يبدو ان بعض رموز السلطة المنحرفة يحاول ان يربط نفسه بالامام الحسين (ع) بطريقة ما..الا ان تسليط الضوء على ماهية تلك الثورة..سيكشف مغالطات السلطة الحالية في العراق.. ودعواهم الكاذبة..بل هم ممن يحاول اجهاض الثورة الحسينية وتحريفها..
إن معاينة احداث العاشر من محرم، من زاوية المشروع الإلهي، تنتج فهما أعمق لهذه الثورة، واستيعابا لأهميتها التاريخية، وتضع الثورة في رتبتها الحقيقية، تلك الرتبة والمهمة التي حددها التخطيط الالهي للثورة، لاجل تربية البشرية عموما والمسلمين خاصة.
إن الجانب المأساوي من أحداث الطف أنتج المشترك الإنساني، ومع مرور الزمن. ثم ذلك الجانب الثوري، أي ضرورة التمرد والانتفاض ضد الظلم، وهو ابرز متطلبات التكامل، والتي تحتاجها البشرية في مسيرتها التكاملية.
وقد وصف الشهيد الصدر، قدست نفسه الزكية، بقوله: أن ظروف الظلم والانحراف لا يمكن ان تكفي في وجود المخلصين ما لم تقترن بالأسس الإسلامية الموفرة للإخلاص.
…….جذور الثورة الحسينية:
لقد اانجزت الثورة الحسينية نقلة وطفرة في المحتوى العقائدي للامة، ونجحت في ابراز تجربة أنموذجية في الإعداد الديني التربوي، فضلا عن إيجاد معيار للاخلاص ومقوم للرسالية، على المستوى المجتمعي والفردي.
وادخلت الثورة الحسينية المشروع الديني الاسلامي في مرحلة متقدمة من التطبيق، ذلك التطبيق الذي يستهدف ايجاد النصاب والعدد البشري الضروري للدولة العادلة، والتي تنتظرها البشرية والأمة.
وبلور الإمام الحسين،عليه السلام، منهجية تربوية، تنتج افراد الجمع المؤازر للمشروع الالهي، فضلا عن رفع مستوى الوعي الاسلامي العام، وقد كان ذلك الإنتاج الثوري متكاثرا مع مرور الزمن الى يومنا هذا.
ثم ان الثورة الحسينية لا تنفك عن التاريخ الديني عموما، والاسلامي خاصة، وهي حلقة متممة لجهود الانبياء والرسل، عليهم السلام، تلك الجهود التي استهدفت تربية البشرية تدريجيا، ورفع المستوى الايماني بالخالق تعالى، وتصحيح العلاقة مع افراد المجتمع، لان الاهداف الاساسية في المشروع الرسالي، ومنذ انطلاقة، قد استهدف امرين هامين، وكما وصفهما السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر، قدست نفسه الزكية، في اليوم الموعود، وهو الجزء الرابع من موسوعة الامام المهدي.
وفيها حدد سماحته خلاصة الاهداف التي اعتمدها التخطيط الالهي ضمن مرحلة ما قبل الاسلام، وهي 11 هدف، ويهمنا الهدف الرابع ومضمونه: ..ان التدين مبتن على طاعة الله من ناحية، وحسن العلاقة بالآخرين من ناحية أخرى..
ويفهم الباحث من كلام سماحته، ان الاسلام تكفل نظريا وعمليا في تفصيل اهداف المشروع الالهي وتطبيقه، وابتجاهين: الاتجاه الاول: ان الاسلام يستهدف التحشيد البشري نحو العبودية للخالق عموما، مع تعميق تلك العبودية، وبتفاوت يتناسب مع استعداد الافراد، او المجتمعات.
وهذا الاتجاه جسده التثقيف والحركية النبوية. ثم استمر الائمة بذلك، وتقع احداث الطف وثورة الامام الحسين، عليه السلام، ضمن هذا الاتجاه، أي بناء الدين على طاعة الخالق تعالى، وليس طاعة المخلوق.
ثم ان الاتجاه الثاني: ويتضمن حسن العلاقة بالاخرين، وتطبيقها على مستويات عدة، اهمها العلاقة بين الحاكم والرعية، باعتبار تلك العلاقة هي النواة الاساس في الاطروحة العادلة الكاملة والمنتجة لدولة العدل الكامل بقيادة المخلص الموعود للبشرية كافة.
ويجد الباحث لمعركة الطف بسابقة تاريخية هامة ضمن التاريخ البشري، وهي معركة بدر، وبسبب وجود عنصر مشترك في المعركتين، وهو اثبات وجود الجمع المؤمن اولا، وتعميق الايمان والطاعة والاخلاص ثانيا، ويستدل على ذلك بما اورده الشهيد الصدر في اليوم الموعود، ص615، ط2، مؤسسة دار الهدى، وناقش فيها الاهداف التربوية في معركة بدر، وعلاقتها بالمتطلبات المستقبلية للثورة المهدوية. فقال:
… لماذا حدثت واقعة بدر الكبرى؟!… المبرر الذي أعلنه النبي، صلى الله عليه واله، بين أصحابه حين اقترح عليهم التعرض لإبل قريش، ذلك التعرض الذي أنتج واقعة بدر الكبرى… ليس أكثر من قوله ص.واله: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها (هامش1). ولكن كانت من وراء هذه [الثورة] الاسلامية الأولى عدة أغراض [قريبة] وبعيدة، نذكر منها اثنين أحدهما [قريب] والآخر [تخطيطي].
وللحديث بقية..
الهوامش:
[1 ] انظر، السيرة النبوية لابن هشام، جـ2 ص258. هذا وينبغي ان نضع المبرر الذي ذكره النبي في موضعه الاجتماعي والتاريخي الخاص، من حيث ان الناس لم يكونوا ليستوعبوا هدفا أبعد من الحصول على المال، ولعل الذكي منهم يلتفت إلى حصول القوة للجماعة من هذا المال.