18 ديسمبر، 2024 9:43 م

الجامعات المستحدثة…ما لها و ما عليها (4)

الجامعات المستحدثة…ما لها و ما عليها (4)

القيادات الجامعية!!!

مما يبعث الامل و الروح في قلب كل كاتب ذو رسالة و قضية، ان يرى او يستشعر، في الاقل، صدى او تفاعلا مع ما يكتبه…و قد ازعم انني أستشعر في احداث و تغيرات العديد من دوائر وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و اجتماعات الادارة الجديدة مع الجهات المسؤولة في مختلف المؤسسات و الدوائر الاكاديمية هذه الايام، بعض انعكاسات ما كتبته في الاجزاء السابقة المتعلقة بشكل خاص بملف الجامعات المستحدثة، و هذا ما ستتم الاشارة اليه ادناه، من خلال فتح ملف شائك و لا يخلو من المخاطر لكل من يجرؤ على محاولة الولوج اليه دون التسلح بما تستوجبه تلك المحاولة من دروع و مصدّات….غير أن البحث لا يتكامل دون فتح ملف القيادات الجامعية للجامعات المستحدثة… فحسبي الله و نعم الوكيل…

ان استحداث اصغر وحدة في أي مؤسسة يستوجب ان يتم تسليمها لايادٍ متمكنة، خبيرة و ذات باعٍ “لا اقل من عشرات السنين” في مجال او مجالات عمل تلك الوحدة، و بشكل خاص لو لم يكن لتلك الوحدة وجود معنوي او مادي قبل تأريخه…فكيف الحال لو كان ذلك الاستحداث لجامعةٍ يٌفترض بها ان تضم كلياتٍ و أقسامٍ…و كيف لو كان ذلك الاستحداث سيقرر أو ينحت مصائر مئاتٍ من شبابٍ سيكونون أساس قيادة العهود القادمة؟؟؟ و ان متابعة بسيطة لكل تجارب الاستحداث على المستويات الاقليمية و العالمية للأقسام و الكليات ( أعود للتأكيد أن تجربة استحداث جامعات منذ البدء يليها التفكير في انشاء كليات و أقسام تجربة عراقية بامتياز!!!)، سنجد ان اختيار القيادات الجامعية ابتداءا من أصغر تشكيل وصولا لرئاسات الجامعات يعتمد أساسا على الخبرات العالية و أيكال الامور لحملة أعلى الالقاب العلمية من ذوي السمعة العريضة و التجربة الواسعة…بل و ربما يكون اختيار عناصر أقرب للمتقاعدين بشكل وقتي لحين اكتساب الجيل اللاحق للخبرة المطلوبة، هو الوسيلة الانجع لضمان عدم تجيير تلك القيادات موارد الاستحداث و امتيازاته لمصالحهم الشخصية اشباعا لعقد نقص سواء فيما يتعلق بالالقاب العلمية او الوجاهة او للصعود على اكتاف مؤسساتهم….و قد يقول قائل بضرورة فسح المجال للطاقات الشابة او المتوسطة التي لم يتح لها المجال للتعبير عن نفسها و ابراز امكاناتها.. و ذاك كلام جميل و لا يخلو من الصحة…نعم لو كان فسح ذلك المجال في كليات او جامعات قائمة بذاتها و لها منظوماتها العاملة و أنظمتها المؤسساتية الناتجة عن تراكم الخبرات و التجارب، مما قد يسهم في ضخ دماء و افكار جديدة و لكنه ايضا يردع العثرات او الهنّات المتوقعة من نقص خبرة القيادات الجديدة التي سوف تجد من يجبرها و يعيدها لجادّة الصواب عكس الحال لو استفردت تلك القيادات الجديدة ببيئة فاقدة أصلا لأي خبرة متراكمة أو مرجعية خبراتية تتولى تقديم المشورة و التصويب، بما يجعل لتلك العثرات انعكاسات سلبية خطيرة، قد لا يمكن العودة عنها، و يكون الطلبة الجامعيون هم المجني عليهم بالدرجة الاولى ناهيكم عن الملاكات التدريسية و الفنية و الموارد المالية !!!

لقد حمل التصريح الاخير لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي حول توجيهات السيد الوزير بدعم الجامعات المستحدثة و تيسير اعارة و تنسيب الملاكات التدريسية حسب التخصصات، اشارة قوية و شبه صريحة لوجود انتدابات عشوائية سابقة للملاكات التدريسية في تلك الجامعات دون ان يكون التخصص أساسا لنلك الانتدابات… و هو ما أشرت اليه سابقا في جزء سابق من هذه الدراسة… غير ان الاشارة الاكثر أهمية بالنسبة لهذا المبحث هو ورود مصطلح “الجامعات الام”، و هو لعمري أمر غاية في الاهمية و كان من الاولى ان يتم استخدامه منذ بدء الشروع في تلك الجامعات…أي ان يخرج التأسيس باديء ذي بدء من عباءات الجامعات الام الاكثر عراقة و خبرة و استقرارا و ان تظل عجلة القيادة بيد تلك الجامعات فترة مناسبة حتى اكتساب ادارات يتم تأهيلها في تلك الاثناء، الخبرة المناسبة أو الاستقرار القيادي المناسب لأن تتولى مسؤولية كبيرة لا يسهل تسييرها دون تلك الرعاية.

ان مراجعة للمكاسب و الايجابيات التي كان يمكن جنيها من استحداث اقسام او كليات بدلا عن الشروع في جامعات، و وضع تلك الاستحداثات تحت رعاية و ادارة وقتية للجامعات الام، ستتجلى واضحة في الاقتصاد الكبير في النفقات المالية الناجمة عن تنصيب ادارات عليا بما تتطلبه من استحداث درجات وظيفية خاصة لافراد من درجات وظيفية ادنى بكثير، و تبعات ذلك الاستحداث من حمايات و سوّاق و نفقات يعلمها الجميع لا موجب لها “في المراحل الاولى في الاقل”، و تركيز الموارد المالية بالذات، في الاحتياجات الحقيقية للكليات بدلا عن توجيهها نحو ايجاد مقرات جديدة فخمة فاخرة لتلك القيادات الجديدة و توابعها. أيضا، سيكون تركيز القيادات الجامعية المؤقتة منصبّا “تحت قيد التكليف اصلا” بإيجاد و تطوير و تدريب قيادات مستقبلية من الملاكات التدريسية و الفنية و الادارية في تلك الكليات المستحدثة بغرض تسليمها القيادة في وقت لاحق دون ان يدور في خاطر تلك القيادات المؤقتة الانشغال بانجازات وهمية او منافسة تلك القيادات المستقبلية او تعويق تطورها و ظهورها، بحكم كونها “القيادات المؤقتة” من حملة اعلى الالقاب العلمية و الدرجات الوظيفية و ممن تشهد لهم المحافل الاكاديمية بالوجاهة. كما ان تحقق المكسبين المذكورين آنفا سيجعل من تلك الكليات “او الجامعات” المستحدثة نماذج ايجابية تمثل جذبا للطاقات الجديدة او التي لم تجد لها مكانا في المؤسسات التقليدية و بالتالي فإنها بما لديها من آفاق توسع محتملة ستكون عاملا من عوامل خفض مستويات البطالة ضمن الوسط الماهر او المتقدم، اضافة الى انها ستمثل عاملا مهما من عوامل اشعال المنافسة مع المؤسسات التقليدية.

السيد الوزير المحترم…السادة مسؤولو المؤسسات الاكاديمية المحترمون.. ان عدم الشروع في الخطوات الصحيحة في الماضي لا يمنع ان يتم التفكير في اصلاح ما يتم تشخيصه من الهنّات او العيوب، خاصة مع النفس الهائل و الرغبة الواضحة في التغيير و اعادة ضخ الاوكسجين النقي في رئة التعليم العالي في العراق التي تكاد تختنق و استشعر العالم كله ذلك من خلال الغياب المذّل للمؤسسات الاكاديمية في قوائم التصنيف الرصينة على مستوى العالم مع مفارقة امتلاك العراق العديد من الكفاءات و الخبرات على مستوى الافراد……الله الله فيما وضعه الله تعالى تحت اياديكم من سلطات و امكانات زائلة في يوم من الايام و ستُسألون عنها … عسى ان لا يطول وقوفكم حينها….

…..

يتبع