19 ديسمبر، 2024 1:00 ص

الجديد عن 8 شباط 1963

الجديد عن 8 شباط 1963

على الرغم من مرور 56 عاماً على ذكرى الثامن من شباط لعام 1963 , فلعلّها من المفارقات الإيجايبة أن تظهر معلومات وآراء وتحليلات جديدة في كلّ سنةٍ تحلّ بها هذه الذكرى , ولذلك أسبابٌ عدّة ” لا يسمح الوقت عندي ولا المجال لذكرها وذكر عددها ” .

  في إحدى الجوانب الموضوعية للحديث عن انقلاب 8 شباط والتي كان حزب البعث يطلق عليها ” عروس الثورات ” .! , فيتطلّب الخوض في الحديث عمّا جرى آنذاك عن الأسباب والأخطاء التي جرّت لذلك الحدث ودفعت لأن يلقى الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم مصيره بالشكل الدموي المعروف , اكثر من التعامل والتعاطي الأعلامي لفترة حكم حزب البعث التي دامت نحو 9 شهور ولم تكن تتمتع بأيّ استقرارٍ سياسي داخلي  والتي ساعد على نجاحها اشتراك اعداد من الضباط القوميين وابرزهم المقدم الركن صبحي عبد الحميد أحد ابرز حركة القوميين العرب .. وخلال النصف قرنٍ ونيف الذي مضى , فقد صدرت العديد من الكتب والمقالات والآراء والتحليلات بذلك الشأن , ولا زلنا نستمع ونقرأ المزيد منها وسيّما من شهود عيان لم يعلنوا عن معلوماتهم من قبل لسببٍ وآخر , او من باحثين جدد يتعمقون في الدراسة والكشف عن جوانبٍ لم تكن مرئيةً بالكامل , او حصولهم على وثائقٍ حديثة لم يجر كشف النقاب عنها سابقاً . وفي الحقيقة فأنّ هذا الموضوع قابل للتوسع اكثر رغم طول هذه السنين .! , كما أنّ الرأي العام العراقي لايزال منقسماً الى اكثر من قسمين في رؤيته الى الرئيس السابق قاسم .!

  لاريب أنّ احدى الأسباب العديدة التي أدت للإطاحة بالنظام الملكي هي انتشار المدّ القومي في العراق وفي المنطقة إبّان حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي سيطر على مشاعر وفكر الشارع العربي آنذاك وبعده . وابدّ هنا من تسليطِ اضواءٍ كاشفة على معلومةٍ معلومةْ إنّما لم يجر تركيز الضوء عليها بشكلٍ كافٍ , فالضباط الأحرار الذين خططوا للأنقضاض على النظام الملكي كانوا معظمهم برتبة عقيد في الجيش , وأرتأؤوا أن تكون حركتهم من ضابطٍ متميز برتبةٍ اعلى ليقود الحركة تجنّباً للأختلاف في الآراء والرؤى , فكلّفوا المقدم وصفي طاهر ” أحد ضباط التنظيم , والذي اصبح فيما بعد مرافقاً للزعيم – العميد عبد الكريم قاسم ” للأتصال به وعرض انضمامه للتنظيم , فسأله قاسم عمّا اذا كان العقيد الركن المرحوم ناجي طالب من ضمن اعضاء التنظيم , وحيث اعلمه بالأيجاب فطلب أن يتصل العقيد طالب به , < نشير هنا هنا الى أنّ العقيد ناجي طالب كان واحداً من المع ضباط الجيش العراقي واصبح برتبة عميد قبل عشرة ايام من  14 تموز 1958 , بالرغم أنه في يوم تنفيذ الحركة لم يكن في بغداد حيث كانَ آمراً للواء 15 في البصرة , لكنه كان اوّل وزير من الضباط الأحرار الذي عينه عبد الكريم قاسم كوزير للعمل والشؤون الأجتماعية , لكنّ العقيد ناجي طالب قدّم استقالته بعد 6 شهورٍ من استيزاره , وغادر العراق معتزلا لمدة سنة في النمسا , وكان معروفاً في اتجاهه القومي > , ولم ينتبه ويتنبّه الرئيس قاسم ” جرّاء تلك الأستقالة ” للأبعاد القومية السائدة في حركة الضباط الأحرار وفي الكثير من ضباط الجيش وفي الأحزاب السياسية الأخرى وحتى في صفوف المجتمع , ولعلّ هذه هي احدى اولى المحطات التي جرّت بعدها الى ما هو اوسع واعمق واغفلها الرئيس قاسم ثمّ انجراره بالضد من التوجهات القومية السائدة في الأقطار العربية .

  وإذ نتحدث هنا من خلال الزوايا الضعيفة الإضاءة  عن تلك الأحداث , فالنقطةُ الأخرى من مجموع نقاطٍ كثيرة والتي قد تكون عاملاً مساعداً غير مباشرٍ وغير فعّالٍ في سقوط نظام الرئيس قاسم < والتي يمكن القول أنه ساهم بها ! دونما إدراكٍ وبُعد نظرٍ سياسي وسوسيولوجي > , فمن الصعب ” وليس من المحال ! ” أنّ الرئيس عبد الكريم قاسم لم يشعر ولم يستشعر بردود الأفعال الجماهيرية المتضادة والمتقاطعة والساخطة في العراق ومثيلاتها في وسائل الإعلام العربية وحكوماتها وخصوصا لدى مصر- عبد الناصر واذاعة صوت العرب المصرية الشهيرة , بالتشويه والتندّر التي قامت به محكمة المهداوي او محكمة الشعب ” حيث أن العقيد فاضل المهداوي ” رئيس تلك المحكمة العسكرية ” وهو ابن خالة قاسم , ولا يصدرأحكام الإعدام إلاّ بموافقةٍ مسبقةٍ منه , تجاه وجرّاء أحكام اعدامٍ لعددٍ من الضباط الأحرار ” مهما كانت الأسباب الموجبة لذلك في تصديهم لقاسم لاحقا بسبب الخروج عن اهداف الحركة , وكذلك لإصداره بأحكام الأعدام لأعدادٍ من رموز العهد الملكي مما لم يتوجب اعدامهم وربما الأكتفاء بحبسبهم في اقصى الحالات , ثمّ وبجانب الأسلوب المشين والساخر الذي كان يتحدث به العقيد المهداوي مع المتهمين من كلا العهدين الملكي والجمهوري الجديد , مما أثار وأجّج الرأي العام بالضد منه سيما الجهات القانونية والحقوقية في العراق والعالم , كما أنّ الأنكى في ذلك أن المهداوي سمح واتاح وفتح الباب أمام الشيوعيين لحضور جلسات محكمته ليرفعوا الحبال ” اثناء المحاكمة تلويحاً وهتافاتٍ مدويّة بأنزال عقوبة الإعدام شنقاً بالمتهمين ” مما لابدّ أن يؤثر سيكولوجياً على رئيس المحكمة في اصدار قراراته ” إنْ لم تكن متخذة مسبقاً ” .!

 وبالرغم من كثافة اختزالنا الحديث هنا وبشكلٍ مضغوطٍ لأسبابٍ تتعلق بعملية النشر , فنشير :

إذا ماكان الرئيس الراحل قاسم مقتنعاً ومسروراً بما يجري من حوله وما يحيطه بما لم يدركه داخلياً وثمّ عربياً , فيمكن القول أنه حكم بالأعدام المبكر على نفسه , وللأسف فالرجل كان وطنياً لكنه يفتقد للرؤى السياسية , وللحديث تتمّة .