-1-
بَيْن المصالح العامة للبلاد والعباد ، والمصالح الذاتية للمحترفين السياسيين وزبانية السلاطين ، بَوْنٌ شاسع .
ومن المشاكل التي عانت منها الأمة ، ألوانا من الاعتساف والمرارة ، مشكلة الانطلاق من الذات ، والتغييب الكامل للمعايير الشرعية والموضوعية والوطنية …
انها ليست مشكلة مخصوصة بفترة زمنية معينة أو قُطر مُعيّن .
انها مشكلة عامة طفت على السطح في مختلف العصور والأقطار .
وانها –للاسف- مهدّت الطريق، أَمامَ باعةِ الضمائر لتكرار المأساة عبر امتداد المسيرة ..!!
-2-
” حكى مسكويه أنَّ وزير المكتفي العباس بن الحسن ، استشار (ابن الفرات) فيمن يلي الخلافة فقال له :
اتق الله ، ولاتُنصّب في هذا الأمر
مَنْ قد عرف دار هذا ،
ونعمة هذا ،
وبستان هذا ،
وجارية هذا ،
وفرس هذا ،
ومن لقي الناس ولقوه ،
وعرف الأمور ،
وتَحَنَّكَ ، وحَسبَ حسابَ نِعِمِ الناس .
-وكأنه يشير بهذا الى (ابن المعتز) –
قال الوزير :
فبمن تشير ؟
قال ابن الفرات :
بجعفر بن المعتضد (المقتدر)
فقال الوزير :
جعفر صبيّ
قال ابن الفرات :
إلاّ أنه ابن المعتضد ،
وَلِمَ تجئ برجل يأمر وينهى ،
ويعرف مالنا ،
وبمن يباشر التدبير بنفسه ،
ويرى أنه مستقل ،
ولِمَ لاتسلّم هذا الأمر الى من يَدَعُك تدبرّه أنت ؟ “
ظهر الاسلام /ج1/26
-3-
وهكذا نُصّب (المقتدر) خلفية !!
” لقد كان المقتدر في الثالثة عشرة من عمره ، لايعرف من أمور الدنيا شيئاً،
ومع ذلك لقبوّه بالمقتدر !!
ولما شبّ عكف على لذائذه ، وتوّفر على المغنين والنساء ،وترك امور الدولة لغيره ، وعلى رأسهم مؤنس التركي ، فبلغت الحالُ مِنْ بَلَهِ الخليفة وسوء رجاله أقصى حدّ .
وأخيراً :
بعد حكم فاسد دام نحو خمس وعشرين سنة ، قَتَلَ المقتدرَ رجلٌ من أصحاب مؤنس ” المصدر السابق /27
-4-
واذا انتقلنا من التاريخ الى الجغرافية رأينا العجب العجاب :
ان هناك مواقع رسمية مهمة للغاية عُهِدَ بادارتها في العراق الجديد الى من لايحمل من الكفاءة والمهنيّة شيئاً …. لتبقى الزبانية ماسكةً بالخيوط ،ومتلاعبةً بالامور كيفما تشاء ، وعلى البلد ومواطنيه ومصالِحِه ألفُ سلامٍ وسلام ..!!
انك تستطيع ان تؤثر من تحبّ بالإغداق عليه من أموالك الخاصة ،
وتستطيع أن تعهد اليه بادارة ما تشاء من شركاتك الخاصة ،
ولكنَّ تعيين اشباه الأميين في المواقع الحساسة خيانة لله ولرسوله ، وعدوانٌ على الوطن والمواطن .
ان أسوأ السمات في (المسؤول) ان يلحظ مصلحته الخاصة ويراعيها كامل المراعاة ، في الوقت الذي يتجاهل فيه حرمة الضوابط والموازين ويخترقُ الخطوط الحمراء كلها …
[email protected]