السادة و السيدات المسؤولين عن ادارة ملف شائك و مهدد من كل النواحي، ملف التعليم العالي و البحث العلمي في العراق، أعود معكم لبحث مفردة الجامعات المستحدثة و ما شكّلته من أثر في مجمل أداء المنظومة الاكاديمية العراقية، و هذه المرّة من ناحية التصنيفات العالمية، و أبرزها تصنيف شنغهاي.
بادي ذي بدء، أود الاشارة الى ان لدي شخصيا كما لدى نسبة كبيرة من الرعيل المتقدم من الزملاء التدريسيين غير المسموعة أصواتهم ، موقفا مغايرا لموقف الوزارة في اسلوب التوجه نحو الحصول على أي موقع ضمن مختلف التصنيفات العالمية و منها الغث و منها السمين و معظمها قد تم انشاؤها و ادارتها من قبل مؤسسات ربحية في آسيا و اوربا و لا تعير لها الجامعات المتقدمة أهمية كبرى الا بغرض التسويق في دول آسيا و الشرق الاوسط، غير ان لهذا الموضوع وقفة أخرى.
تأتي المخاطبات الرسمية تباعا من الحلقات العليا للوزارة للحضّ على العمل بل و وضع أطر زمنية لدخول الجامعات و الكليات ضمن التصنيفات العالمية للجامعات، و صار التركيز منصبا على تصنيف شنغهاي الذي يتضمن تصنيفين رئيسيين للجامعات ككل و للبرامج الدراسية “الكليات/الاقسام ” كلاّ على حدة. ان قراءة سريعة لموقع ادارة تصنيف شنغهاي تدلنا على ان أساس التصنيف يعتمد بشكل كامل على النشاطات و الانجازات البحثية للملاكات التدريسية “توجد عتبة محددة للدخول اصلا ضمن التصنيف”، بضمنها حصولهم على جوائز عالمية محددة كجائزة نوبل و يوليسيس و المسجلة ضمن مستوعبات معينة أهمها WoS لخمس سنوات سابقةـ و بنسبة صغيرة على نفس تلك النشاطات لخريجي الجامعات و الكليات. أي ان كل ما عدا النشاط البحثي للملاك التدريسي، كالبنى التحتية و اعداد الطلبة و نوعية الادارة و غيرها من المعايير التي تدخل ضمن تصنيفات اخرى كتصنيف QS و RUR، ليس بذي أهمية مع شنغهاي، فأين مؤسساتنا الاكاديمية منها و ما علاقة الجامعات المستحدثة بالموضوع؟
مع الحركة الدؤوبة للملاكات التدريسية في مختلف الجامعات العراقية للنشر في ما تصل اليه امكاناتهم الشخصية “الضعيفة اصلا” من مجلات عالمية ضمن المعايير المطلوبة، يظل معدل تلك الحركة أقل من المطلوب و ذلك لاسباب كثيرة أهمها ضعف “ان لم نقل انعدام” الدعم المؤسساتي للعملية البحثية التي يمكن ان ينتج عنها بحوثا رصينة متقدمة يمكن ان تجد ترحيبا في المجلات العلمية المتقدمة، و الانشغالات الادارية و الفنية الكثيرة التي تقع على كواهل الملاكات التدريسية بسبب قلة الملاكات المساعدة و التغييرات الدورية للادارات بما ينتج عنه ضعف استقرارية المؤسسات الاكاديمية، هذا اضافة لضعف او شبه انعدام المشاركة في النشاطات العلمية العالمية لاسباب كثيرة جدا.
مع كل المعرقلات الجدّية المشار اليها اعلاه، تأتي الجامعات المستحدثة التي أخذ تأسيسها الكثير من جرف الجامعات القديمة سواء من ناحية الامكانات البشرية او الفنية و البنى التحتية حيث لم يصاحب تأسيسها اي اضافة حقيقية من سنخ تلك المتطلبات، اضافة لحداثة تجربة اداراتها المتقدمة في مؤسسات التعليم العالي، كما ورد في الاجزاء السابقة من هذه الدراسة. ان مناقلة الملاك التدريسي “المتقدم منه خاصة” من الجامعات الام للجامعات المستحدثة قد أحدث شرخا كبيرا في منظومة استمرارية الجهد البحثي لاولئك التدريسيين حيث يتطلب العمل في المستحدثة سنوات من الجهد الاداري لوضع اللبنات الاولية لتلك المؤسسات “هذا مع فرض عدم تضييع تلك السنوات ضمن جو التقلبات و الاجتهادات لقيادات غير خبيرة” و مع ضعف الارضية البحثية لدى المستحدثة “ان وجدت اصلا” فالناتج تشتيت جهود و خسارة مضاعفة حيث لا المستحدثة ستصل لأبسط متطلبات شنغهاي و لا الام ستتمكن من تجميع الحد الادنى للنقاط المطلوبة للدخول في ذلك التصنيف نتيجة تسرب طاقات منتسبيها السابقين..!!!
فما هو المكسب اذن من الجامعات المستحدثة؟ هي تشتيت للموارد المالية بما تتطلبه من تعيين شخوص بمناصب و درجات خاصة تصاحبها جيوش من الحمايات و السوّاق و منتسبين بصفة “متابعة سريّة او علنية” و نفقات نثرية و خدماتية ووووو….بينما يعيش العراق منذ سنوات ظروف عسر مالي و فساد اداري يصرّح به أعلى رأس حكومي…هي تشتيت للخبرات الاكاديمية بما يفقدها زخم العمل ضمن منظومة مستقرة و مسار بحثي مترابط الاجزاء و بالتالي فاالمردود المتوقع من البحوث المنشورة ضمن مجلات رصينة سيشهد ” شهد فعلا” انخفاضا ملحوظا ضمن رصيد الجامعات الام بينما تبقى انتاجاتهم ضمن الجامعات المستحدثة أقل بكثير من العتبة المطلوبة من قبل مؤسسة شنغهاي “ضمن حدود 150-200 بحث خلال خمس سنين”، و ما ينتج عن ذلك بالتأكيد من انعدام فرص حصول الملاكات التدريسية على جوائز عالمية حقيقية و معتبرة، مع افتراض “ولو مجرد افتراض” السماح لهم أصلا بالمشاركة في التجمعات العلمية العالمية الرصينة، يعني خسارة مضاعفة لجهود وزارة التعليم العالي و البحث العلمي الرامية للدخول ضمن تصنيفات كتصنيف شنغهاي.
الحل الاقصر و الاجدى هو التراجع عن الخطوة غير المدروسة المتمثلة بافتتاح الجامعات المستحدثة، و الحاق التشكيلات الحالية بالجامعات الام ضمن الرقع الجغرافية باسرع وقت، و تثقيف الملاكات البحثية ضمنها لتثبيت اسماء الجامعات الام على واجهات بحوثهم بما يضمن رفع عدد البحوث ضمن أرصدة تلك الجامعات و بالتالي رقع فرص حصول تلك الجامعات/الكليات للشمول بمراجعات المؤسسات المسؤولة عن التصنيفات العالمية مع ينتجه ذلك الالحاق من بتر لمنفذ كبير من منافذ تسرب الموارد المالية و البشرية و الخبراتية الهائلة ضمن قطاع التعليم العالي و البحث العلمي و هو الاهم حسب أراء نسبة كبيرة جدا من الملاك التدريسي للجامعات العراقية. …و الله من وراء القصد