تداولت وسائل الإعلام المحلية والتواصل الاجتماعي أعماما ( سريا ) صادرا من مكتب وزير التعليم والبحث العلمي يحذر فيه أساتذة الجامعات من خطر تعرضهم لمحاولات الاغتيال ويدعوهم لاتخاذ إجراءات تتعلق بتفتيش سياراتهم واتخاذ مسارات غير منتظمة لتنقلهم لتفويت الفرص على اغتيالهم من قبل الأعداء ، وإذا كان الأعمام صحيحا فعلا لأن الكثير لم يتبلغ بمضمونه بعد فانه لا يعني شيئا من الناحية العملية ، لان عمليات اغتيال أساتذة الجامعات قد بدأت منذ 2003 ولم تتوقف قط ودليلها سقوط العشرات أو المئات في تلك العمليات وتعرض البعض لخطف وابتزاز ناهيك عن التهديدات الظاهرة والمبطنة التي تطال التدريسيين ، وفي بداية ظهور عمليات اغتيال أساتذة الجامعات أجازت الجهات الأمنية إصدار هويات لحمل قطعة من الأسلحة الشخصية من باب الدفاع عن النفس أو تخويف المهاجمين إلا إنها ألغيت بعد حين لأسباب غير معروفة ، ووصل الأمر بعدم منح تراخيص بحيازة ( مسدس ) للأستاذ الجامعي لكي يحتمي به أثناء تواجده مع عائلته رغم انه لا يحظى بأية حماية تناسب طبيعة عمله ومكانته والتهديدات التي قد تطاله من قبل الجناة ، رغم إن الأجهزة الأمنية تسمح بحمل وحيازة أسلحة للبعض وان كانوا اقل تعرضا للأخطار من أساتذة الجامعات ، والأكثر من ذلك فان ( معالي ) وزير التعليم السابق اصدر توجيها يقضي بان تثبت في هويات أساتذة الجامعات عبارة ( تستخدم داخل الحرم الجامعي ) وبذلك فقد الأستاذ وسيلة إثبات كون جامعيا عند مروره بالسيطرات وغيرها لان هويته محدودة النفاذية ولا تتعدى الحرم الجامعي .
والغريب في موضوع الأعمام الخاص بالتهديدات المحتملة بأساتذة الجامعات إنها أخذت حيزا من اهتمام وسائل الإعلام بحيث إن القاصي والداني قد اطلع على مضمون الكتاب السري ، وهي حالة باتت تسبب قلقا للأساتذة وعوائلهم فالأعمام رمى الكرة في ملعب الأساتذة وطالبهم باتخاذ إجراءات لحماية أنفسهم دون أن يتم إشراك الأجهزة المعنية لتولي هذه المسؤولية لان الأستاذ الجامعي هو مواطن أولا وتقع على عاتق من يعنيه الأمر حمايته من أي تهديد ، كما إن الأعمام قد افترض امتلاك جميع الأساتذة للسيارات حين طلب منهم تفتيش سياراتهم قبل الصعود إليها واستخدامها ، فرغم إننا لا نمتلك إحصائية رسمية فان العديد من أساتذة الجامعات لا يمتلكون السيارات أما بسبب اوضاعم المادية أو لأسباب أخرى لا نستطيع الخوض في تفاصيلها الآن ، ومن لا يمتلك سيارة يضطر لاستخدام وسائط النقل العام لغرض التنقل مما يجعل موضوع حمايته غاية في التعقيد ، إلا في حالة واحدة وهي تفعيل الجهد ألاستخباراتي لمعرفة الجهات التي تستهدفهم ودوافع ذلك والوسائل الملائمة لمعالجة الأهداف المعادية قبل وقوع الاعتداء ، وكما يردد بعض الزملاء فإنهم لا يشعرون أحيانا بالأمان الكامل داخل الحرم الجامعي فكيف السبيل للإحساس بالأمن والأمان أثناء التنقل من السكن إلى الجامعة التي ربما تبعد عشرات الكيلومترات للوصول إليها ، كما إن من الأسئلة التي تشغل البال تتعلق بالقرار الذي يجب أن يتخذه الأستاذ فهل يترك الدوام ويجلس في البيت أم إن هناك من سيتولى أمنه لكي يتفرغ للتدريس وهل ان الجلوس في البيت سيوفر له الامان ؟ ، فهذا الأعمام واحدة من تداعياته الحيرة لأنه لا يوفر الحلول الناجعة للحالة المشار إليها فيه من حيث وجود معلومات تفيد باستهداف أساتذة الجامعات في بغداد .
والإجابة عن هذه الأسئلة غاية في الأهمية فالجامعات لا يمكن أن تستمر وتتطور من دون الإسهامات الايجابية لأساتذتها في عمليات الأداء اليومي والتطوير ، وهذا الإسهام له علاقة وثيقة بمدى ثقة الأستاذ بجامعته من حيث قدرتها على توفير البيئة الملائمة للأداء وواحدة من متطلبات تلك البيئة هي توفر الأمن والأمان ، وهذه ليست نظرية نخترعها اليوم بل إنها من بديهيات المعرفة التي تم الاتفاق بشأنها منذ النصف الأول للقرن الماضي ، لان أبراهام ماسلو وضع الأمن في بداية سلم الحاجات الذي وضعه في العام 1943 ، ونضيف إلى ذلك إن وضع أساتذة الجامعات تحت الضغط والتهديد بالاغتيال وتنفيذ عمليات باستهداف بعضهم ( لاسمح الله ) ربما سيجعلهم يعزفون عن الدوام وعدم العودة لجامعاتهم إلا بعد اتخاذ إجراءات مطمئنة تكفل المحافظة على سلامتهم من التهديدات ، وفي مثل هذه الحالات ستضطر الجامعات لتعليق دوامها لحين عودة دوام التدريسيين وهي حالة لا نتمنى حصولها ونرجوا أن يتم اتخاذ الإجراءات السريعة للحيلولة دون تحول ذلك من افتراض إلى أمر واقع ، كما نرجوا من الجهات المعنية في التعليم العالي أن توضح حقيقة الأعمام موضوع البحث فهل هو حقيقي أم مزيف وإذا كان حقيقي فمن الواجب التحري عن كيفية تسربه إلى وسائل الإعلام رغم درجة الكتمان المثبتة فيه ، وإذا يقترب من الواقع فمن الضروري إعلان بعض الإيضاحات حول درجة خطورته والتنسيق الذي تم مع الجهات المعنية بخصوص الحد من التأثيرات السلبية والضمانات بعدم وقوع الأضرار ، ففي كل الأحوال فانه من غير المناسب أو المقبول أن نضطر يوما لإيقاف الدوام في الجامعات بسبب الوضع الأمني الذي يهدد اساتذتها لان هذا القرار لم يتخذ بأسوأ الظروف التي مر بها البلد بما في ذلك السنوات الصعبة التي تلت الاحتلال وما تخللتها من أحداث وتداعيات .