الشك الخوف المتبادل بين الشيعة والسنة بعد سقوط الصنم كان مسيطراً، فالشيعة كان يملئهم الرعب من تكرار تجربة البعث، المقابر الجماعية والاقصاء الشامل والكامل، الذي لم يشمل الجانب السياسي وحسب، وانما شمل كل جوانب الحياة العامة، بينما المكون السني كان أيضاً يملئه الرعب، خوفاً من ان يحمله الشيعة وزر اعمال النظام المقبور، وغيرها من الأسباب السياسية والمجتمعية والدولية، دفعت المكونين اضافة الى المكون الكوردي الذي يحمل في ذاكرته آلاماً وكوابيس من النظام المقبور، دفعهم الى التقوقع والتخوف والتعامل بحذر مع الشركاء، في ظل الدعم الاقليمي والدولي لهذه المخاوف وتعظيمها، لكي لا يحصل تقارب او تفاهم بين هذه المكونات الرئيسة في المنظومة المجتمعية العراقية، وبالتالي كل مكون أنتج كتلة وسياسة واهداف تنبع من المخاوف السابقة، مما أدى الى تعميقها وترسيخها كواقع مجتمعي لابد من التعامل معه وعدم العبور عليه .
نتج عما سبق حكومة ضعيفة ومهزوزة، اضافة الى محاصصة ترتدي ثوب الديمقراطية التوافقية، ومحاور سياسية داخلية مغلقة ترتبط بمحاور خارجية، اما لتمثلها وتطبق رؤيتها داخل العملية السياسية، او انها تستند عليها لتمنحها الدعم والقوة، لنصل الى طريق مسدود يحتاج الى مراجعة عميقة وحقيقية لمجموعة من الخطوات، أولها عدم تكرار الخطوات التي أنتجت السيناريو السابق، لان المجرب لا يجرب سواء من الأشخاص او المشاريع ! .
الثلاثية المنجية من الطائفية السياسية، هي الرؤية التي تقوم على ثلاثة مشاريع تعتبر ضمناً كحلول للمشكلات المطروحة آنفاً، وفِي نفس الوقت تنسجم مع الرؤى والاحداث التي نعيشها، أولها تشكيل تيارات عابرة للقومية والطائفية والمناطقية، للخلاص من التخندقات الطائفية السياسية، التي تجعل كل واحد يشعر انه في مركب منفصل عن الآخرين، وبالتالي يشعره بأمكانية نجاته لوحده، ليكون الجميع في مركب واحد، وثانياً هي التحالفات العابرة التي تتجاوز الطائفة والقومية، لنرى تحالف يضم اطراف شيعية وسنية وكوردية، تتفق على رؤية موحدة وتضع أهداف مشتركة تخدم الجميع، لينتج لنا ما تقدم المشروع الثالث وهو الاغلبية الوطنية، وهي الاغلبية القائمة على وجود أغلبية مكونة من اطراف شيعية وسنية وكوردية، تتشكل عن طريق تشكيل كتلة عابرة من الأحزاب والتيارات الكبرى ( شراكة الأقوياء )، والتي تختلف عن أغلبية النصف زائد واحد الضعيفة والمهزوزة، لتنتج حكومة قوية، وبالمقابل معارضة تتكون أيضاً من اطراف شيعية وسنية وكوردية، لنكون امام حكومة ومعارضة على عكس المعادلة السابقة، التي قامت على اشراك الجميع في الحكومة لتكون حكومة استرضائية، بينما اغلبها يلعب دور المعارضة فعلياً، ليكون ممثلاً داخل الحكومة وفِي نفس الوقت يكون معارض، وفق هذه الثلاثية السياسية نستطيع ان ننتج معادلة لا نجزم انها تملك عصى موسى، ولكنها تخلصت من الكثير من عقد المرحلة الماضية ومعوقاتها، لترسم خارطة عراقية وطنية تقترب من الاندماج، وتبتعد عن التشضي المجتمعي ومشاريع التقسيم المقيتة .