23 ديسمبر، 2024 9:30 ص

الثورة لايصنعها العبيد

الثورة لايصنعها العبيد

)متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا(، قول اختلف المسلمون منذ قديم زمانهم بقائله فمريدوا الفاروق عمر بن الخطاب(رض) نسبوه اليه ونسجوا قصة لاسناده ومريدوا الامام علي بن ابي طالب (ع) نسبوه اليه ونسجوا كذلك مايسنده وعلي وعمر نوران للاسلام الذي نعيشه اليوم بمحاسنه ومساوءه.. وليس مهما من قال منهماهذا الكلام البليغ بقدر مايهمنا جميعا المقصد منه وهو ان حرية الانسان هي الفطرة التي خلق بها وجبل عليها وانها ليست حقا له بل واجب ايضا عليه ان يحتفظ بها وان يدافع عنها فخلاف الحر هو العبد وخلاف الحرية هي العبودية وليس من فسحة بينهما..فاما ان تعيش حرا او تموت عبدا لاغير.. الامام الحسين(ع) اختار ان يموت حرا بدل ان يعيش عبدا.. الحسين ثار حين وجد ان عليه ان لا يطيع حاكما ظالما وفاسدا .. الحسين خرج من عرينه في المدينه متوسما ان يتبعه المسلمون الاحرار الذين يؤمنون انك ان رايت منكرا فعليك ان تغيره..

الثورة اذن لن يقوم بها سوى الاحرار الذين يسعون الى التغيير مقدمين ارواحهم ودمائهم من اجل حريتهم وليس العبيدا الذين ينتظرون الفرج وهم نيام في بيوتهم .. وللاسف فان الاحرار الذين بقوا في العراق قلة قليلة بعد ان غيب الفقر والخوف والمعتقلات والهجرة الواسعة الكثير منهم.. وهذه القلة التي صمدت وواضبت بشرف على الخروج ايام الجمعات لم تجد من يناصرها فبحت اصواتها وذهبت نداءاتها ادراج الرياح وهي تطالب بالكهرباء وبالخدمات واقالة فلان وتفويض فلان فاضاعت خطاها وتاهت عن اهدافها فكانها تعتقد ان الكهرباء والخدمات حلوى وضعها العبادي في جيبه وبامكانه ان يوزعها على العباد متى شاء، او كان العبادي سيصحو يوما ما ويفتح (سويج الكهرباء) فتضاء الشوارع وتشتغل ثلاجات البيوت، وبعض القلة التي تهتم بالثقافة والفن تخرج متظاهرة مطالبة بمنحة المليون دينار التي تم ايقافها عنهم وكأن هذا المليون الملعون سيحل مشاكلهم ويمنحهم ويمنح الشعب الذي يفترض انهم مبدعيه حياة حرة كريمة..

وقلة الاحرار ايضا لاتريد احدا يقودها لان الثقة قد انعدمت في مجتمع تم تجهيل المرأة الام فلم تعد مثالا للحب والوفاء والامانة فيه وتمت اهانة المعلم الذي كان يكاد ان يكون رسولا فيما مضى فلم يعد قدوة لتلاميذه، يتعلمون منه حب الوطن والشرف والوفاء والصدق والموقف، فساد الاحساس لدى الجميع ان من سيقود الثورة سيكون حتما حوتا اخر من حيتان الفساد..او لاننا في الاساس كما وصفنا الشاعر العراقي النجفي علي الشرقي( قومي كلهم رؤوس.. ارايت مزرعة البصل؟؟)..

فكيف اذن تصنع الثورة، اذا كان العبيد راضون بما كتب الله لهم، فتراهم يكتبون على عربات النفط التي تجرها الخيول او الحمير وهم يدورون بها على البيوت في القيظ وفي البرد وكذلك عربات الحمل في الشورجة وفي جميلة ( لئن شكرتم لازيدنكم) او ( هذا من فضل ربي)..

العبيد الملايين التي تسير حفاة متحدية البرد او الحر، الجوع او العطش، المرض او الاجهاد من البصرة وميسان والكوت و..و.. الى كربلاء.. زحفا وركضا ولطما وبكاءا وعويلا لنيل الثواب الذي لن ياتي من الله الا بالعمل الصالح وبالايمان القوي والا برفض المنكر.. (فمن راى منكم منكرا فليغيره بيده).. هذه الملايين التي اغفلت او جرى تجهيلها ان الحسين (ع)لايشرفه ولايزيده فخرا ان يتبعه العبيد البكاؤون او اللطامون بقدر ما يريد الاحرار الثوار الذين على دربه هم سائرون.. ماذا يصنع الحسين ببكائهم؟.. استزيد سعادته وهو سيد شباب اهل الجنة.. هل سيفخر امام من هم الى جانبه في جنة الخلد من انبياء ورسل وصالحين ويقول لهم: ها ارايتم هل من احد بكى عليكم سواء كنت انبياء او مرسلين؟.. هل سيزداد غرورا ويقول لابيه علي بن ابي طالب (ع) يا ابتي ذهبت بيعتك سدى وتناسى الناس نهج بلاغتك وها هم سائرون الي من كل حدب وصوب ؟.. هل سيعيب على الحسن انه هادن نوعا ما وتنازل عن خلافته لمعاوية؟.. هل سيطل من على اسوار الجنة على النار المستعرة ليقول ليزيد: ها ارايت من كان منا على حق؟؟..ام انه ستباهى امام حور العين التي تحيط به؟ ام انه سيغرف من انهار الخمر التي تجري حوله ويشرب حتى ينتشي وهو يستمع لاصوات اللطم ولبكاء

العبيد وزنجيل الاولين..اتظنون الحسين بهذه السفاهة التي تصورونها.. انه لحزين جدا ومكتئب لرؤية الظالين وهم يتدافعون اليه طلبا لشيء ليس في يده (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ؟)..

والثورة ايضا لها دوافعها.. (الظلم والجوع والرغبه في الحياة الكريمة).. وحين وجد الحسين(ع) ان شرطا واحدا يكفي للقيام بالثورة لم ينتظر ولم يتردد رغم كثرة الذين اشاروا اليه بالسكون والهدوء.. وحين خير بين حياة امنة في ظل الظلم والفساد وبين الموت اختار دون تردد او حتى لحظات للتفكير الموت بشرف وبايمان بالله وبالحق..طلبوا منه كلمة فقط ليمضي بسلام ولكنه ابى ان يعطيها اعطاء الذليل..فمات حرا ولكنه لم يمت فالخلود هبة من الله لا تمنح لاي كان..

والثورة ايضا لها شرارتها ففي تونس مثلا اندلعت الثورة تضامنًا مع الشاب (محمد البوعزيزي) الذي قام بإضرام النار في جسده تعبيرًا عن غضبه بسبب سوء اوضاعه المعيشية ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبل الشرطة، اذ هبت الجماهير في نفس اليوم 17/12/2010 ولم تنتظر ولم تسال ولم ترجوا ليبدأ من هناك ما سمي بالربيع العربي الذي امتد نسيمه فيما بعد الى مصر وغيرها قبل ان تحتضن الصهيونية واميركا هذا الربيع وتحوله الى جحيم مستعر..

اذا لنسال الان انفسنا نحن العراقيون.. الم تتحقق شروط الثورة بعد؟؟؟.. اليس الفساد والظلم والجوع هي سمات حياتنا المهينة اليومية؟..ام اننا لانحلم بحياة حرة كريمة؟؟..وايضا.. الم تتحق شرارة الثورة بعد؟…اعتقد انه سؤال في غير محله.. فالتفجيرات الطائفية قد حولتنا الى شظايا متناثرة هنا وهناك ودماؤنا ملات المجاري وطفحت بها وساحت الى دجلة والفرات.. شباب وشيب واطفال ونساء خطفوا واستبيحت اعراضنا ورميت الجثث في المزابل باكياس او بدون اكياس نفايات.. الم يتم اغتيال هادي المهدي احد قادة المظاهرات قبل اربعة اعوام، الم يختطف جلال الشحماني ابرز الناشطين في الحراك الحالي واخرين ايضا؟.. الم تسرق ثرواتنا واحلامنا واحلام اطفالنا؟.. الم تهان كرامتنا بعد ان تسيدنا العملاء والاغبياء والرعاع من الميليشيات والجيوش التي تعددت اسماؤها وميولها وولاءاتها الخارجية، وهجر الناس من بيوتهم وسلخوا عن ذكرياتهم؟.. ام اننا بحاجة الى كارثة ما بعدها كارثة كي نفهم ان شرط الثورة قائم؟؟ وحينها سيكون الاوان قد مضى ولن ينفعنا الندم وعض الاصابع..

والثورة ايضا لها قادتها ورموزها، والمثل القريب لذلك عبد الناصر حين اطاح بالملكية وبنى مصر التى اعادها الى الحياة مرة اخرى السيسي رجل الدولة والقائد الذي احبه شعبه لانه اقترب من احلامه وطموحه ونبض قلبه ووقع خطواته نحو حياة امنة كريمة..

اما في العراق فبسبب انعدام الثقة بين افراد المجتمع وبسبب الفساد الذي اصبح سلوكا شعبيا جماهيريا يوميا قبل ان يكون سلوكا سياسيا، وبسبب تنوع الاهداف وعدم توحدها وتنوع الولاءات لم تجد قلة الاحرار مخرجا لحركتها سوى ان تضع ثقتها برجل تغافل المتظاهرون عن كونه في الاساس جزءا مهما من الفساد وشريكا فاعلا في الخيانة والعمالة ومرتشي حاله حال الاخرين، الا ان طموح الثوار وظنهم انما هم يدفعونه لانقاذ نفسه وانقاذ الشعب، دفعهم لتفويضه عنهم للقيام بثورة الاصلاح الحسينية واعادة البلاد الى المسار الصحيح، ولكن ليس بامكان العبد الذي باع نفسه للاجنبي ان يكون حرا يوما ما، ثم اتضح فيما بعد ان من فوضه الاحراركان رجلا لايحرك ساكنا ولايسكن متحركا، سياسيا غبيا لايعرف ماذا تعني الفرص في حياة الشعوب ولايعرف كيف يقتنص الفرص التي تشكل لحظة فارقة في تاريخ الامم، فاضاع فرصة لم تسنح لاي قائد في التاريخ حتى الانبياء والمرسلين لم يجدوا في وقتهم ملايين هادرة ضائعه تصفق لهم وتؤيدهم وتمنحهم قوة ما بعدها قوة، الا ان القدر وحظ العراقيين العاثر والزمن الاغبر الذي اتى بهؤلاء الصغار لسدة الحكم جعل من هدير الملايين موج بحرهاج وارتطم بالصخور وعاد خجلا من نفسه ولم يجد لسيوله فسحة اخرى ليقتحم منها قلاع المفسدين..

مازال الحسين (ع) بانتظار ان يسير على دربه الاحرار وليس العبيد اللطامون البكاؤون الشاكون سوء احوالهم بانتظار فرج ياتي من الغيب..