23 ديسمبر، 2024 4:21 ص

الجزء 2 \: 8 شباط و عبدالكريم قاسم !

الجزء 2 \: 8 شباط و عبدالكريم قاسم !

هنالك فروقاتٌ خاصّة بين القضاء والإنقلاب على عبد الكريم قاسم , وبينَ تسنّم حزب البعث للسلطة اعقاب ذلك في ربيع عام 1963 .!

ما لَم يُشر او يتطرّق له الباحثون والمؤرخون والكُتّاب حول المتطلبات الدينامية والستراتيجية لضرورة إنهاء حكم الزعيم قاسم ” إلاّ فيما ندر ومن اضيقِ زاويةٍ صغيرة الحجم ! , وبشكل اكثر من عابر ” , هو أنّ كبار جنرالات الجيش العراقي المستقلين سياسياً وحتى من ذوي الميول العاطفية والنفسية لأيٍ من الإتجاهات والتيارات القومية وغير القومية , وبدءاً من كبار قادة الأركان , ومروراً ببعض الضباط الرفيعي المستوى الذين يحتلون مناصباً قيادية في وزارة الدفاع , ووصولاً الى قادة الفرق العسكرية وحتى أمراء الألوية ” بشكلٍ عام ” , كانوا قد استبقوا النظر لِما تسبّب به عبد الكريم قاسم بضربةٍ عسكريةٍ موجعة واستنزافٍ طويل الأمد للجيش العراقي وللمؤسسة العسكرية ” وعلى المدى البعيد ” , من خلال ما يسمى ” بحرب الشمال ” التي بدأوا بشنّها ما اصطلح عليهم في الإعلام بِ ” العصاة ” , وكان ذلك إثر العفو الذي اصدره قاسم على ” الملاّ مصطفى البرزاني ” الذي كان منفياً في روسيا , ودعوته للعودة العراق , وحصل ذلك بالفعل واغدق قاسم على ” المُلاّ وللمجموعة المرافقة له ” , كرماً حاتمياً او نحو ذلك , وخصص له قصر نوري السعيد كمقرٍّ لإقامته , حيث وكما معروف أن انتقل بعدها البرزاني بفترةٍ قصيرة الى شمال العراق او كردستان , وقام بتنظيم واعادة تنظيم صفوفه من مؤيديه , وجرى تسميتهم بالبيشمركة , ومُذ ذاك بدأت المعارك ضد الجيش العراقي بأساليب حرب العصابات وسواها , وبدعمٍ مفتوح من شاه ايران ” عسكريا ولوجستياً ومالياً ” بالإضافة الى اطرافٍ دوليةٍ اخرى بضمنها اسرائيل كذلك . واستمرّت حرب استنزاف القوات العراقية خلال كافة الحكومات والأنظمة التي اعقبت نظام قاسم , وبتطوّرٍ نوعي وكمّي في الجانب التسليحي والقتالي للبيشمركة , وبلغتْ الأمور حدّاً مفصلياً الى التعاون الوثيق والأمني لقوات البيشمركة مع الإيرانيين خلال سنوات الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي < ولسنا هنا بصدد الإسترسالِ نحو الأعمق في دور البيشمركة في كلا حربي عام 1991 و 2003 > .

كُلُّ ذلك وسواه ايضاً كانوا القادة العسكريين العراقيين آنذاك قد حمّلوا عبد الكريم قاسم المسؤولية الكاملة , ليس لما تعرّض له الجيش العراقي في حينها الى الخسائرٍ في الأرواح والمعدات , وانما من خلال النظرة الإستباقية ” في خبرة الأركان ” الى ما ستتكبدّته القوات العراقية في السنين الطوال التي اعقبتها , ومن خلالِ نظرةٍ عسكريةٍ احترافيةٍ بعيدةٍ عن السياسة والأحزاب والتيار القومي الذي سادَ المنطقة آنذاك , ولعلَّ من ابرز ما يترجم هذه الحقائق الستراتيجية , هو عدم تحرّك الفرق والوحدات العسكرية في مختلف انحاء العراق لنجدة الزعيم قاسم يوم الأنقلاب عليه في 8 شباط عام 1963 , بالرغم من توجيه قاسم لخطابٍ ناريٍ للقادة العسكر للتحرّك الفوري للقضاء على الأنقلابيين وفق تعبيره .!

ايضاً ينبغي التأكيد على دَور وتأثير التيار القومي في صفوف الجيش ” من خارج المنتسبين لحزب البعث ايضاً الذي تولى قيادة الأنقضاض على قاسم ” , عبر المشاركة العسكرية الفاعلة في اقتحام وزارة الدفاع ” مقر قاسم الذي حاصر نفسه فيها ” من الجو وعلى الأرض , عبر كلا صنفي الدروع والمشاة .

إفتقد قاسم الذي كان برتبة عميد ركن يوم الأنقلاب – الثورة , واستمرّ بترقية رتبته العسكرية وفق القانون والنظام العسكري حتى وصلَ الى رتبة فريق ركن في اواخر ايامه , حيث لم تستوعب الرؤى الفكرية لقاسم من ضرورة استقطاب النخب المستقلة والوطنية من المواطنين الأكراد , ولا حتى من استيعاب التيار القومي المتنامي في العراق آنذاك , وعدم القدرة السياسية والدبلوماسية على احتواء تأثيرات مصر وعبد الناصر في مهاجمة نظامه عبر الإعلام والمناورة والإلتفاف .!

من المؤسفِ والمحزن كذلك طريقة إخفاء جثّة عبد الكريم قاسم وما جرى من طرق الإخفاء العبثية – الجسدية المنافية لكل الشرائع الأرضية والإجتماعية , فلا زالت وما انفكّت الذكريات العاطفية لشرائحٍ من المجتمع تتعلّق لغاية الآن بذلك الزعيم , والتي مضى عليها اكثر من نصف قرنٍ .! وللحديثِ شجون داخل الأنفس .! سواءً سلباً او ايجاباً او كلاهما كذلك .!