23 ديسمبر، 2024 8:19 ص

الجذر التاريخي لفساد المؤسسات الأمنية

الجذر التاريخي لفساد المؤسسات الأمنية

-1-
يُخيل لكثير من المستائين مما تجترحه بعض العناصر المدسوسة في المؤسسات الأمنية العراقية، أنّهم يواجهون اليوم ما لا عَهْدَ للناس به مِنْ قبل …، حتى لكأن الذين ضمّتهم تلك المؤسسات الحساسة، بريئون منزهون عن كل الحماقات والمفارقات ..!!

وهذا وهم كبير …

ان السمو والدناءة موجودان في كل عصر ومصر ..

-2-

واذا كنّا اليوم نشكو من إلقاء القبض على بعض الأبرياء وايداعهم الزنزانات ، وتعريضهم لألوان من العذاب، فانّ ذلك أمر ليس بالجديد يقينا …

ان هذا قد حصل قبل قرون عديدة في العراق ، أيام المعتمد العباسي

(ت 279 هجرية) .

-3-

جاء في سيرته :

أنه كان نائما فأفاق وقال :

أحضروا لي من السجن رَجلاً يُعرف بمنصور الجمّال .

فأُحضِر ، فقال له :

” منذ كم أنت محبوس ؟

فقال :

منذ ثلاث سنين

قال :

فأَصْدقني عن خَبَرِكَ

قال :

أنا رجل من أهل الموصل ،

كان لي جَمَلٌ أحملُ عليه ،

وأعودُ بأجرته على عيلتي ،

فضاق المكسب بالموصل عليّ فقلتُ :

أخرجُ الى (سرَّ من رأى ) … فخرجتُ ،

فلما قربتُ منها اذا جماعةٌ من الجند ، قد ظفروا بقوم يقطعون الطريق ،

قد كتب صاحبُ البريد بخبرهم ،

وكانوا عشرة ،

فأعطاهم واحدٌ من العشرة مالاً على أنْ يُطلقوه ،

فأطلقوه ،

وأخذوني مكانَه ،

وأخذوا جملي ،

فسألتهم بالله ، وعرَّفتُهم خَبَري ، فأبْوا ،

وحبسوني معهم ،

فمات بعضُهم ، وأطلق بعضُهم ، وبقيتُ وحدي “

وهكذا تلاعب الجنود فجعلوا البرئ مذنباً ، وأطلقوا المذنب ،

ولم يرحموا الفقير بل عمدوا الى مصادرة جَمَلِهِ ..!!

وبقي هذا الجمّال البرئ طيلة سنوات ثلاث، يعاني من الكمد والحسرة والبلاء ما يعاني … بلا رحمة ولا شفقة ، ولا اكثراث بمعاناته ..!!

وكم لهذا الجمال – البرئ الذي أُخذ ظلماً – من نظير في مراكز الاعتقال الحالية ؟!

ان لهذه الحادثة بعينها نُسخاً كثيرة تجاوزت الالاف المؤلفة – للاسف الشديد –

-4-

وحين قَصَّ (منصور الجمّال) على المعتمد العباسي قصته ، قال :

” احضروني خمسمائة دينار ،

فجاؤوا بها ، فقال :

ادفعوها اليه ،

فأخذها ،

وأجرى له ثلاثين ديناراً في كلّ شهر وقال :

اجعلوا اليه أمر جِمالنا “

إنَّ مجرد اظهار التأثر النفسي لا يكفي لانعاش هذا الرجل المظلوم …،

فكان لابُدَّ ان يقترن التأثر بما يستطيع الرجل معه تطبيع أوضاعه

وهذا ما حصل بالفعل .

ثم انّ (المعتمد) لم يُرد أنْ يبقى هذا الجمّال المظلوم مثقلاً بأعباء الحياة، فأصدر الأمر بتعيين راتب شهري له .

وزاد على ذلك بان جعله المسؤول عن جِمال السلطان ، وفي ذلك ما يرفع من مكانته الاجتماعية ، بَعْدَ معالجتِهِ للجانب الاقتصادي …

وهكذا يجب ان تكون رعاية الدولة لمواطنيها المظلومين …

-5-

والسؤال الآن :

كيف علِمَ (المعتمد) بقصة (منصور الجمّال) السجين ،

ومن أين أتيحت له فرص التعرف على قضيته ؟!

قيل :

انه قال :

” رأيتُ … النبيَّ (ص) في النوم ،

فقال :

يا احمد

وَجِّه الساعة الى الحبس فأخرجْ منصوراً الجمّال ، فانه مظلوم وأحسن اليه ، ففعلت ..!!

نثر الدر /للآبي /ج3/ص95

*[email protected]