20 ديسمبر، 2024 2:13 ص

الثَّوْرَةُ عَلى المُؤَامَرَةِ.

الثَّوْرَةُ عَلى المُؤَامَرَةِ.

(الحَلْقَةُ الأُوْلَى)
فِي لَيّْلَةِ يَومِ 9 عَلى 10/ 6/ 2014، كَانَ الاشْتِبَاكُ عَلى أَشُدِّهِ، فِي غَربِ مُحافَظَةِ نِيْنَوَى، بَيّْنَ قُوَّاتِ الجَيْشِ، وَ قُوَّاتِ الشُرطَةِ العِراقيَّةِ، الّتي بَلَغَ عَدِيْدُها، اثْنَانَ و خَمْسِيْنَ أَلفِ شَخْصٍ. مِنْهُم ثَلاثِيْنَ أَلفَاً، مِنْ أَفْرَادِ شُرطَةِ مُحافَظَةِ نِيْنَوَى، وَ هُمْ أَسَاسَاً مِنْ أَبنَاءِ تلْكَ المُحافَظَة. أَخَذَتْ الإِشَاراتُ تَرِدُ، عَن طَريْقِ وَسِائِلِ الاعْلَامِ، بِأَنَّ المَوْقِفَ الأَمنِيّ، لَيْسَ مُريْحَاً فِي المَوصِل. وَ فِي نَفْسِ الَّليلَةِ نَشَرَتْ وَسَائِلُ الإِعْلامِ، صُوَراً لمُحَافِظِ نِيْنَوَى (أَثيل النجيفي)، وَ هو مُتَواجِدٌ مَعَ حِمَايَتِهِ، فِي أَحَدِ شَوارِعِ المَوصِل. وَ كَانَ المُحَافِظُ فِي هَذهِ الجَوّْلَةِ، يَحمِلُ بيَدِهِ اليُمْنى بُندَقِيَّةَ كلاشِنْكوف، تَعْبِيْراً عَنْ دِفَاعِهِ عَنْ المَدِيْنَة.

فِي صَبيْحَةِ يَوّْمِ 10/6/ 2014، تَوارَدَتْ الأَنبَاءُ عَنْ انْسِحابٍ، غَيّْرِ مُنظَّمٍ للقُوَّاتِ العَسْكَريَّةِ، المَسْؤولَةِ عَنْ الدِّفَاعِ عَنْ مَدينَةِ المَوصِلْ. و تَناقَلَتْ الوَسَائِلُ الإِخبَاريَّةُ، إِنَّ سَبَبَ تَراجُعِ القُوَّاتِ العراقيَّةِ، تَعرُضِها لِهُجومٍ، قَامَتْ بهِ عَناصِرُ دَاعِشٍ الارهَابيَّةِ، يَتراوَحُ عَدَدُهُمْ بَيّْنَ 300 إِلى 400 مُسَلَّح.

كمَا ذَكَرَتْ الأَخبَارُ، هُروْبَ الفَريقِ أَوّلِ رُكْنٍ عبود كنبر/ قائدُ عَملياتِ بَغدادَ، و الفَريقِ أَوّلِ رُكْنٍ علي غيدان/ قائدُ القُوَّةِ البريَّةِ. و الفريقِ الرُكنِ مهدي الغَرَّاوي/قائدُ الفرقَةِ الثالثَةِ، شُرطَةٍ اتحاديَّةٍ، (لا زالَتْ الأَخبَارُ لِحَدِّ الآنَ، تَتَضَارَبُ حَوّْلَ مَوقِفِ الغَرَّاوي). و اللواءِ خالد الحمداني، مديرُ شُرطةِ محافظَةِ نِينَوى. بعدما خلعوا ملابسهم العسكرية، و ارتدوا ملابسَ مَدنِيَّةً، و تركوا كلَّ القُوَّاتِ الّتي كانوا مسؤولينَ عنها، فِي حالَةِ إِربَاكٍ شَدِيد. كما أَنَّ محافظَ نِينَوى (أَثيل النجيفي) هو الآخرُ، فَرَّ هارباً من السَّاحةِ، بعدَ استعراضَهِ الخَائِب، آنفِ الذِّكر.
تُرِكَتْ الأَسلحةُ و المعداتُ الثقيلة، و الاعتِدَةُ في المعسكرات، و أَصبَحَتْ مِن حِصَّةِ الأَكراد، الّذينَ تعامَلوا مَعَها، و كأَنَّها غَنَائِمُ حَربٍ. إِنَّ ذلكَ لَمْ يَكُنْ انْسِحَاباً، مُقَابِلَ هُجومٍ عَسكريّ، إِنَّها كانَتْ مُؤامَرةَ تَخاذُلٍ، مِن قِبَلِ المجمُوعَةِ المَذكُورَة. هذهِ المُؤامَرةُ حاكَتها، إِدارةُ إِقليْمِ كُردِستانَ، و تَعاوَنَ مَعها المُتخَاذِلونَ. وَ قَدّْ قَامَ عناصرِ الفِرقَةِ الثَّانيَةِ/ وزارةِ الدِّفاع، و الّتي يُشكِّلُ فيها الأَكرادُ نِسبةَ (80%) من تِعدادِ أَفرادِها، بتنّفيذِ خُطَّةِ المُؤامَرة.

بَعدَ نَشرِ خَبَرِ هُروبِ القَادَةِ الخَونَةِ، سَيْطَرَ تأثيرُ الإِشَاعَاتِ الصَّفراءِ، (المُعَدَّةِ سَلَفاً)، على نَفسيّاتِ مُنتَسبي الفِرقَةِ الثَّانيَةِ، مِن غَيّرِ الأَكرادِ. فَقَامَ المَسؤولونَ الأَكرادِ فِي هذهِ الفِرقَةِ، بأَخْذِ أَسلِحَةِ الأشخاصِ المُرتَبِكينَ، مِن الضُبَّاطِ و الجُنودِ، و قامُوا بأعطَاءِ (دشداشة) لكُلِّ واحدٍ مِنهُم ، بَعدَ ذلك يُرَحِلُوهُم الى أَربيْل، حيّثُ تَتَقَطَّعُ بِهِم السُبُلُ، فَلا يَستَطيْعونَ الوصُولَ الى بَغدَاد، خَوّفاً على سَلامَتِهم.

مِن جَانَبٍ آخرَ، تَحَرَكَتْ قُوَّاتُ البيشمَركه، و استقرَّتْ في المنَاطِقِ المتَنازَعِ عليها، فِي كَركوكَ و الموصِلَ، بعدَما انْسَحَبَتْ مِنها القُوَّاتُ العِراقيَّةُ، لِتَعزيزِ المَوقِفِ فِي نِينَوى. لقدّ وَضَعَتْ القوّاتُ الكرديّةُ هذهِ المناطِقَ تحتَ سَيْطرتِها، للبَدءِ بعَملِيَّةِ مُسُاوَمَةٍ عَليّها، فِيمَا بَعّْدُ، إِقراراً بمَبْدَأ فَرضِ مُتَطَلبَاتِ الأَمْرِ الواقِعِ، على الحُكومَةِ المركزِيَّةِ.

و الخُطوَةُ التَّاليَةُ، ستَكونُ إِعلانُ استِقلالَ إِقليْمِ كُردُستَانَ، عندَمَا تَنتَشِرُ عِصَاباتِ دَاعِشٍ جَنُوبَاً، باتِّجاهِ بَغدَاد. حيّثُ سَتَحدِثُ فُوْضَى فِي البِلادِ، و تَسْقُطُ الحُكومَةُ المَركزيَّةُ الحاليَّة. و عِنّْدَ قِدُومِ أَيَّةِ حُكومَةٍ أُخْرى، فَإِنَّ وَضْعَ إِقلِيمِ كُردُستَانَ، سَيكونُ مِن مُسلَّماتِ الأَمرِ الواقِع.

و تزامُناً مع هذهِ الأحداثِ، ذَكرَتْ المصَادِرُ، أَنَّ قوّاتَ البَيشْمَركه، دَخَلَتْ الموصِلَ لِتَنقُلَ الخَوَنَةِ العَسكَريّْينَ، و مَعَهُمْ (أَثيل النجيفي، الّذي هَرَّبَ معهُ، مَبلَغَ خمسينَ مِليونَ دُولارٍ)، الى مُحافَظَةِ أَربيْل. و قَدّْ تَأَكَدَ ذلكَ، مِن خِلالِ المُؤتَمَرِ الصَّحَفِيّ، الّذي عَقَدَهُ المُحَافِظُ المهْزُومُ، فِي أَربيْلَ يوم 11/6/2014. أَدَّتْ هذهِ المُؤامَرةُ الخَسيْسَةُ، الى سَيطَرةِ أَفرادِ عِصاباتِ داعشٍ، على أَجزاءٍ

مِن مَدينَةِ الموصِلَ، و تَمكَنُوا مِنَ الوصُولِ الى السُّجُونِ فيها، و إِطْلاقِ سَراحِ الإِرهابيّْينَ و بَقِيَّةِ المُعتَقَلينَ فيها.
فِي يَوّْمِ 10/6/2014، قَدَّمَ رَئيْسُ الحُكومَةُ نُوْري المَالِكي، مَعَ رِئاسَةِ الجَمهورِيَّةِ، طَلَبَاً إِلى مَجلِسِ النُّوَّابِ العِراقِيّ، للمُوافَقَةِ على فَرضِ حَالَةِ الطَّوارئِ فِي البِلاد. و بِنَاءً عَلَيّْه، دَعَا (أُسامَةُ النجيفي)، أعضاءَ مَجلسِ النُوَّابِ، لِعَقّْدِ جَلْسَةٍ لمجْلِسِ النُوّابِ، يَومَ الخَمِيْسِ 12/6/ 2014. لَكِنّْ لَمْ يَنعَقِدّْ المَجلِسُ، بِسَبَبِ عَدَمِ اكتِمَالِ النِّصَاب.

قَبّْلَ قُرابَةِ أُسبُوعٍ مِن هذِهِ الأَحدَاثِ، زارَ (أُسامَةُ النجيفي) تُركيَا، البَلَدُ الحَليّْفُ لإِقلِيْمِ كُردِسْتَان. فَتُركيَا تَنظُرُ إِلى كُردِسْتَانَ، على أَنَّهُ الدَّجَاجَةُ الّتي تَبِيْضُ ذَهَبَاً، ولا أَحَدَ غَيّرِ تُركيَا، سَيَربَحُ هذا الذَّهبَ، لاعتباراتٍ جيوسِياسيَّةٍ. فَتُركيَا جَارَةٌ لكُردِستَانَ، و هِيَ مِن أَوَّلِ المُستَفِيدينَ، مِنَ النَّفطِ المُنتَجِ مِن حُقُولِ كُردِستانَ، و هيَ المَنّْفَذُ الوَحيْدُ حَالياً لِتَصدِيرِ نَفطِ كُردِستانَ، بدونِ مُوافقَةِ الحكومَةِ المَركَزيَّة.

و يَجِبُ أَنْ نَتَذَكَّرَ جيداً، تَصْرِيحَاتَ المسْؤولِيْنَ الَأمريِكيّْينْ، الّتي أَطَلَقُوهَا قَبْلَ فَتْرَةٍ قَصيْرَةٍ مِنَ الآنَ، الّتي أَكَّدُوا فِيها، على ضَرُورَةِ دَعْمِ المُعارَضَةِ السُّوريَّة. و صِفّْقَةُ تَهريْبِ السُّجَنَاءِ الإِرهَابيّْينَ، الّذينَ كَانوا فِي سُجُونِ مُحَافَظَةِ نِيْنَوَى، تُعتَبَرُ صِفْقَةَ دَعْمٍ مُمّتَازَةٍ، لِلْمُعارَضَةِ السُّوريَّةِ. فَهَلّْ حَصَلَ كلُّ ذَلكَ مُصَادَفَةً و بِدونِ عِلّْمِ أَمْريكا؟.

إِنَّ تُركيَا أَصبَحتْ بَلَداً يُؤْذِي الشَّعْبَ العِرَاقِيّ، بِسَبَبِ سِيَاسَتِها الخَاطِئَةِ مَعَه. كمَا أَنَّها تُعتَبَرُ الصَّدِيقَ الحَمَيْمَ لحُكَّامِ السَعوديَّةِ، و قَطَرَ و الإِمَارَاتِ، و دُوَلٍ خَليْجِيَّةٍ أُخْرى، الّذينَ شَكَّلُوا فَريْقَ دَعْمٍ كَبيْرٍ، للنَشَاطِ الإِرهَابِيَ فِي العِراقِ، مُنْذُ سُقُوطِ نِظَامِ البَعّثِ المَهْزُوم. انْطِلاقَاً مِنَ البُعْدِ الطَّائِفِيّ، الّذي يَحكُمُ العَقْلِيَاتِ المُتَخَلِّفَةِ لِحُكَّامِ تِلكَ الدُّوَل.

إِنَّ رَبْطَ هَذِهِ الأَحْدَاثِ، مَعَ مَا كَانَ يَجْرِي، فِي سَاحَاتِ الفِتْنَةِ فِي الأَنْبَارِ، و مَعَ مَعَارِكِ القُوَّاتِ المُسَلَحَةِ البَطَلَةِ، لِتَحريْرِ الأَنْبَارِ مِن عِصَابَاتِ دَاعِش. يُعطِيْنَا صُوْرَةً، لمُؤامَرةٍ دُوَليَّةٍ كَبيرَةٍ على العِرَاقِ، تُحَرَّكُ أَحدَاثُها مِنَ الدَّاخِلِ، بإِيْعَازٍ مِنَ الخَارِج، لِزَعْزَعَةِ الأَمْنِ الوَطَنِيّ العِرَاقِيّ.

وَ كُلَّمَا بَقِيَتْ الحُكُومَةُ العِراقِيَّةُ ضَعِيْفَةٌ، و الشَّعْبُ العِرَاقِيُّ مُقَسَّمَاً، سَيَبْقَى المِحْوَرُ الخَارِجِيُّ و المِحْوَرُ الإِقْليْميُّ، مِنَ المُتَآمِرَينِ على العِرَاقِ، وَ هُمْ مِنْ أَكبَرِ المُسْتَفِيْدِينَ، فِي ظِلِّ هذهِ الظُرُوفِ الشَّاذَّةِ، الّتي يَمُرُ بِها العِراق. و يَنبَغِي أَنّْ لا نَنْسَ، دَوّْرَ مِحْوَرِ كُلٍّ مِن أَمريْكا و إِسْرائِيْل.

فَأَمريْكا لا تُريْدُ العِرَاقَ، أَنّْ يَكُونَ صَاحِبَ إِرادَةٍ قَويَّةٍ، حَتّى لا يَنفَكَّ مِن سِيْطَرَتِها، وَ رُبَّمَا يَتَوَجَّهُ إِلى دُوَلٍ أُخْرَى، مِثْلَ رُوسْيَا وَ الصِّيْنِ وَ مَجْمُوعَةِ (آسْيَان)، لإِقامَةِ عِلاقَاتٍ اقتِصَادِيَّةٍ قَوِيَّةٍ، تَعُودُ بالفَائِدَةِ على الجَانِبَيّنِ. وَ بذَلكَ تَكوْنُ أَمْريْكا، أَكبَرَ الخَاسِريْنَ مِن هِذهِ العَمَلِيَّة.

أَمّا الكِيَانُ الإِسْرائِيْليُّ، فَإِنَّ مَصْلَحَةَ أَمْنِهِ القَوّْمِيّ، لا تَتَحَقَّقُ وَسْطَ مُحِيْطٍ عَرَبِيّ، شُعوبُهُ مُعَادِيَةٌ لَه، مَا لَمْ يَكُنْ هَذا المُحِيْطُ، ضَعِيْفَاً وَ هَزِيْلاً. وَ العِرَاقُ أَحَدُ أَهَمِّ، دُوَلِ المُحِيْطِ العَرَبِيّ. وَ إِسْرائِيْلُ تُرِيْدُ أَنْ يَكُونَ العِرَاقُ، فِي حَالَةِ ضَعْفٍ مُسْتَمِر.

أَمّا مِنَ الدَّاخِلِ، فَمِنْ مَصْلَحَةِ الأَكْرَادِ، بَقَاءُ الحُكُومَةِ المَركَزيَّةِ، مَهزُوْزَةً وَ ضَعِيْفَةً، حتّى يَسْتَطيْعُوا إِكمَالَ تَحْقِيْقِ، حِلْمِ الدَّوْلَةِ الكُردِيَّةِ المُسْتَقِلَّة. وَ كذَلكَ مِنْ مَصْلَحَةِ المُتَشَدِّدِيْنَ السُنَّةِ، المُرتَبَطِيْنَ بالمشْرُوعِ التُركِيّ السَعُودِيّ، وَ بَعْضِ دُوَلِ الخَلِيْجِ، إِبقَاءُ العِرَاقِ مُمَزَّقَاً وَ وَاهِنَاً، لأَسْبَابٍ تَتَعَلَّقُ بِهَوَاجِسَ طَائِفَيَّةٍ، مُتَخَوِّفَةٍ مِنَ الوُجُوْدِ الشِّيْعِيّ فِي العِرَاق.

إِنَّ الخَسَارَةَ فِي الحُروْبِ، لَيْسَتْ أَمْراً غَيّْرَ وَارِدٍ، فَالكَثيرُ مِنْ الدُّوَلِ، خَسِرَتْ بَعْضَ المَعَارِكِ، لَكِنَّهَا حَوَّلَتّْ الخَسَارَةَ إِلى انْتِصَارٍ، عَنْ طَرِيْقِ تَحلِيْلِ مُسَبِبَاتِ الخَسَارَةِ، وَ تَدَارُكِ عَنَاصِرِ الضَّعْفِ، فِي بُنْيَةِ نِظَامِ المَعْرَكَةِ وَ تَكْتِيْكَاتِهَا.

للمَوْضُوعِ تَكْمِلَةٌ فِي الحَلْقَةِ القَادِمَةِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَ الّتي سَأُنَاقِشُ فِيْهَا الأُسُسَ، الّتي يَنْبَغِي عَلى الحُكُومَةِ المَركَزِيَّةِ، الانْتِبَاهُ إِليّْها، لِبِنَاءِ حُكُومَةٍ فَاعِلَةٍ، تُعَزِّزُ وجُوْدَ دَوّْلَةٍ قَوِيَّة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات