17 نوفمبر، 2024 10:41 م
Search
Close this search box.

الثورة المصرية .. قراءة وتحليل على ضوء خطاب المرجعية الرشيدة

الثورة المصرية .. قراءة وتحليل على ضوء خطاب المرجعية الرشيدة

القت الأحداث الأخيرة في مصر الكنانة بظلالها وأصدائها على أرجاء الساحة العربية لغطا واسعا كونها شكلت انعطافة تاريخية لمصر دولة وشعبا وعلى جميع المستويات خصوصا السياسية والاجتماعية والفكرية .
وبعد الانهيار الكبير للتيار الإسلامي الاخواني الذي تمكن من القبض على السلطة بعد أشهر من زوال حكم مبارك وذلك عقب أول انتخابات رئاسية شهدتها الساحة المصرية في مرحلة ما بعد التغيير فأن العديد من الأسئلة والخيارات سوف تكون مفتوحة للتعامل مع ظاهرة الصعود السريع والسقوط المريع للإخوان المسلمين والتي تحتاج إلى دراسات مستفيضة من قبل ذوي الشأن لمراجعة الأحداث وتصاعدها في مشهد درامي ربما لا يستطيع الكثير من فك لغز سيناريوهاته الغريبة .
وفي خطابه الموسوم ( ثورة الشعب المصري وتفسير أمير المؤمنين “ع”) يفاجئنا سماحة المرجع اليعقوبي بدقة التحليل والتشخيص لما تعرضت له مصر من زلزال شعبي اسقط الحكم الاخواني إلى غير رجعة .
وفي مقدمة الخطاب المرجعي يستحضر سماحة الشيخ المرجع “التاريخ الإسلامي” ليستحضر أحدى أدق مفاصل مسيرة الإسلام والحكومة الإسلامية بعد رحيل الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) من خلال تشخيص الإمام علي (ع) للأسباب التي أدت إلى مقتل الخليفة عثمان على يد الجماهير المنتفضة الغاضبة على  عثمان وبنو أبيه وعشيرته الذي استأثروا بالسلطة والخيرات ومقدرات المسلمين واستبدوا من خلال إيذاء المؤمنين والتعرض إلى رموز الصحابة بمختلف أصناف التعذيب والترهيب ليبلغ الجزع بالأمة مبلغاً لم يعد احد قادرا على أثره من ردع المنتفضين والوقوف بوجههم مع استمرار سياسة المماطلة والتسويف من قبل الخليفة وزمرته.
ثم يعرج سماحة المرجع علىالهوى.شرقة ووضاءة من صفحات تاريخنا الإسلامي وهي ما خطه يراع أمير المؤمنين علي (ع) من عهد لعامله على مصر مالك الاشتر والتي شكلت وثيقة دستورية علوية لبيان معالم الحكومة الإسلامية وفق ما أسست له الشريعة الإلهية والسيرة النبوية والتي أسست للوظائف الرئيسية للحاكم اتجاه رعيته وتلخصت بالاتي :
1- الشح بالنفس وكبح جمح الهوى .
2- أشعار الرعية (الشعب) بالمحبة والرحمة والعطف .
3- عدم التسلط بالقوة على الأمة (الشعب) ومقدراتها .
4- أنصاف الحاكم للشعب من نفسه ومن خاصته ( حزبه – عشيرته – كتلته ) .
 
ثم يبين المرجع اليعقوبي أن ثورة الشعب المصري جاءت بعد أن تخلف الرئيس المعزول عن مراعاة هذه المبادئ الأربعة المنصوص عليها في عهد علي (ع) وهو ما عبر عنه الشعب المصري بشعاراته واحتجاجاته لينتفض بعد مماطلة واستكبار حكومته ويعلن رفضه لاستمرار الحكم الجائر والسلطة الناكثة لوعودها والمنقلبة على تعاليم وتوجيهات شريعتها المقدسة والنظم الأخلاقية والإنسانية في الحكم .
بيان المرجعية حفل بقراءة دقيقة نعجز عن الإلمام بمكنوناتها في هذه القراءة العاجلة للخطاب ولكننا سوف نستعرض أهم النقاط التي لفتت انتباهنا في مجمل فقرات الخطاب خصوصا ما يتعلق منها بمسيرة الحركة الإسلامية التي تعرضت لهزة قوية بفعل الممارسات المنحرفة للمتسلطين باسم الإسلام في غضون سنة واحدة من حكمهم المرير والفاشل على جميع الأصعدة .
فالمرجعية الرشيدة وبما تحمل من أمانة المشروع الرسالي فهي لم تكتفي فقط بتقديم التهاني والتحيات إلى أحرار مصر وإنما استعرضت في هذا الخطاب العديد من التفاصيل من حيث الأسباب والنتائج لفشل الحكم الاخواني وقيام الثورة الشعبية والتي كما أسلفنا يقف في مقدمتها انقلاب وتملص مرسي عن منظومة الحكم القانونية والشرعية التي تحكم العلاقة بين الحاكم والشعب ورفض استمرار الشعب لسلطة فقدت كل مقومات وجودها على سدة الحكم .
ويبين سماحة المرجع اليعقوبي أولى علامات الحكم المشؤوم لمرسي وهي تنكره لشركائه في السلطة ونكثه عهوده ووعوده للشركاء والشعب وكذلك عجزه عن حل مشاكل المصريين أو إصلاح الأوضاع الاقتصادي والخدمية البائسة بالإضافة إلى تخبطه واستبداده وأزلام حزبه بمقدرات مصر وخيراتها ومحاولة السيطرة على كل مفاصل الدولة والاستئثار بالمناصب الكبيرة والصغيرة ورسم معالم ديمقراطية صورية مزيفة تعمل على البقاء في السلطة إلى ابعد مدى زماني وهذا ما تجلى بوضوح من خلال تصريحات كبار الاخوانية بأنهم لن يسلموا السلطة قبل (80) عام في إشارة إلى عمر حزبهم ومعارضتهم المزعومة للحكومات المتعاقبة .
ويصف سماحة المرجع هذه الأفعال والتصرفات بأنها دلالة على هزالة ومخادعة الإخوان لأنفسهم قبل الآخرين حيث أن سيرتهم بالحكم والتي اتسمت بالدكتاتورية والتسلط خلال عام واحد عبرت عن ضحالة مشروعهم والذي تبين انه لا يهدف خلال عقود من معارضتهم للحكومات السابقة سوى إلى خطف الحكم والسيطرة على مقاليد السلطة والتمتع بغنائمها الدنيوية الزائلة .
ويورد سماحة المرجع دليل أخر على أسباب فشل الحكم الاخواني وذلك من خلال استعراض أهم علامات وانجازات رئاستهم خلال السنة التي حكموا فيها ، فيشير سماحة المرجع إلى أن الأخوان فشلوا على جميع الأصعدة إلا في أنجاز وحيد وهو أنهم كانوا سببا لاجتماع الشعب ووحدة موقفه بجميع فئاته للوقوف بوجههم ومطالبتهم بالرحيل عن الحكم خصوصا بعد أن أدرك المصريون إن هذا النظام المتطرف تسبب في شق الأمة المصرية عبر بث وإثارة النعرات القومية والدينية والطائفية فقد قسم الأخوان المسلمين المصريين إلى درجات واعتبروا حزبهم الأرقى جنسا ولذلك لم يكن غريبا أن ينظروا بالدونية لما سواهم من التنظيمات والتجمعات السياسية والدينية والاجتماعية إلى ابلغ بهم الاستهتار أن غذوا التطرف والإرهاب التكفيري التحريضي لتتجلى مظاهر ذلك التطرف بأبشع صورة في العملية الإرهابية البربرية الوحشية والتي استهدف فيها الشيخ حسن شحاتة وبعض رفاقه المؤمنين (رحمهم الله) على مرأى ومسمع القوات الأمنية التي وقفت متفرجة وعاجزة عن استنقاذهم من براثن الوحوش الإرهابية ثم تبث هذه المناظر الوحشية عبر الإعلام على أنها منجزات اخوانية دينية وإنسانية كبرى واهم مكتسبات حكمهم المشؤوم وزادوا الطين بلة حين صمتوا وعجزوا حتى عن استنكار هذا العمل أو ملاحقة مرتكبيه رغم تشخيصهم بوضوح بالصورة وبالصوت لتكون دماء هذا الشيخ الشهيد ورفاقه سببا رئيسيا للثورة والثوار برفض النظام الإرهابي الحاكم .
الخ. سماحة المرجع اليعقوبي الأنظار إلى موقفين مبدئيين شكلا باجتماعهما نواة التغيير في الثورة الأخيرة لشعب مصر وهما موقف الشعب الذي شخص بوعي وبصيرة وحيوية مخاطر استمرار النظام والفاسد المتطرف في إدارة شؤون الدولة المصرية وتلمسوا (إي الشعب) الخطر المحدق ببلدهم وتاريخهم ووحدتهم وأمنهم … الخ .
والموقف الآخر هو موقف المؤسسة العسكرية التي كانت واعية هي الأخرى للمسار الخاطئ في سياسات نظامها وتحوله من حالة العداء للكيان الصهيوني إلى خادم لمصالحه ومصالح ومشاريع الإدارة الأمريكية صنف على أثر ذلك بأنه (إي النظام الاخواني) ورئيس مرسي إلى أكثر الرؤساء المصريين خنوعا واستسلاما وانبطاحا للكيان الصهيوني ومشاريعه الهدامة .
ولم يتأثر موقف القوات المسلحة وقيادتها بالضغوط الأمريكية التي سعت إلى ثني الجيش عن الوقوف مع الشعب الثائر وجعله يتوقف موقف المتفرج بل إن الجيش كان صاحب الموقف الوطني الفاصل في إنهاء فترة حكم الأخوان الاستبدادي .
وفي أهم مفاصل الخطاب المرجعي يعبر سماحة المرجع اليعقوبي عن أدانته الصريحة للإخوان وحزبهم الفاشل بعد أن وجهوا طعنة نجلاء في جسد المشروع الإسلامي وحركته الرسالية بعد أن فشلوا في تقديم الإسلام على انه الحل الوحيد لقيادة الحياة وإنقاذ الناس وإدارة شؤون الأمة للبلاد والتمهيد لإقامة دولة العدالة وحقوق الإنسان .
ويعبر سماحة المرجع أيضا عن سخطه وتنديده بطغمة الأخوان التي رفعت شعار الإسلام زورا وبهتانا في سبيل التسلط والحكم وجعلت هذا الطموح هو هدفها الرئيسي ومشروعها الأساسي وهي بذلك عرضت جهود العلماء والمفكرين الذين بذلوا مدادهم ودمائهم في سبيل المشروع الإسلامي والتمهيد لإقناع الشعوب بقيادة الإسلام للحياة في كل شؤونها ، ثم يتسأل سماحته مستنكراً لجماعة الأخوان أن ” هل تستحق شهوة السلطة والحكم وسرقة المال العام على مدى سنة واحدة هذه الخسارة الإستراتيجية التي يصعب النهوض منها ؟ “
ويشير سماحته إلى إن هذه الخسارة الفادحة والانتكاسة المريرة قد تتكرر في بلدان أخرى ومنها العراق أيضا بعد أن أوجدت الأحزاب الإسلامية التي تمكنت من السلطة بشكل أو أخر حسب تعبير المرجع اليعقوبي صورة مستنسخة هي الأخرى على صعيد الفساد والتسلط وسرقة المال العام وانهيار المنظومة الاجتماعية المتماسكة بعد أن تعرضت إلى عواصف وقذائف من السياسيين الإسلاميين لنسيجها المتماسك المتآلف منذ قرون ليصبح اوهن من بيت العنكبوت في الكثير من لحظات التصعيد الطائفي والقومي .
أما نصيحة المرجع اليعقوبي لأبناء الشعب المصري وثواره على وجه الخصوص فهو أن لا يتعجلوا الأمور ليخطف ثمار ثورتهم وحراكهم الانتهازيين والوصوليين من متصيدي السلطة والساعين خلف بريقها من راكبي موجة التغيير كما حصل معهم من قبل عندما اختطف الحزب المعزول انتصار 11 شباط 2011 وهو تاريخ سقوط نظام مبارك .
ويختتم سماحته خطابه وبيانه بتنبيه أخير بان على الشعب المصري الاستفادة من الخبرات الوطنية المصرية والتي خبروا أخلاصها وكفاءتها ليضع هؤلاء أسباب السعادة والرقي في برامج تحقق النمو والازدهار لضمان حياة كريمة تقدم فيها إرادة الإنسان وتحترم كرامته أمام كل الاعتبارات الأخرى وهو ما يستحقه شعب مصر العريق الطيب المنجب .
وبهذا الاستعراض الموجز لخطاب سماحة المرجع اليعقوبي حول الثورة المصرية والذي حفل بإشارات عديدة شخصت بدقة عدد من الموضوعات التي لم يتسنى لنا إدراكها نوجز أهم محاور الخطاب بالنقاط التالية :
1-  على الحكام أن يتعضوا من تجارب غيرهم وذلك عبر مراجعة تاريخية بسيطة يتضح لهم من خلالها أن سياسة البطش والتنكيل والترهيب للشعوب سرعان ما تعطي عكس نتائجها ويكون زوال حكمهم هو المحصلة النهائية مهما طال أو قصر عمر حكوماتهم وتسلطهم .
2-  على من تصدى للقيادة والزعامة أن يستفيد من تأسيسات الشريعة الإسلامية وسيرة الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله) ومن قواعد الحكم وأصوله التي وضع لبناتها أمير المؤمنين (ع) في عهده المشهور لمالك الاشتر وجعل هذا العهد وما تضمنه قواعد للسلوك لدى الحكام وبما تضمنه من أطر حددت العلاقة بين الحاكم والشعب وفق معادلة الحقوق والواجبات المتوازنة .
3-  على الحكام أن يسعوا إلى تحقيق الشراكة الحقيقية مع أطراف العملية السياسية وعدم تهميش وإقصاء أي من الجهات الشريكة .
4-  ينبغي للأحزاب الحاكمة أن لا تجعل الاستئثار والاستبداد سيرتها وشغلها الشاغل وهدفها المنشود .
5-  أن سعي الحكام لرفاهية الشعب وإسعاده وتوفير متطلبات المعيشة الكريمة والعمل على التنمية في كافة المجالات والحفاظ على وحدة البلاد والعباد هو الضمان الوحيد للحكام لإقامة علاقة وثيقة وصادقة مع الشعوب .
6-  على شعوب المنطقة التأسي بوعي وثقافة الحرية والرفض للباطل والظلم والتي تميز بها شعب مصر وأثبت جدارته باستحقاق أن يكون في طليعة شعوب المنطقة وان نهضة الشعوب هي الرادع الوحيد لنزوات الحكام والمتسلطين.
7-  على الشعوب أن تميز بين الإسلام كمشروع الهي قائم على شريعة سمحاء وقواعد أساسية لا سبيل إلى التشويش عليها أو تزوير مفرداتها ولو أدعى داعٍ بقيمومته على المشروع الإسلامي زوراً وزيفاً .
8-  الأحزاب الإسلامية الحاكمة والمشاركة في السلطة ينبغي أن تبادر إلى استيعاب الدرس المصري وتصحيح مسارها وتقويم مسيرتها في أدارة ملف السلطة والحكم وإلا فان مصيرها لن يختلف وربما يكون أسوء من مصير الأخوان أما عاجلاً أو أجلاً .
9-  كذلك على الأحزاب الإسلامية أن تستوعب أنها برفعها شعار الإسلام فأنها تكون سلاح ذو حدين في وجه المشروع الإسلامي وان تكرار الانتكاس الاخواني في إدارة ملف السلطة سوف ينسف جهود وتضحيات بذلها علماء الإسلام ومفكريها طوال قرون عديدة لحفظ الإسلام كمشروع الهي يمثل الحل الوحيد للخلاص من الظلم والفساد لا العكس .
10- إن المرجعية الحركية الرشيدة تراقب مسيرة الأحداث بشكل تفصيلي استشعاراً منها بالخطر المحدق بالمشروع الإسلامي نتيجة المخططات والتهديدات الداخلية والخارجية المحدقة بالكيان الإسلامي وأنها لن تتوانى عن التصدي للانحراف والمنحرفين ولن تتردد في الانتصاف لطلاب الحرية والعدالة والكرامة من الشعوب المضطهدة خصوصا إذا كان الخصم والمتسبب في الظلم الجهات التي تحكم وتتسلط باسم الإسلام والعناوين الدينية البراقة من الأحزاب والتشكيلات والتيارات الإسلامية .

أحدث المقالات