22 ديسمبر، 2024 11:33 م

الثورات العربية التي تحولت إلى حريق مدمر

الثورات العربية التي تحولت إلى حريق مدمر

الطريق إلى الجنة ليس محفوفا بالورود دائما ، الذين خرجوا في تونس شتاء 2011 منادين بإسقاط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن على كانت نيتهم أن يتخلصوا من منظومة الفساد المتحكمة في رقاب الاقتصاد و التي استغلت قرابتها بالرئيس لتعيث في الأرض فسادا ، على الأقل هذا ما خيّل لهم في تلك الفترة الدموية البائسة و لكن و كما تبين في ما بعد فقد تداخلت الخطوط و ركب البعض ظهر هذه الثورة السلمية ليصلوا إلى الحكم و ما تبع ذلك من نهب حركة الإخوان الذين أشاعوا نفاقا أنهم يخافون الله لكل ثروات و خيرات البلد و حولوا تونس بتاريخها و حضارتها و مؤسساتها إلى مزرعة خاصة سلموا مقاليد إدارتها إلى بلدان مشرقية متآمرة و إلى بعض الفاسدين الذين دمروا كل شيء و رفعوا معدلات المصابين بالإحباط إلى نسب هائلة و غير مسبوقة . إن وضع الدول العربية بعد ثوراتها يماثل تماما وضع الغابة بعد نشوب حريق فيها و هي مقولة معبرة بشكل كبير عن الوضع العربي اليوم للكاتب الإيرلندى الشهير جورج برنارد شو .

في البداية كان الأمل المعلق على الثورة التونسية كبيرا و كانت الأمور تسير نحو نهاية نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن على و بداية عهد جديد يتمتع فيه الجميع بحرية التعبير و بحقوق الإنسان إضافة إلى توفير أرضية سانحة لإقامة المؤسسات الدستورية و نحت مكان مرموق للمؤسسة القضائية التي يجب أن تسهر على إشاعة العدل بين المتقاضين و لهيئة الانتخابات الساهرة على الشفافية بين المرشحين و مع الوقت تحول الحلم إلى كابوس حين استولت حركة النهضة على الحكم مستغلة فراغ الساحة السياسية لتشيع مناخا من الفزع و الإرهاب و الفوضى و الخطاب التكفيري و بات الجميع في نظر هذه الحركة مجرد طواغيت و خونة و أزلام يتجه اجتثاثهم و صدرت محاولات عديدة لتمرير مشروع اجتثاث الدستوريين و تمت ملاحقة كل من يتفوه بكلمة معارضة لنظام حكم الإخوان و من ركب ركابهم من الخونة و المتآمرين من الفتات الانتخابي الذي حولته الحركة إلى وزراء أذلاء يدينون لها بالولاء و الطاعة العمياء .

لقد ظهر للولايات المتحدة الأمريكية و بعد أن دعمت الديكتاتوريات العربية الحاكمة طيلة عقود من الزمن أن تغتسل من الجنابة و تميل دكاكين مخابراتها المنتشرة في كل أصقاع العالم إلى تكوين متخصصين من كل الجنسيات في مجال كيفية إشعال الثورات و تمويلها و تزويدهم بكل احتياجاتهم المختلفة و زرعهم في تلك المظاهرات لتعلية سقف المطالب الشعبية و تشويه الأنظمة و دفع الرافضين لها للاعتداء على الممتلكات العامة و الخاصة و لذلك سخرت البعض للقيام بأعمال قنص للمتظاهرين لمزيد إشعال نار الغضب و سخرت البعض الآخر للقيام بأدوار إعلامية مشبوهة غاية تضليل الرأي العام . الذين تثبتوا من صور المظاهرات الشعبية أمام وزارة الداخلية في تلك الفترة قد يفاجئوا طبعا بوجود هذه الشخوص الأجنبية المدسوسة و من بينهم على سبيل المثال رموز معروفة تابعة لحركة ” طلعت ريحتكم ” اللبنانية مثل المدعوان مروان معلوف و عماد بزّى الذين دربتهما منظمة “فريدوم هاوس ” الشهيرة التي تشرف عليها وكالة المخابرات المركزية.

طبعا لم تكن المخابرات التركية برئاسة وزير الخارجية التركي الحالي هاكان فيدان بعيدة تماما عن نشاط منظمة فريدوم هاوس و لا عن مخطط المخابرات الأمريكية لزعزعة الاستقرار في تونس و بطبيعة الحال كان المال القطري سيد الموقف و تولت المخابرات القطرية تمويل تحركات الشارع المدسوس الغاضب لتسهيل عملية إسقاط النظام و تمكين حركة النهضة المتآمرة من ربح الانتخابات بفضل المال الانتخابي و الصعود إلى سدة الحكم في أكبر عملية نصب و تحيل و مغالطة في تاريخ تونس . طبعا كان لقناة الجزيرة و لمفتى الناتو الشيخ الراحل يوسف القرضاوى نصيب الأسد في حملات تضليل الرأي العام كما كان لعدة قنوات صهيونية مشبوهة مثل فرانس 24 و ” ب.م.تى فى” و فرانس 2 ” شأن في قيادة جزء كبير من الرأي العام الفاقد للصواب و التمييز إلى مربع مخطط له بعناية كبيرة ليسقط النظام و تتكالب عليه الرموز العابثة و الملثمة المنخرطة في حزب النهضة و بعض رموز التهريب المتعاملين مع بعض الجهات التكفيرية الليبية و تنتهي ” الثورة ” بمشهد ذلك المحامى البائس الذي يصيح في شارع الحبيب بورقيبة كالمعتوه ” بن على هرب ، بن على هرب “.

لم يكن حالة الثورات في ليبيا و مصر مختلفا على ما حصل في تونس و رغم كون شرارة الثورات الأولى كانت تعبر عن هموم و مشاغل حقيقية و جدية و كانت نتيجة غليان مراجل مجتمعات تعاظم فيها الظلم و القهر و الفساد و الفشل فقد تحولت بعد أن تداخلت الأحداث و العوامل المختلفة إلى خريف حزين و مؤلم تساقطت فيه القيم و القوانين و المبادئ و تعاظمت فيه بوادر الفساد و الخيانة من خلال رموز ساقطة تدين بالولاء إلى السفارات المتآمرة و دكاكين المخابرات الأجنبية التي تعمل على تفتيت الدول العربية خدمة للمشروع الصليبي الصهيوني القذر . لقد تبين أن الثورات العربية قد ولدت بلا قيادة و أن الحركات الدينية و غيرها كانت لا تجيد غير المعارضة التي تتخذ منها مهنة و مبررا للوجود و مصدرا للاسترزاق و حين دفعت المخابرات الأمريكية الصهيونية بالإخوان مثلا إلى سدة الحكم و مهدت لهم طريق السلطة فوجئت بكونهم لا يملكون لا الخبرة و لا الحنكة و لا الدربة لذلك سقطوا ذلك السقوط الشنيع و باتوا مجرد مطاردين و سجناء .