23 ديسمبر، 2024 1:12 م

الجذور التاريخية للاختراق

الجذور التاريخية للاختراق

-1-
اذا كان العراق اليوم يشكو من الاختراقات الكثيرة ، وتسلل أعدائه الى مواقع أمنيّة مهمة ، فانّ ذلك ليس بشيء جديد في تاريخه !!

إنّ الاختراقات ظاهرة معروفة في التاريخ ، وهي السبب في العديد من الانكسارات والهزائم …

-2-

مَنْ منّا مَنْ لم يسمع بقصة (معقل) ، هذا المخادع اللعين الماكر، الذي جاء الى مسلم بن عقيل – سفير الامام الحسين (ع) الى أهل الكوفة مدسوسا عليه من قبل عبيد الله بن زياد، واستطاع ان يوصل اليه الأخبار والأسرار من خلال تردده اليومي على مسلم في دار (هاني بن عروة) الأمر الذي كانت له تداعياته الخطيرة وآثاره الكارثية …

{ راجع منتهى الآمال /ج2/ص437}

-3-

ومن القضايا المدهشة أنّ رجلاً من الخوارج يسمى (سميرة بن الجعد) – من بني شيبان – أصبح سميراً للحجاج بن يوسف الثقفي، ومن أقرب المقربين اليه ، حتى كتب (قطري بن الفجاءة) كتابا الى (سميرة) يطالبه بالالتحاق به ،وكان يومها يحارب (المهلب) فاستجاب (سميرة) لقطري وترك الحجاج ….

-4-

وأصلُ الحكاية ، كما رواها المسعودي في مروج الذهب /ج3/112-113:

أن الحجاج قال لاحد حراسه :

أتني بمحدّث من المسجد ، فاعترض هذا الحارس رجلاً جسيماً عظيما وقال له :

أجب الأمر

وانطلق به حتى أدخله اليه ، فلم يسّلمْ ولا نَطَقَ حتى

قال له الحجاج :

إيه ما عندك ؟

فلم يتكلم ، فقال للحارس :

” أخرجْه ، أخرج الله نَفْسكَ ،

أمرتُك أنْ تأتيني بمحدّث ، فَأَتَيْتَني بمرعوب قد ذهب فؤاده “

قم أن الحجّاج خرج بنفسه ومعه صرّة دراهم ،فجعل يناول الناس فيأخذونها ، حتى انتهى الى شيخ فأعطاه فنبذها ، فأعادها الحجاج فرّدها .

فعل الحجاج ذلك ثلاثا ،

ثم دنا منه وقال :

أنا الحجاج فأخذها .

والغريب أنَّ الحجاج لم ينتبه لما يحمله هذا الرفض من دلالات ..!!

ولم يثر في نفسه الشكوك ..!!

وفعل الحجاج راجعا الى القصر :

وأمر الحارس أن يُدخل الرجل عليه ، فلما دخل سلّم بلسان ذَلِقٍ ، وقلب شديد ، فقال له الحجاج :

ممن الرجل ؟

فقال :

من بني شيبان

قال :

سميرة بن الجعد

قال :

ما اسمك ؟

قال :

يا سميرة : هل قرأت القرآن ؟

قال :

جمعتُه في صدري ، فان عملتُ به فقد حفظتهُ ، وان لم اعمل به ضيّعته .

واستمر الحجاج يطرح عليه الاسئلة حتى قال له :

فهل تروي الشعر ؟

قال :

اني لأروي المثل والشاهد .

قال :

المثل قد عرفناه فما الشاهد ؟

قال :

اليوم يكون للعرب من أيامها عليه شاهدٌ من الشعر ، فاني أروى ذلك الشاهد .

(فاتخذه الحجاج سميراً ، فلم يك يطلب شيئاً من الحديث إلاّ وجد عنده علما …)

وقد لبّى (سميرة) دعوة ابن الفجاءة والتحق به ، وترك للحجّاج أبياتاً يقول فيها .

فمن مُبلغ الحجاج أنَّ سميرةً

فلا كلَّ دِينٌ غيرَ دينِ الخوارج

رأى الناس الاّ مَنْ رأى مِثلَ رأيِهِ

ملاعين ترّاكين قَصْدَ المخارجِ

فأقبلتُ نحو الله بالله واثِقا

وما كربتي غير الاله بفارِجِ

الى عُصبة أمّا النهار فانَّهم

هُمُ الأسدُ أُسْدُ الغيلِ عند التهايجِ

وأما اذا ما الليل جَنَّ فانَّهم

قيامٌ كأنواح النساء النواشِجِ

الى آخر ما كتب ….

فطرح الحجاج الأبيات الى عنبسة بن سعيد قائلاً :

( هذا من سميرنا الشيباني ، وهو من الخوارج ، ولا نعلم به )

والخوارج اليوم هم الخوارج بالأمس

انهم يرون الناس ملاعين الاّ من راى رأيهم واعتنق ما اعتنقوه، واذا كانوا يسمّون ( بأهل الجباه السود) لكثرة صلاتهم وقيامهم بالليل ، فان تلك الصلوات لاتنفعهم شيئاً ، لان غاية الصلاة النهي عن الفحشاء والمنكر ، وهم لا يملّون ولا يكلون من ذبح المخالفين لهم، وقطع رؤوسهم، والتمثيل بجثثهمُ ، وكلّ ذلك مما يشهد باجرامهم ، وبُعْدِهِم عن رُوح الاسلام ، دين المحبة والسلام والتسامح .

-4-

والمهم أنَّ الحجاج لم يكتشف هوية (سميرة) وأنه من الخوارج الذين حاربهم وحاربوه إلاّ بعد أن قرأ الكتاب ..!!

كما أنّ المتسللين من خوارج العصر ، الى المراكز الحساسّة في العراق الجديد لم يكتشفوا ، وهم بالتأكيد وراء معظم المجازر والكوارث التي اثخنته بالجراح …

-5-

انّ الخطأ القاتل هو وضع (الأعداء) في مواضع القدرة على التدمير والتخريب ومقارفة أعظم الجرائم بدم بارد …

وبعين الله ما عاناه شعبنا المظلوم في هذا المضمار من مصائب ونوائب يشيب لهولها الوليد …

ولا ندري متى ستكون الغربلة الحقيقية التي تنقذ البلاد والعباد من أيدي العتاة المجرمين ؟!

*[email protected]