28 ديسمبر، 2024 7:47 ص

أن الجريمة الدولية، هي سلوك إنساني يجرمه القانون ويقرر له عقوبة ، لما يترتب عليه من تهديد أو اعتداء على المصلحة محل الحماية الجنائية .غير أن القانون الدولي-العرفي المنشأ- لا توجد فيه قاعدة قانونية تعرف الجريمة الدولية، بل ترك ذلك للفقه الدولي الذي بدوره اختلف في تحديد مفهومها. يمكن القول أن الجريمة الدولية :هي كل فعل أو سلوك مخالف لقواعد القانون الدولي، يتضمن اعتداء على القيم والمصالح الدولية يرتكبه أشخاص طبيعيون ، أو مجموعة أشخاص سواء لحسابهم الخاص أو لمصلحة دولة أو لمصلحة مجموعة من الدول، أو كانت بتحريض أو مساعدة منها، بحيث يمثل اعتداء وانتهاكا للمصلحة الدولية أو لمصلحة جماعة عرقية أو دينية التي يقر القانون الدولي بحمايتها ويقرر جزاءات عقابية لمنتهكيها. وما يؤيد ذلك أن ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى قد جعل أهم المصالح الدولية الجديرة بالحماية الجنائية، تلك التي تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين ، والمساواة في الحقوق بين الشعوب وحق تقرير المصير ، واحترام حقوق الإنسان بغير تفرقة بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ، فكل اعتداء على مثل هذه المصالح المحمية دوليا، يعد جريمة دولية. وتحتل الجرائم المخلة بأمن وسلم الإنسانية مكانة هامة في إطار التجريم . خاصة وأن الجمعية العامة للأم المتحدة قد كلفت لجنة القانون الدولي بصياغة قانون يتضمن تجريم كافة الأفعال الماسة بهذه المصالح ، ووصفتها بأنها دولية. كما يؤيد هذا التوجه مشروع الجمعية الدولة لقانون العقوبات ، حيث نجد فيه حصرا موسعا للجرائم الدولية التي تنتهك مصالح دولية جديرة بالحماية الجنائية ، وقد اعتمد على مجموعة الصكوك الدولية والاتفاقيات بين دول أعضاء المجموعة الدولية في تاريخها القديم والحديث وشمل جرائم العدوان ، جرائم الحرب ،عدم مشروعية استخدام اسلحة الدمار الشامل ، إبادة الجنس البشري، التفرقة العنصرية، العبودية، العنف، التجارب الطبية غير المشروعة ، القرصنة، الجرائم التي تمس سلامة النقل الجوي، استعمال القوة ضد أشخاص متمتعين بالحماية والتهديد بذلك، أخذ الرهائن، واستخدام الطرود البريدية في أغراض غير مشروعة، تعاطي المخدرات، التزييف والتزوير،
 سرقة الآثار والكنوز، رشوة الموظفين العموميين الأجانب، الاعتداء على الكبلات البحرية ، استخدام المواصلات الدولية، ترويج المطبوعات المنافية للآداب . غير أنه وللأسف، وبعد إقرار المحكمة الجنائية الدولية  ، نجدها حسب المواد 5،6،7،8 من النظام الأساسي لها قد حصرت اختصاصها بجرائم معينة محددة ، وهي: جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجاء النص عليها مفصلا في المواد 6،7،8 من النظام الأساسي للمحكمة. مما يدل على خروج الكثير من الجرائم الدولية من نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، كتلك التي أقرت الاتفاقيات الدولية اتصافها بالصفة الدولية، خاصة لما تكون من ورائها دولة ، تتخذ منها وسيلة لزعزعة استقرار الدول، من ذلك مثلا : جريمة الاتجار بالمخدرات على المستوى الدولي، جريمة خطف الطائرات، جرائم القرصنة البحرية وغيرها من صور الإرهاب الدولي، وكذلك جرائم غسيل الأموال التي تختص بها شبكات الإجرام العابر للحدود. ومع ذلك فإن عدم اختصاص المحكمة الجنائية هذه الطوائف من الجرائم ، لا يعني رفع الصفة الدولية عنها، إذ من الممكن اختصاص محاكم أخرى بها . ومن ثم فإن المفهوم الذي جاء به مشروع المحكمة الجنائية  الدولية قد ضيق كثيرا من مفهوم الجريمة الدولية، حيث تعد الجريمة دولية بحسب مشروع المحكمة: كل فعل أو امتناع عن فعل، يصدق عليه وصف جريمة بحسب نص المواد  6،7،8 من النظام الأساسي للمحكمة، شرط أن تكون الجريمة في إطار دولي ، تأتيه دولة أو سياسة منتهجة من قبل منظمة غير حكومية.
ومهما يكن ذلك فما دام النظام الأساسي للمحكمة قد ذكر الجرائم الدولية على سبيل الحصر، فإن ذلك لا يمنع من الناحية الفقهية من التوسع في مفهومها ، أما من الناحية القانونية فالقاعدة عدم التوسع في تفسير اختصاص المحكمة الجنائية، طالما أن الجرائم وردت على سبيل الحصر، إلى أن يستجاب للتطلعات الداعية لتعديل نظام المحكمة ومن ثم التوسع في نطاق الجرائم الدولية أضف إلى ذلك، فقد صار مقررا- ومنذ محاكمة نورمبورغ – بأنه لا تعد جريمة دولية، كل فعل مباح بمقتضى العرف الدولي سواء أكان هذا الفعل لا يعتبر جريمة في الأصل، أو لكون ظروف معينة جعلته مباحا، كالأفعال المرتكبة استعمالا لحق المعاملة بالمثل، أو أفعال المقاومة التي تقوم الشعوب المحتلة أراضيها ضد قوات الاحتلال، و كذلك ما يقوم به الشعب ضد سلطات الدولة مقاومة للتمييز العنصري، و حق الدفاع الشرعي و الحق المستمد من قانون الحرب بالنسبة لأفعال القتل التي ترتكب في ميدان القتال و ضرب المدن المحصنة بالقنابل و إسقاط الطائرات بالصواريخ و القنابل . ويترتب على ذلك، أن الجريمة الدولية تعتبر اعتداء على المصالح الدولية، مما يولد اختصاصا عالميا أي عالمية حق العقاب ، بمعنى إعطاء الحق لكل دولة بمعاقبة مرتكبي الجريمة الدولية بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب أفعالهم ، وذلك بمحاكمتهم أمام المحاكم الداخلية، وإعطاء الحق لهذه الدولة في محاكمة الجناة أمام محاكمها الداخلية.كما وأنه من البديهي على الدولة المتضررة من الجريمة الدولية ، وبالأخص متى كانت ماسة بالأمن والسلم العالميين، أن تمارس حقها في الدفاع الشرعي مع مراعاة القيود التي أوردتها المادة 51 من ميثاق المم المتحدة في هذا الخصوص ، كما ولها أن تعرض الأمر على الأمم المتحدة التي من حقها إذا ثبت لها وقوع عدوان أن تمارس صلاحياتها المنصوص عليها في الفصل السابع من الميثاق وفي نطاق نهج الأمن الجماعي ، والذي يتضمن توقيع عقوبات. ويحق للدولة فضلا عن ذلك أن تطلب إعادة الحال التي أخلت به الجريمة، إلى جانب توفير الضمانات المناسبة لعدم تكرار الفعل. ولها أيضا أن تطلب من الدولة المعتدية تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في قوانينها الداخلية، بما في ذلك محاكمة الشخص أو الأشخاص المرتكبين لجريمة أو المساهمين فيها وإلزامهم بتعويض الأضرار التي أصابت الدولة الأخرى أو أحد رعاياها . وتلتزم الدولة التي أحدثت الضرر بأن تصلح الأوضاع الخاطئة التي ترتبت على الجريمة ، وأن تقوم بما يلزم من إجراءات للترضية كالاعتذار الرسمي أو الاعتراف بالخطأ. والحقيقة أن لجنة القانون الدولي لم تظهر الفرق الرئيسي بين الجرائم والجنح إلا على أساس حصر الجرائم وإطلاق لفظ جنحة على ما عداها معتمدة في ذلك على معيار عام هو مدى المساس بمصلحة جوهرية للمجتمع الدولي ، وبالقياس إما على مدى الآثار الضارة الناجمة عن الفعل أو مدى الفظاعة التي يتسم به، أو الاثنين معا . كما أن الطابع الدولي الذي تتميز به الجريمة الدولية جعل السلوك الإجرامي المكون لها قابلا لإفلات صاحبه من المساءلة الجنائية ، إذ أن مرتكب الجريمة الدولية قد يقوم بالتحضير لها في دولة و قد يقوم بتنفيذها في دولة أخرى ثم ينجح في الهرب إلى دولة ثالثة، كما قد تتعدد جنسية الأشخاص المتهمين بارتكاب الجريمة الدولية أو الضحايا. أضف إلى ذلك أن الفقه الدولي في تعريفه للجريمة الدولية، أشار إلى عنصر الجسامة كأحد المعالم الأساسية للجريمة الدولية. الجريمة الدولية…لا تكون إلا بالنسبة للأفعال ذات الجسامة الخاصة،التي إن وجدت تحدث اضطرابا وخللا في الأمن العام للمجموعة الدولية  .  إذا كانت الطبيعة القانونية للجريمة الدولية تختلف في بعض الأحكام الخاصة عن الجريمة الداخلية، فهذا ليس معناه أن الجريمة الدولية من طبيعة قانونية مغايرة للجريمة الداخلية، و إنما هذا الاختلاف راجع إلى ظروف المجتمع الدولي الذي لم يصل في درجة التنظيم و الاستقرار للمفاهيم القانونية مثلما وصل إليه المجتمع الداخلي. بحيث صار الاعتداء على مصالحه وقيمه الأساسية يشكل خطرا دوليا تتضافر جميع الدول من أجل مكافحته، مهما تنوعت وتعددت الجرائم، سواء اختص بها التشريع الداخلي أم لم يختص , فحماية الإنسان من أي اعتداء مصلحة دولية جديرة بالحماية الجنائية الدولية ،فهو غاية كل تنظيم قانوني. وبالمقابل فقد تأكد بأن الفرد تقع على عاتقه المسؤولية عن الجرائم الدولية ، وهذا ما أكدته مبادئ نورمبرغ وطوكيو، حول المسؤولية الجنائية للفرد عن الجريمة الدولية ،إذ جاء في المبدأ الأول الذي صاغته لجنة القانون الدولي من قانون و حكم محكمة نورمبرغ ما يلي: (إن كل شخص يرتكب عملا يعد جريمة دولية يكون مسؤولا و يخضع للعقاب).كما أكدت المحاكمتان بأن الصفة الدولية تتجلى من خلال شدة الجريمة وخطرها على الأموال والأشخاص، مقررة بذلك أن الجريمة تعد دولية متى كانت تمثل شدة خاصة، وتبدو هذه الشدة من وحشية الجريمة المرتكبة ضد الأشخاص والأموال، بالمخالفة لقوانين وعادات الحرب . أن الطابع الدولي للجريمة يتحقق ، إما لأن دولة ما هي من أتى الفعل غير المشروع ، وإما بالنظر لجسامة الفعل غير المشروع ومساسه بمصلحة دولية محل حماية جنائية دولية حتى ولو أتى هذا الفعل فرد ولحسابه الخاص، متى كان ذلك ثابتا في اتفاقية دولية تضفي على الفعل هذه الطابع الدولي . فالاعتداء على الأمن والسلم الدوليين يشكل خطرا دوليا تسبغ عليه الصفة الدولية، والاعتداء على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الدولي يكسب الفعل المجرم الصفة الدولية.كما وأن الاعتداء على وسائل الاتصال والنقل وتبادل العلاقات بين الدول يضفي على الفعل الصفة الدولية. بمعنى أن الاعتداء إذا وقع-سواء وقت السلم أم الحرب- ومس مصالح حيوية للمجتمع الدولي ،أي الاعتداء على المصالح الدولية و التي يتكفل بها القانون الدولي الجنائي، و ذلك بإسباغ الحماية الجنائية عليها ، و لا تقتصر هذه الحماية فقط على المصالح الدولية و إنما تمتد لتشمل المصالح و القيم الإنسانية، و ذلك بتجريمه لأعمال القتل و الإبادة وغيرها من الأفعال ذات الجسامة الكبيرة.
إن الهدف من التشريع الجنائي، هو حماية المصالح المعتبرة قانونا، بحيث يشكل الاعتداء عليها خروجا على القانون، يستلزم العقاب الجزائي على مرتكبي الفعل الجنائي لزجرهم وردعهم . فحماية المصالح هي مناط التجريم ومناط العقاب في التشريعات الجنائية. والجريمة بصفة عامة سواء كانت داخلية أم دولية تعد عدوانا على مصالح يحميها القانون. ففي مجال الجريمة الداخلية يتولى القانون الجنائي الداخلي حماية مصالح الأفراد و الدولة، حيث يناط به مهمة النص على الأفعال المحظورة التي تمثل عدوانا على أمن الأفراد و كيان الدولة و بيان العقوبات المقررة لها . والقانون الدولي الجنائي و هو فرع حديث من فروع القانون الدولي العام، يناط به مهمة إسباغ الحماية الجنائية على المصالح و القيم الأساسية للجماعة الدولية ، وبالتالي فهو يقر بوجود جريمة لكونها تمثل عدوانا على مصالح الجماعة الدولية,و الجريمة هي سلوك إنساني بلغ حدا من الجسامة إلى حد الإخلال بالتزام يتعلق بكيان المجتمع ووجوده ، ويشكل استهجانا للضمير البشري استوجب شموله بالجزاء الجنائي ، ولم تحرص التشريعات الجنائية المختلفة أن تضع تعريفا للجريمة سواء أكانت داخلية أم دولية ، وترك ألامر للفقه.
أن الجريمة الدولية قديمة في نشأتها، حديثة في معناها، كشف عن وجودها العرف الدولي ،والاتفاقيات الدولية. هذه المصادر التي تشكل أساس القانون الدولي الجنائي، الذي من خلال مبادئه تحددت لنا مفاهيم الجريمة الدولية . فقد فرض القانون الدولي الجنائي على الأفراد المخاطبين به- وقت السلم وقت الحرب- التزامات عليهم، سواء أكانت لهم صفة رسمية(أعضاء دولة) أو بصفتهم الشخصية، وتحملهم تبعة خرقها بقيام المسؤولية الجنائية الدولية عن طريق محاكم جنائية دولية مؤهلة لهذا الغرض . الجريمة الدولية تعني الخرق لقواعد القانون الدولي عموما، ولقواعد القانون الدولي على وجه الخصوص، ترتكبه الدولة عند انتهاكها للسلم والأمن الدوليين لتقع ضد أشخاص القانون الدولي . كما وأن الجريمة الدولية تختلف عن العديد من الأفعال و التصرفات الدولية غير المشروعة كخرق دولة لالتزاماتها في اتفاقية اقتصادية أبرمتها مع دولة أخرى ، كون آثار هذه التصرفات تنصرف فقط على العلاقة الاقتصادية بين الدولتين الموقعة على الاتفاقية. ولتحديد نطاق الجريمة الدولية ينبغي تمييزها عن غيرها من الجرائم المشابهة لها، فهي تختلف عن الجريمة الداخلية و الجريمة السياسية. تمثل كلا من الجريمة الدولية و الجريمة الداخلية إخلالا بالنظام العام في المجتمع، و ذلك بارتكاب تصرفات يجرمها القانون الجنائي، بالإضافة إلى هاتين الميزتين تشتركان في كون مرتكبهما هو شخص طبيعي. و الجريمة الدولية مثلها مثل الجريمة الداخلية تخضع للمبادئ العامة في القانون الجنائي و ذلك من إن مرتكب الجريمة الداخلية-وهو الشخص الطبيعي دائما – قد يرتكبها باسمه و لحسابه أو لحساب الغير. أما الجريمة الدولية فمرتكبها هو أيضا الشخص الطبيعي فتكون –في الغالب-لحساب الدولة بتشجيع أو رضاء منها، فلا بد في الجريمة الدولية من توافر الركن الدولي، بالإضافة إلى  الاركان العامة للجريمة الداخلية. حيث ضرورة توافر الركن المعنوي لقيام المسؤولية الجنائية . و تتميز الجريمة الدولية عن الجريمة الداخلية من حيث المصدر، فمصدر الجريمة الدولية يوجد في العرف الدولي، و الاتفاقيات الدولية التي تكشف عن هذا العرف .والجريمة الدولية ترتكب ضد مصلحة دولية أو مصلحة إنسانية تهم الجماعة الدولية بأسرها الذي يحددها و يقرر عقوبتها، في حين أن القانون الوطني هو الذي ينص على الجريمة الداخلية، والجريمة الدولية ترتكب ضد مصلحة دولية أو مصلحة إنسانية تهم الجماعة الدولية بأسرها. لذا تسمى بجريمة الإخلال بقانون الشعوب هذا القانون الذي يفرض التعايش السلمي بين أعضاء المجتمع الدولي . أما الجريمة الداخلية فهي تمس بمصالح خاصة يحميها القانون الداخلي، و هي مخلة بالنظام العام الوطني. غير أنهما يتفقان من حيث موضوع كل منهما بحيث تشكل كل واحدة عدوانا على الإنسان وعلى كرامته البشرية، وعلى حقه في الوجود والحياة.
وتختلف أسباب الإباحة في الجريمة الدولية عنها في الجريمة الداخلية رغم أنهما متفقتان في وجوب توافر ركن معنوي لقيام مسؤولية الجاني و إن اختلفتا في بعض أحكام هذه المسؤولية و العقوبة المقررة في الجريمة الداخلية توقعها المحاكم الوطنية التي تطبق قانون العقوبات الداخلي، سواء أكانت هذه الجريمة داخلية خالصة أم دولية في حقيقتها نص عليها المشرع الوطني في قانون العقوبات الوطني ، عند عدم وجود قضاء دولي جنائي يختص بتلك الجريمة مما جعل الاختصاص بشأنها يؤول للمحاكم الداخلية. أما العقوبة في الجريمة الدولية فهي تقرر باسم المجتمع الدولي، و تكون الأحكام الصادرة من محاكم دولية خاصة ، كمحاكم نورمبورج و طوكيو أو يوغسلافيا، و رواندا ، أو محاكم دائمة أي المحكمة الجنائية الدولية التي أنشأها نظام روما الأساسي. وثمة إشكال بين الفقهاء يدور حول ما إذا تعارض القانون الداخلي مع القانون الدولي الجنائي .
والثابت أن التشريعات القانونية لم تضع تعريفا جامعا مانعا للجريمة سواء أكانت داخلية أم دولية أو عالمية، مما يجعل البحث عنها في القوانين الوطنية والدولية متعذرا. أن مفهوم الجريمة الدولية قد تطور وتغير لتغير بنيان الجماعة الدولية ، من المفهوم الضيق ، والذي كان يفهم منه بأن الجريمة الدولية هي خرق لقواعد القانون الدولي الذي ترتكبه الدولة (فقط) عند انتهاكها لحالة السلم والأمن الدوليين لتقع ضد أشخاص المجتمع الدولي من الدول فقط ، فالجرائم الدولية لا يمكن أن يرتكبها إلا أفراد بوصفهم (أعضاء دولة)، ودون ذلك فتعد جرائم وطنية(داخلية) يعاقب عليها القانون الجنائي الوطني . وإذا ما تعدت أثارها بحيث مست العديد من الدول ،فقد رمزوا لها بأنها جريمة عالمية ، تتعاون الدول على مكافحتها                                                                                                                                       طريق الاتفاقيات الدولية . التمييز بين الجريمة العالمية والجريمة الدولية ، أن الجريمة العالمية هي تلك الأفعال التي تتنافى و الأخلاق، و التي تنطوي على اعتداء على القيم البشرية في العالم المتمدين كالحياة و السلامة الجسدية، فهذه الجريمة ينظمها قانون العقوبات العالمي، و هذه التصرفات تشكل جرائم عادية منصوص عليها في التشريعات الجنائية المعاصرة، و تختلف عندهم الجريمة العالمية عن الجريمة الداخلية في كون مرتكبيها يمارسون نشاطهم في عدة دول.
 ومن صور الجرائم العالمية ، الجرائم المنظمة العابرة للحدود، فمثل أنواع هذه الجرائم يتم مكافحتها بموجب اتفاقيات دولية ، رأى المجتمع الدولي ضرورة التعاون على مكافحتها نظرا لجسامة خطرها وتفاقمه . من بين تلك الجرائم جريمة الاتجار المنظم بالمخدرات، غسيل الأموال، الاتجار بالرقيق ، القرصنة ، وأقدمها جريمة القرصنة والرق فجريمة القرصنة التي ترتكب في أعالي البحار، غالبا ما يوصف مرتكبوها بأنهم (أعداء الجنس البشري ) ذلك لأنها تؤدي إلى عرقلة العلاقات الدولية في مجال التبادل التجاري ، إضافة إلى أنها تمثل قيدا على مبدأ من مبادئ القانون الدولي العام وهو مبدأ حرية الملاحة في البحار العالية وما يستلزمه من ضرورة إشاعة الأمن والطمأنينة . وأيضا جرائم تزييف العملة ، لا يقتصر أثرها على إحداث الضرر باقتصاد الدولة الممارس فيها هذا النشاط المحظور قانونا، وإنما يمتد أثرها ليشمل عدة دول ، فتزييف العملة لا يؤدي إلى إضاعة الثقة بنظام نقدي لدولة معينة فحسب، بل يؤدي إلى إضاعة الثقة بالنقود باعتبارها وسيلة تعامل، خاصة إذا أخذنا بالحسبان اتساع حجم العلاقات التجارية في العصر الحالي، وما يرافقه من اتساع في نطاق التعامل بالنقود . أن هناك العديد من الجرائم التي تسبب أضرارا لعموم الجنس البشري ، من حيث آثارها السيئة على صحة الفرد وأخلاقياته ، لذا تقوم الدول أعضاء الجماعة الدولية في وقتنا الحاضر بتحمل مسؤولية وتبعية تطبيق العدالة الجنائية الدولية من خلال منظومتها العقابية والدستورية ، حيث ينص القانون الوطني على الأفعال المجرمة، تنفيذا لالتزامها بالاتفاقية الدولية التي وقتعها الدولة وصادقت عليها . من ذلك نذكر على سبيل المثال:
-اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير ، والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة
بقرارها 317 (د- 4) في ديسمبر 1949 وبدأ سريانها في 25 يوليو 1951 . وقد تناولت الاتفاقية الأفعال المحظورة ونصت المادة الأولى على إنزال العقاب على كل شخص يقوم بالأفعال المحظورة . كذلك نصت المادة 27 منها على أن يتعهد كل طرف في هذه الاتفاقية بأن يتخذ وفقا لدستوره التدابير التشريعية اللازمة لضمان تطبيق الاتفاقية.
-اتفاقية تحريم الاتجار غير المشروع بالمخدرات ،فنظرا لما تلحقه هذه التجارة من أضرار على قيم وأخلاقيات المجتمعات كافة ،فقد شعر المجتمع الدولي بضرورة مكافحتها والحد من آثارها الخطيرة فعقدت العديد من الاتفاقيات منها اتفاقية لاهاي للأفيون سنة 1912 . واتفاقية جنيف للأفيون سنة1925 . واتفاقية جنيف للحد من تصنيع المخدرات وتنظيم توزيعها المبرمة عام 1931 ، اتفاقية جنيف، المبرمة عام 1936 لردع التجارة غير المشرعة في المخدرات ، والاتفاقية الموحدة للمخدرات لسنة 1961. واتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971.  فهذه الجرائم التي يرتكبها الأفراد بصفتهم الخاصة ضد قيم المجتمع الدولي تشترك مع الجرائم الدولية في كونها تشكل انتهاكا لقيم أخلاقية ولمصلح مالية تهم الجماعة الدولية. لكن إذا تخذتها الدولة المارقة على القانون الدولي وسيلة لأغراض مشبوهة، كزعزعة استقرار دولة ما، عدت حينه جريمة دولية بحسب طبيعتها.