22 ديسمبر، 2024 6:01 م

الثورات لا تسقط بالتقادم..

الثورات لا تسقط بالتقادم..

ها هو الشعب العراقي قد تجاوزت ثورته المائة يوم وسيل الدماء مازال يتدفق ليروي الأرض التي يظهر انها لم ترتو ِ بعد، بالرغم من مرور عقود من الحروب التي اندلعت وبشكل مستمر على هذه الارض، بالأمس تم تحرير اجزاء عزيزة علينا من براثن داعش واليوم عاد الحشديون وبقية شباب العراق المخلصين ليستكملوا ثورتهم ضد الفاسدين ولكنهم جوبهوا بالقتل فكانت الحصيلة لغاية الآن ما يزيد على الف وثلاثمائة شهيد وثلاثون الف جريح وستة الاف معاق بصورة دائمية .

لم تبق الاحزاب الاسلامية خطة إلا واتبعتها لإسكات هؤلاء الشباب فعمليات القمع والتخوين واتهام السفارة الامريكية والسفارة البريطانية بإشعال نار الفتنة وتمويل الثوار، حيث اتهم المرشد الاعلى في ايران بأن هؤلاء الثوار هم شيعة الانكليز، في حين وصفت مرجعية النجف الثوار بأنهم ابنائنا وهم الأحبة ،وبعد ان فشلت كل المخططات الايرانية لإسكات الثورة في العراق عمدت ايران للتصعيد بواسطة الاحزاب التابعة لها بالعراق مع امريكا وافتعال حرب هامشية تشغل الشارع العراقي عن المضي بثورته الاصلاحية ولكن الامريكان كانوا بالمرصاد لهذه العملية ،حيث تم اغتيال الرأس المدبر ومعاونيه في شارع المطار ببغداد مما افشل كل المخططات التي كانت ستنفذ في العراق على يد الميليشيات التابعة لإيران .

هذا الامر وضع ايران بحالة حرج كبيرة في طريقة ردها على الفعل الامريكي وانقسم الايرانيون الى قسمين ،قسم يترأسه روحاني وظريف كانوا مع الحل الدبلوماسي في معالجة الأزمة وهم الجناح المشكوك فيه في تسريب المعلومات للجانب الامريكي لاغتيال سليماني ،وهم من يحاول ابعاد شبح الحرب عن ايران بأي شكل ،وهناك جناح يترأسه المرشد الاعلى ويضم تحت جناحه حرس الثورة (سباه) و(الباسيج) وبقية الميليشيات الايرانية كان يطالب بالرد العسكري المباشر ،ولكن زيارة وزير الخارجية العماني والمداولات التي عقدتها ايران مع اطراف عراقية تابعة لها اقنعتهم بالقيام برد فعل محدود بضرب قواعد عسكرية عراقية يتواجد فيها امريكان في الانبار علما بأن الطائرات التي قامت بقتل سليماني طارت من قطر وحسب اعتراف الامريكان انفسهم .

السؤال هنا لماذا تم استهداف القاعدة العسكرية العراقية بدلا من استهداف القاعدة الامريكية في قطر ولماذا لم تستهدف السفارة الامريكية ببغداد بدلا من القاعدة العراقية ،والجواب انه ربما ادرك الايرانيون ان عمل كهذا يعتبر اعتداء عسكري مباشر على امريكا ويعتبر اعلان حرب وهذا ما سيوقعها بالمواجهة المباشرة مع امريكا التي كانت تتجنبها على طول الخط .

لقد اعلن جواد ظريف ان العملية قد انتهت وان ايران اكتفت بهذه الضربة ردا على اغتيال سليماني وهو اعلان او اشارة للأمريكان بأن ايران لا شأن لها بما سيحدث لاحقا كدولة وما سيصدر عن الميليشيات العراقية التي تم الايعاز اليها بالعلن شيء وبالسر شيء آخر فالمرشد اوعز لهم بأن العمليات يجب ان تتوقف ضد المصالح الامريكية ولكن التوجيهات السرية والتي تصدر عن( قاآني) شيء آخر ،فلو كانت ايران قد قصفت السفارة الامريكية مباشرة لكانت الولايات المتحدة الامريكية استصدرت قرار اممي بحق الدفاع عن نفسها باعتبار السفارة ارض امريكية .

ان روح التبعية التي تتمتع بها قيادات الاحزاب الشيعية لإيران اوقعتهم في خطأ تاريخي كبير حيث فقدوا والى الأبد الدعم الامريكي لهم وخسروا شارعهم وكذلك حلفائهم الاكراد ولم يتبق الا هم في الساحة وفي عزلة تامة .فحالة القمع التي وصلت الى درجة كبيرة تمت ادانتها من قبل المجتمع الدولي وألّبت الشارع العراقي برمته عليهم ،حيث ابقت هذه الاحزاب في عزلة داخلية وخارجية ولم يعد لهم أي قدرة على تجاوز المشاكل والمخاطر المحدقة بالبلد ،فالمراهقة السياسية والغباء السياسي قادهم الى موقف لا يحسدون عليه ،فهم لا يعون ما يقدمون عليه من افعال، فعملية قصف السفارة الامريكية يوميا بصواريخ الكاتيوشا ليست نزهة وليست مغامرة جميلة فهذا العمل جعل امريكا والمجتمع الدولي تدرج قادة هذه الميليشيات ضمن قائمة الارهاب ،وهذا الامر اتاح لخصومهم من الساسة الكرد وغيرهم ان يستعدوا امريكا عليهم وتشجيعها على ضربهم فهم منحوها الف عذر وعذر للقضاء عليهم دون ان يغنموا شيء سوى ارضاء إيران .وتصريحات زيباري خير دليل على ذلك .

وفي المقابل لو ننظر الى القواعد التي تحصن بها الامريكان نجدها في المنطقة الغربية والشمالية ولا توجد قاعدة امريكية واحدة في المنطقة الوسطى والجنوبية حيث غادرت القوات الامريكية قاعدة الامام علي مبكرا وسلمتها للعراقيين واتخذت من تلك القواعد مقرا لها واستبدلت اسمائها بأسماء جديدة .وهذا الفعل له حسابات كبيرة واستراتيجية بعيدة المدى لسنا هنا في صدد تفصيلها خشية اتهامنا بالطائفية .

ولكن ما يثلج صدورنا اننا مازلنا نعيش حالة الثورة وشبابنا يملؤون الساحات بالرغم من محاولات القضاء عليها حيث باءت جميعها بالفشل الذريع ،وسيخرج لنا جيلا ثوريا عراقيا اصيلا لا يسمح للإرادات الخارجية بالتدخل في شؤون البلد .

لقد راهنوا على اطالة مدة الثورة لعلهم يرجعون ،لكن دون جدوى ،فالثورة لا تسقط بالتقادم سادتي ولكن الظلم هو من يسقط . وسيختار الشارع العراقي قادته من جديد بعيدا عن اسلوب المحاصصة المقيت ويعيد العراق الى دولة المواطنة بدلا من دولة المكونات .وهذا قريب جدا .