وتشظيها، وخاصة عندما دفنت اتفاقيات تنسيقية المعارضة المتمثلة في أدبيات أرضية مازفاران التي كـان من الممكن أن تفتح عهدا جديدا لوحدتها، وأن تتكتل للتصدي للنظام الحاكم الذي يتقن لعبة المراوغة والتحايل على السلطة.
في هذا الإطار جاءت الحملة التي نشطها حزب التجمع الوطني الديمقراطي، بقيادة كل من أمينه العام الحالي ومدير ديوان رئيس الدولة أحمد أويحيى ورئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح الذي يعتبر الرجل الثاني في هذا الحزب، باهتة حيث أنها غرقت في النمطية وفي اجترار الخطابات القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب، ولكن السيد أويحيى حاول في بحر هذا الأسبوع أن يلعب على وتر الوحدة الوطنية وأن يظهر حزبه كحارس أوحد لهذه الوحدة المفترضة، وذلك عندما أعلن جهرا في الكلمة التي ألقاها في تيزي وزو (أحد معاقل الحركة الأمازيغية) عن رفضه للحركة الانفصالية الأمازيغية المدعوة بـ“الماك”.
وهنا نتساءل لماذا يحاول أن يركب أحمد أويحيى موجة ما يدعى بالحركة الانفصالية الأمازيغية في هذا الوقت بالذات، علما أن هذا الرجل ينتمي من حيث أصوله الإثنية إلى المنطقة الأمازيغية وتحديدا إلى محافظة تيزي وزو؟
أحمد أويحيى يدرك تماما أن تسعين بالمئة من المواطنين الأمازيغ لا يطالبون إلا بإزاحة النظام الحاكم الأبدي الذي يمثل حزبه أحد أجهزته الأيديولوجية، واستبداله بنظام سياسي مؤسس على الشرعية المدنية ويعمل بمقتضى الديمقراطية والتداول على الحكم سلميا.
لا شك أن السيد أحمد أويحيى يدرك أيضا أن الحركة الأمازيغية، بما في ذلك حركة “الماك”، لم تستعمل العنف المادي إلى يومنا هذا، بل إنها تنشط في إطار مدني وتدعو سلميا إلى ترقية اللغة الأمازيغية وثقافتها والعمل من أجل إخراجها من الطور الشفوي الذي يهددها بالانقـراض رويدا رويدا، وبإزالة الغبن الذي عانت ولا تزال تعاني منه اللغة العربية بكل مضامينها الثقافية والفكرية؟
وفي الواقع فإن تصريحات الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى هي استنساخ للخطاب العام للنظام الحاكم في الجزائر. فخلال الثلاثاء الماضي دعا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الرسالة التي وجهها للإعلاميين بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى “الحفاظ على هويتنا الوطنية الإسلامية العربية الأمازيغية. وهي هويّة علينا جميعا أن نضعها في مأمن من أي محاولة لتلويثها أو استعمالها ضد وطنكم الجزائر الواحدة الموحّدة”.
على ضوء ما تقدم نفهم أن الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي ومدير ديوان الرئيس بوتفليقة يريد من وراء تصريحاته ضد فصيل من الحركة الأمازيغية أن يسوَّق نفسه مسبقا لدى الجناحين العروبي والإسلامي كصمام أمان للوحدة الوطنية، وبالتالي كخليفة في الاحتياط للرئيس بوتفليقة؟
لا بد من التوضيح هنا أنه لا توجد في المنطقة الأمازيغية الممتدة من تخوم البحر المتوسط شمالا وصولا إلى عمق الصحراء الكبرى جنوبا، والتي يقدر طول مسافتها بألفين كيلومتر، حركة انفصالية تطالب حقا بتفتيت الجزائر إلى جمهوريات مجهرية. ثم إن حركة “الماك” المتهمة بالانفصالية لا تشكل خطورة على الوحدة الوطنية، حيث أن سقف برنامجها لا يتعدى المطالبة بالحقوق الثقافية واللغوية، وأحيانا أخرى المطالبة بالحكم الذاتي الذي ليس اختراعا من اختراعاتها بل هو نموذج من نماذج التنظيم السياسي الذي تعمل به الكثير من الدول الديمقراطية في غرب وشمال وشرق المعمورة؟
لا شك أن الحركة الأمازيغية بمطالبها الديمقراطية تتعرض الآن على أيدي رجالات النظام الحاكم، ومنهم أحمد أويحيى، إلى ما تعرضت له سابقا التيارات المناوئة لهذا النظام المتسلط وفي المقدمة التيار اليساري الذي اتهم مرارا باعتناق أيديولوجيا الإلحاد وبالعمل على زعزعة السيادة الوطنية عن طريق اتهامه ببذل المحاولات لإلحاق الجزائر بالمعسكر الشرقي الماركسي الشيوعي.
إن جر حركة الحكـم الذاتي لمنطقة القبائل، “الماك”، إلى المشهد السياسي يدخل في إطار لعبة الانتخابـات البرلمانية الراهنة والرئاسية القادمة من جهة، وفي اختراع فزاعة للتخويف المواطنين بها من جهة أخرى، وذلك أسوة بما قام به هذا النظام الحاكم في فترات السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حينما استعمل نفس السيناريو حيث اخترع فزاعة التخويف من الإسلاميين ليفرض بقاءه في السلطة بالقوة.
نقلا عن العرب