لا يخفى أن الثورة المعلوماتية ، قد أتت بفوائد لا تُعد ولا تُحصى ، فعدا تطور تقنيات الإتصال المذهلة ، هنالك خدمات متاحة كثيرة للمواطن تخص حياته اليومية ، كدفع فواتير الماء والكهرباء ، ومراقبة نظامه الضرائبي ، وتنظيم القروض المصرفية وغيرها من الخدمات ، بل إن الكثير من الشركات ، تشجع الموظف على أداء عمله في المنزل للتخفيف من الزحامات المرورية التي قد يساهم في تفاقمها عند ذهابه لمقر عمله ، وهذه التسهيلات متوفرة في جميع الدول ، ومنذ مدة طويلة ، إلا نحن ، فالتخلف وضعف إدراك هذه الفوائد من قبل جميع دوائرنا الرسمية هو سيدة الموقف ، لأن كوادر هذه الدوائر غير مؤهلة ، بل غير مؤمنة بهذه التسهيلات ، لذلك لا نزال نتداول الملفات الممزقة والعفنة عفونة العقول الإدارية لدينا ، وغير المنظمة ولا مفهرسة ، ليدفع المواطن ثمن هذه العشوائية والإهمال .
دخلت خطوط إتصال الإنترنيت الكثير من الدوائر ، لكنها تحوّلت إلى نقمة على رأس المواطن ، فعلى سبيل المثال ، هنالك دوائر الجوازات ، حيث ينتظر المواطن ساعات طويلة ، وأحيانا لأيام ، بحجة ضعف خط إتصال الإنترنيت ، ونفس الشيء دوائر المرور ، خصوصا ما يسمى (البصمة) ، التي قد تكلف المواطن لأيام ، كما هو الحال في مديرية مرور الحسينية ، ولو بقي الحال على أيام الأوراق ، كان ذلك أفضل ! ، بل أتفاجأ في كثير من المرات ، عدم إلغاء الغرامة رغم دفعي إياها ، وأعيد دفعها عند تجديد سنوية السيارة !.
أما المصارف ، فحدّث ولا حرج ، فلا يمكن للمواطن الحصول على مجرد إجابة لتساؤل ، من ناحية السلف والقروض ، بل إن مواقعها الإلكترونية تحوي معلومات مغلوطة وغير محدّثة ، فعلى سبيل المثال ، موقع مصرف الرشيد الذي يدعي إمكانية إطلاق سلف المتقاعدين ، لكن عند مراجعتهم ، يطالبونك بجبال من الشروط التعجيزية ، ورغم ذلك تتفاجأ ، من إن سلف المتقاعدين قد توقفت !.
في الكثير من الأحيان ، تتوقف منظومة البطاقة الذكية عن العمل بسبب ضعف خط الإنترنيت ، والله يعلم متى نعمل بنظام (ATM) الآلي لصرف النقود ، والتي دخلت الخدمة منذ عشرات السنين في كل دول العالم ، لكني أعترف أن لخوفهم من إنشاء هذا النظام ما يبرره ، فستتعرض حتما جميعها إلى السطو من قبل جماعات يرتدون الزي العسكري أو رجال الأمن ! ، مصارفنا لم تصدر لحد الآن بطاقات أئتمانية يمكن الإعتماد عليها لغرض التسوّق مثلا ، وخدمات البريد لدينا لا تزال متخلفة وبطيئة . ولا يوجد بريد حكومي لديه خدمات توصيل للمنزل (Home delivery) .
أكثر من نصف المرات التي استخدم فيها الهاتف النقال ، أتفاجأ بقطع الإتصال في الثواني الأولى ، وأضطر للإتصال ثانية وثالثة ورابعة ! ، هكذا تجني شركات النقال ملايين الدولارات يوميا ، برأسي ورأسك ! .
المثير للسخرية ، أن جميع مواقع الوزارات والبرلمان والمؤسسات الكبيرة لدينا ، تتعرض يوميا إلى مئات الهجمات الإلكترونية ، رغم المبالغ الهائلة المرصودة لإنشاء هذه المواقع ، وتلجأ في كثير من الأحيان ، إلى إنشاء حساب (Gmail) أو (Yahoo) كبريد إلكتروني لهيئات الكثير من الوزارات أو الشخصيات الرسمية ! ، ونحن نعرف أن هذه الأنواع من البريد الإلكتروني ، أنواع مجانية وقابلة للإختراق ، فلكل شيء ثمنه .
من هنا نلاحظ ان ثقافة الإستخفاف بالمواطن وإهمال مشاكله ، ثقافة متجذرة في عقلية الموظف الرسمي ، وتغض الطرف إلى درجة العمى الكلي عن كل ما يسهّل حياته ، وبدلا من ذلك ، لا تنظر إليه إلا كبقرة حلوب ، فأثقلته بالضرائب ، كان آخرها ما يسمى ضريبة الطرق والجسور في مديرية المرور العامة والبالغة 60 ألف دينار ، ونُفّذ بعد يومان فقط من إقراره ، عدا قائمة طويلة من الرسوم وصناديق الدعم ! ، ولوكان ثمة قرار لصالح المواطن ، لدخل في متاهات وجبال من المماطلة والبيروقراطيات ، هذه الضريبة الجديدة هي بدل إستخدام السائق للطرق والجسور ، الطرق والجسور المتهالكة والمليئة بالحفر والمظلمة ليلا ، وهي تئن من الزحامات المرورية غير المبررة ، لأنها نتاج خطط أمنية متخلفة !، عدا أسعار الوقود والكهرباء المرتفعة ، دولة تثقلنا بالضرائب من كل جانب ، وكأن مدخولاتنا الأعلى في العالم !