لا شك أن أى متابع للعلاقات الجزائرية المصرية يدرك أن هناك حساسية مفرطة بين السياسيين في البلدين، وهى الحساسية التي انتقلت للشعوب فأصبح هناك هاجس من تنافر شعبي بين شعبي الجزائر ومصر، بالرغم من الرصيد المشترك في النضال ضد الاستعمار الذي اشترك فيه الشعبين في عصر مصر الناصرية ، وهو تحالف كامل وصل لحد الاندماج في أهداف السياسة الخارجية لكل من مصر والجزائر، فمصر حاربت فعلا في نفس الخندق الذي حارب منه ثوار جبهة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، وتعرضت مصر من أجل موقفها من جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لعداء فرنسي بالغ وصل لحد مشاركة فرنسا في أكثر من مخطط للعدوان السياسي وحتى العسكري على مصر بخلاف الحصار الاقتصادي. وفي ظل توهج شعلة نار الثورة الجزائرية قال كريستيان بينو (وزير خارجية فرنسا وقتئذ) أن التمرد في الجزائر لا تحركه سوى المساعدات المصرية، فإذا توقفت هذه المساعدات فإن الأمور كلها سوف تهدأ؛ لوجود مليون مستوطن فرنسي في الجزائر، ولأن فرنسا اعتبرت الجزائر جزءًا لا يتجزأ من فرنسا. مما ترتب عليه اشتراك فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر، وكانت أول صفقة سلاح من أوروبا الشرقية يحصل عليه ثوار جبهة التحرير في الجزائر بتمويل مصري بلغ حوالي مليون دولار، كما قدمت مصر 75% من الأموال التي كانت تقدمها جامعة الدول العربية للثورة الجزائرية والمقدرة بـ 12 مليون جنيه سنويًا. خصصت مصر – بقرار من جمال عبد الناصر – الدخول الأولى من تأميم قناة السويس (بلغت 3 مليارات فرنك فرنسي قديم) للكفاح الجزائري. دعم فني وبجانب تقديم الدعم العسكري والسياسي، كان هناك دعم ثقافي وفني؛ فالنشيد الوطني الجزائري من تلحين الموسيقار المصري محمد فوزي، كما قام عبد الحليم حافظ بأداء أغنية بعنوان «الجزائر» تتحدث عن الثورة الجزائرية، وقام المخرج المصري يوسف شاهين بإخراج فيلم جميلة الذي يتحدث عن جميلة بوحيرد وعن الثورة الجزائرية.
ومن جانبها ردت الجزائر شعبا وقيادة التحية لمصر بأحسن منها، فبعد أن تعرض الجيش المصري للتدمير الشامل في حرب يونيو 1967 م فتح الجيش الجزائر مخازنه للجيش المصري بل وكان للجزائر الفضل الأول في أن يستعوض سلاح الطيران المصري الذي دمر عن بكرة أبيه جزء كبير من فعالياته بعد أن أهدت الجزائر أكثر من 50 طائرة مقاتلة من طراز ميج 17 التي كانت من بين أحدث المقاتلات السوفيتية في هذا الوقت، حينما اندلعت الحرب في 6 اكتوبر 1973 أرسل هواري بومدين إلى الجبهة المصرية سرب طائرات سوخوي-7 وسرب ميج-17 وسرب ميج-21 وصلت في أيام 9 و10 و11 اكتوبر فيما وصل إلى مصر لواء جزائري مدرع في 17 اكتوبر 1973. و في عام 1973 طلب الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين من الاتحاد السوفيتي شراء طائرات وأسلحة لإرسالها إلى المصريين عقب وصول معلومات من جزائري في أوروبا قبل حرب أكتوبر بأن إسرائيل تنوي الهجوم على مصر، وباشر الرئيس الجزائري اتصالاته مع السوفيت لكنهم طلبوا مبالغ ضخمة فما كان من الرئيس الجزائري إلا أن أعطاهم شيكا فارغا وقال لهم أكتبوا المبلغ الذي تريدونه، وهكذا تم شراء الطائرات والعتاد اللازم ومن ثم إرساله إلى مصر. وفي نفس الوقت امدت الجزائر مصر بـ 96 دبابة و32 آلية مجنزرة و12 مدفع ميدان و16 مدفع مضاد للطيران وما يزيد عن 50 طائرة حديثة من طراز ميج 21 وميج 17 وسوخوي 7، (تصريحات للمستشار علي محمود محمد رئيس المكتب الإعلامي المصري بالجزائر في الاحتفال الذي أقيم في السفارة المصرية بالجزائر احتفالا بنصر أكتوبر). كان دور الجزائر في حرب أكتوبر أساسيا وقد عاش بومدين –ومعه كل الشعب الجزائري- تلك الحرب بكل جوارحه بل وكأنه يخوضها فعلا في الميدان إلى جانب الجندي المصريوخلال زيارة الرئيس هواري بومدين إلى موسكو بالاتحاد السوفيتي في في نوفمبر 1973 قدم مبلغ 200 مليون دولار للسوفييت لحساب مصر، وحتى مخازن الغذاء المصري فتحه الرئيس هواري بومدين لمصر وكان له جملة شهيرة أن المصريين لا يبدعون في العمل أو حتي القتال بدون شرب الشاي فارسل لمصر هدية أطنان الشاى المستورد بدون أن يطلب مالا مقابلها.
لكن بعد حرب اكتوبر جرت الرياح بين البلدين بما لا تشتهي السفن، وتباعدت قيادات البلدين ولم يتوان الإعلام في كل من مصر والجزائر عن شن هجمات إعلامية تمس الشعوب قبل القيادات ولعلنا نذكر كم من مرة هاجم فيها الإعلام المصري الشعب الجزائري بسبب التنافس في مباريات كرة القدم، وكيف هاجم الإعلام الجزائري مصر شعبا وقيادة في المقابل ، ووصل الأمر لحد حدوث مواجهات دامية بين الالاف من مشجعي كل من المنتخب المصري والجزائري في العاصمة السودانية الخرطوم، وهى المواجهات التي نقلها الإعلام المصري والجزائري على الهواء واجتهد كل طرف في أن ينفح النار فيها حتي تظل مستعرة لأطول فترة ممكنة.
لقد الوساطة الجزائرية الأخيرة بين مصر وأثيوبيا عن عمق الجرح بين البلدين، فالوساطة المعروف نتيجتها سلفا جاءت بين أن أعلنت كل من الجزائر وأثيوبيا عن اتفاق تعاون استراتيجي بين البلدين في ظل عداء متصاعد بين الشعبين الأثيوبي والمصري بعد أن ظهرت أدلة على أن أثيوبيا عازمة على أن تحول مجرى نهر النيل لتقضي على المصريين وبلدهم في تحدي وجودي يعصف بمصر وشعبها وقد يكون نهاية حضارة مصر التي استمرت آلاف السنين ولم يكن ورائها إلا النيل الشريان الوحيد للحياة في مصر، جاءت الوساطة الجزائرية بين مصر وأثيوبيا كمحاولة لتهدئة رد الفعل المصري الذي اقتصر على الدوائر الدبلوماسية، ولكن في نفس الوقت فإن هناك دلائل على أن الجزائر تريد الحصول على حصة من مياه النيل عبر السودان بعد تدشين بنك المياه الذي تخطط له القيادة الأثيوبية، وقبل ذلك لا يمكن تجاهل الغضب الجزائري المفهوم بعد أن قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقاء مفتوح أن جيش مصر قادر على اجتياح الجزائر خلال أيام، وهو تصريح غير مفهوم سببه ولا هدفه ولكنه صب الملح على جرح الغضب الجزائري المكتوم، قبل ذلك سلحت مصر قوات خليفة حفتر والأخير استغل الدعم المصري والاماراتي ونشر قواته مباشرة على الحدود الجزائرية الليبية، وحذرت الجيش الجزائري في وقته من أنه لن يسمح لقوات تتضمن مرتزقة أجانب بان تكون على مرمى حجر من حدوده، وعندما استدعت بعض القبائل الليبية الجيش المصري للدخول لبنغازي في ظل تكثيف، أعلنت الجزائر أن دخول أى جندي مصري لبنغازي يمثل تهديدا للأمن القومي للجزائر، في نفس الوقت في نفس الوقت أظهرت جدارية في مبنى وزارة الدفاع الجزائرية صورة لطائرة سوخوي 57 وهى الطائرة التي يعتقد أنها الأقوى في العالم والتي تصنفها مراكز دراسات عسكرية على أنها الأكثر تطورا من إف 35 الأمريكية، وهو ما قد يؤكد أنباء سابقة قالت إن الجزائر تعاقدت بالفعل على شراء 14 مقاتلة من هذه الطائرة الشبحية بعيدة المدى التي لا تظهر على رادارات ولا يوجد حتى الآن نظام للدفاع الجوي قادر على اعتراضها، بالإضافة إلى ذلك فهناك دلائل على أن القوات الجزائرية استبدلت بالفعل جميع طائراتها القديمة من طراز سوخوي 17 و 24 و 25 بأجيال جديدة من طراز سوخوي 34 و 35 ، و الأولى مقاتلة قاذفة، والثانية مقاتلة تفوق جوي يعتقد أنها تتفوق على الطائرة الأمريكية اف – ايجل.
وجاءالإنفاق المتزايد من جانب الجزائر على شراء الأسلحة جاء في وقت تعاني الجزائر من أزمة مالية طاحنة بسبب تراجع أسعار النفط في العالم والأزمة الاقتصادية الناتجة عن الإغلاق في العالم، ولا يعرف حتى الآن كيف دفعت الجزائر فواتير صفقات أسلحتها الأخيرة، وفي نفس الوقت فإن جوار الجزائر وإن كان مضطرب فلا يتطلب شراء أسلحة بمثل هذا التطور، فلا الميلشيات الليبية تملك قدرة على مواجهة الالة العسكرية الجزائرية ، ولا جيشا تونس والمغرب مجتمعان يستطيعان الصمود في أي مواجهة حتى لو محدود أمام القوات البرية الجزائرية المتفوقة علي جيشي البلدين مجتمعين، كما أن طبيعة التهديدات جنوب الصحراء لا تتطلب تسليحا نظاميا بالنظر إلى أن هذه التهديدات تتمثل في جماعات مسلحة تحارب بنظام حرب العصابات مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة أو حركة المرابطون، ولا يعتقد أيضا أن هناك تهديدات من حركات يسارية مسلحة في الصحراء المغربية تستهدف الجزائر ولا يتصور أن الجزائر تفكر في مواجهة دولة من دول الشمال في أوربا، فهل لدى صناع القرار في الجزائر ما يدفعهم للاستعداد لحرب عسكرية واسعة النطاق قد تنشب في شمال أفريقيا في أي وقت قد يكون طرفاها مصر والجزائر سواء مباشرة أو بالوكالة .