18 ديسمبر، 2024 7:43 م

قوالب تحتاج تفكيك:
ما يدعو إليه الداعون اليوم في بلداننا محض قوالب فكرية مستوردة من تاريخنا أو تاريخ أمم غيرنا، لا تتناسب وواقعنا ليلبسها لبوس الإصلاح، فتاريخنا اضحى قالبا لا يسعنا، بل علينا أن نجد من الأصل منهجا لمعالجة زماننا، وفكرة استئناف الحياة فكرة عقيمة فالناس غير الناس والزمن يتحرك فهذا الزمان غير ذاك الزمان؛ فلابد من قراءة جديدة لعصر جديد، وهذا امر مهم التفكير به بدل الاختلاف لجعل الراي بالإصلاح وتحويل العجز إلى صراع باسم الدين أو التمدن والثيوقراطية العلمانية التي باتت موضع تقديس وتكفير للمخالف أيضا وكلها شعارات بلا محتوى، فنحن نرى علمانيون متعصبون للعلمانية رغم أنها ليست منزّلة كفكرة لتكون حجة لمن يزعم انه معتقد بها اعتقادا “ثابتا وراسخا”، وغالبا ما يتوجه علمانيو منطقتنا بالحديث عن الإسلام بالذات بصيغة عدائية من خلال عدم تمييزهم بين الطرح ومن يطرح، وضعف إقبالهم على القراءة، وترسيخ انطباعات كالشعارات أضحت وكأنها أقوال مقدسة لا تقبل المراجعة.
ما ذكر أعلاه ليس إلا نموذجا من الإخفاقات التي تأخذ شكل العصبية والتقديس وأحيانا كثيرة من أناس يزعمون انهم ضد العصبية والتقديس، لكن يبقون يرددون نفس الكلام ويهربون بطرق شتى من قبول اختراق انطباعهم الذي يظنون انه ثبات على مبدأ أو إيمان.
مصطلح سطحي
لقد اصطلح الناس على الثيوقراطية أنها الحكم بالدين، وهذا إسقاط لتاريخ الغرب عندما حكم رجال الدين باسم الدين، وكانوا يحكمون ويفتون برأيهم ويعتبرونه مقدسا، في حين أن الدين المسيحي ليس به شريعة أو أحكام لكن ما يقدمونه راي بشري اعتبر مقدسا بحكم قدسية تمثيلهم لكنيسة تعتبر مقدسة كمنظومة، فضاقت الناس بهذا وثارت لتفصل الحكم بالدين (والحقيقة انه حكم باسم الدين) عن الحياة والسلطة وإدارة الدول، وكان لهذا انعكاس كبير على التفكك المجتمعي عبر رد الفعل الأخلاقي الذي يرفض أي فكرة لتقييد أي شيء يشعر أو يسلكه البشر ، وحتى القوانين التي لها سيادة في الغرب الديمقراطي تقاوم المستحدث إلى أن يضطر المشرع ليعتبره من ضمن المقبول قانونيا كالمثلية مثلا بل يعتبر مقاومتها نوع من الاعتداء على حقوق الإنسان.
الإسلام ليس ثيوقراطيا
إن الحكم بالدولة هو حكم مدني والسياسة آلية إدارية مدنية لا مقدسات ولا هالات لأشخاص تحت أي مسمى، كل امر في الحياة والإدارة قابلا للنقد والتصويب فهو اجتهاد لبشر بما يحل مشاكل عصر ما، واجتهاد البشر قابل للنقد والتصحيح سواء كان من الإسلام أو من غيره ولا قدسية لمن يسمون رجال الدين فلا رجال دين في الاسلام.
إن تقديس الأشخاص وإضافة هالات حولهم هي ثيوقراطية حتى لو كان هؤلاء الأشخاص حكاما ملحدين أو لا علاقة لهم بالدين، وان تقديس أي راي هو ثيوقراطية تقود للجمود والظلم والتخلف حتى لو كانت من أناس يزعمون التحرر والعلمانية أو اللبرالية، ونحن نرى طغاة ومستبدين يؤلهون أنفسهم ويتدخلون في معتقدات شعوبهم وتفاصيلها، بل هنالك في الغرب نفسه من يفعل ذلك باسم العلمانية ويعتبره شرعي وهو بشر، ولا يقبل أن يفعل بعض الشيء تجاه ما يعتقد من غيره.
لذا تقديس أي فكرة أو راي هو ثيوقراطية حينما تعتبر رأيك الصواب يقارب التقديس أو موقفك أصيل لا يتغير ولا يطرأ عليه تبديل.
أين الصواب
كأمة تريد النهوض؛ تجعل تنوعها أمرا إيجابيا لإنتاج فكر النهضة المتصالح مع الحياة والذي يرتقي بواقعنا من الحالة السلبية والصراعات إلى الاتحاد والعمل الإيجابي يشارك في صناعة المدنية ولا يبقى عالة على الأمم متمسكا بخلافات وبأفكار عقيمة لا تثمر ونصنع تاريخنا وليس نسقط تاريخ أمم أخرى أو نستورد سلبيات وخلافات التاريخ.
لابد من أن يكون دور الوعاظ ورجال الديانات على متعدد معتقداتهم إيجابيون بنشر التآلف ولي اجترار الاختلاف، أو الشحن والتحريض، فهذا أيضا رايا بشريا ثيوقراطيا وليس من الدين أو ممن يقوم بواجب إصلاحي وعليهم إعانة الناس بتحرير تفكير الناس ليستطيعوا العيش في التعددية بوئام وسلام ويكونون بيئة للعمران وليس للتطاحن الظاهر والمخفي.
خلاصة:
الثيوقراطية هي التعصب لراي بشري سواء بالتقليد والجمود أو باسم الدين، أو بالتبني باعتباره أيمانا راسخا لا جدل فيه فهو تقديس غير المقدس وان كان من ملحد.
وان جهدا مطلوبا من الجميع للإصلاح بعيدا عن الرعوية سواء كانت دينية أو حزبية من كل ما يؤسس أو يبرر التشظي وينظر للخلاف.