23 ديسمبر، 2024 11:06 ص

الثورة الحسينية.. والمعالم الحضارية

الثورة الحسينية.. والمعالم الحضارية

يبدو ان اذهاننا انصرفت بعيدا عن المضامين العليا للثورة، التي قام بها الامام الحسين بن علي (ع).. وهذه محاولة للتذكير بالعلة الاساس للثورة ، وبالأهداف التي انطلقت لأجلها تلك الفعالية الانسانية الهادفة لتأسيس نظام حكم عادل، يحترم الانسان، ويفور له بيئة حضارية تضمن الكرامة والامان.. ومن دلائل ذلك:

اولا: ان المنطلق الاساس للثورة هو منطلق يحشد نحو (التحضر) ويعارض (التعرب) ومضاد للأعراب .. قال تعالى:

( الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .) التوبة/97-98.

ولا يستهدف القران اهانة مجموعة من البشر، اطلاقا، بل يعارض حياة (التعرب) و (البداوة).. لأنها لا تساعد في تأسيس (حضارة)..وبذلك تكون حياة (التعرب) ومن يعيشها في الجانب المضاد للمشروع الالهي..

ولا ترتبط حالة التعرب بنوعية المكان فقط، بل مجموعة انحرافات، اخلاقية.. وللتوضيح:

اولا: مكان (التعرب) يكون قليل الماء، وينتج عن ذلك انعدام مقدمات النظافة ومتطلباتها.

ثانيا: انعدام البنى التحتية للخدمات، التي تحتاجها الصورة الحضارية للسكن والمحيط.

ثالثا: قلة (التواصل الاجتماعي) والذي ينتج (القسوة) و (الوحشية)..

رابعا: الاعراب هم (البدو) في الصحراء او في مرتفعات اسيا او جبال اوربا.. وكلهم يعيشون حالة (التعرب) التي نهى عنها البيان السماوي، فضلا عن الادراك العقلي..

خامسا: الحضر هو السكن في التجمعات البشرية، ذات البنى التحتية، الخدمية، مع وفرة الماء، وبوجود نظام مجتمعي، للتعامل والتكامل..

سادسا: والتحضر مجموعة قيم ومفاهيم، وعقيدة، حاكمة على المكان، بالرغم من العلاقة المادية المتبادلة بينهما. وهذا يفسر وجود الصراع بين (ال سفيان) و (ال محمد)..

والاعراب، عموما، يضعف عندهم الادراك العقلي، الذي يحتاجه الايمان الواعي، ولذلك ذكره القران على انه (استثناء) وليس الحالة (الاصل).. لان (من) تستخدم للتبعيض.. قال تعالى: (وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التوبة/99 .

والتعرض لمفردة (الاعراب) يتعلق كثيرا بالمعالم الحضارية للثورة الحسينية.. قال الامام (ع):

اولا: ارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْرَاباً… وهم فعلا (اعراب) استنادا الى تاريخهم وكلام (ع) الامام تأكيد لذلك.

وقد يتبادر من قول الامام (ع) خلاف ذلك، لانه قال: ارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْرَاباً فَنَادَاهُ شِمْرٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ قَالَ أَقُولُ أَنَا الَّذِي أُقَاتِلُكُمْ وَ تُقَاتِلُونِّي وَ النِّسَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ فَامْنَعُوا عُتُاتَكُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِحَرَمِي مَا دُمْتُ حَيّاً..

الا ان الاحتجاج لا يتعارض مع ثبوت كون (جماعة يزيد) هم من (الاعراب).. وسلوكهم نتيجة لذلك، وان الحرب بين الطرفين هي حرب بين معسكر (التحضر الحسيني) الهادف لتصحيح مسار الحكم، وارجاعه الى النظام العادل، الذي اسسه الرسول الاكرم (ص).. ويضاده معسكر (التعرب اليزيدي) الخارج عن القيم الحضارية، والهادف لفرض (التعرب) والانحرافات..

ثانيا: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَ كُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ.. ويمكن ان نفهم من ذلك ان البيئة الحضارية، لاي مجتمع، وان لم يكن متدينا، تمنع من السلوك الوحشي، الذي اختص به الجيش اليزيدي.. وللحديث بقية.