23 ديسمبر، 2024 4:19 م

الثقة بالنفس منفعة شرعية … لكن المعرفة بها وجوبية

الثقة بالنفس منفعة شرعية … لكن المعرفة بها وجوبية

الثقة بالنفس عنوان صارخ تتكاثر في شأنه الاقوال … فمنهم من رآه تكبرا ومنهم من قال عنه ابتلاء ….. لايمكن للمرء التخلي عن هذه النعمة الالهيه والتي فيها مافيها من معاجز لايعلمها الا الله والراسخون في العلم . ممكن ان تنتقد في انك معتد بنفسك بالمعنى السلبي لكن الاصح هو الاعتداد بالنفس بالمعنى الايجابي اي (انني ارى القدرة في قابلياتي وقدراتي في حجمها وفي مكانها الطبيعي ، شريطة ان لااستحقر قدرات الاخرين وان لا استصغر غيري ) . قال الامام علي عليه السلام (أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر)* وهذا بحد ذاته دليل علمي شرعي على منفعة شرعية وهي الثقة بالنفس لا الاستهانة فيها شريطة ان لا تحتكرها لنفسك وتستقلها لغيرك. وان لا تستحقر نفسك وقابلياتك او مهاراتك التي مكنك الله منها وخولك السيطرة عليها معنوية كانت ام مادية.

للاسف الكثير ومن وجهة نظر دينية او اجتماعيه يحاول ان يحط من قدرات وكفاءات وقابليات فذة وعبقرية. فتارة ترى من يحاول ان يحقر المتميز عندما يصفه بالمتكبر ويطالب اللذي عنده ثقة عالية بنفسه وبقدراته ان يتواضع . وتارة اخرى من باب (مغنية الحي لاتطرب) يحاول البعض ان يستكثر على من يلمع نجمه هذا اللمعان وهذا الامتياز فتراه يبحث عن مثالب ونقاط ضعف وكبوات تاريخيه لاجل التسقيط. الا ان العلو والتميز بالمعنى السلبي (اي التكبر) يجب ان يأتي لمن صادر حقوق الاخرين وحط من قدراتهم بإحتقارهم وتفرد واستأثر بما لديه من غير ان يفسح مجالا او يعطي فرصة لغيره.

الاهم ان لا يتلبس البعض باثواب غيرهم. والافضل ان يكون الانسان حيث موضعه وان يلزم مكانه في حدود قابلياته بمعنى رحم الله امرىء عرف قدر نفسه. ومن دلالة هذا القول ان نكون مهذبين واذكياء في فهم قابلياتنا ولو عرفناها سنكون مرحومين في الدنيا قبل الاخرة. وايضا ان لانتخطى حدودنا ونأخذ ادوار غير ادوارنا ، والامثلة كثيرة جدا واهمها مانراه في الانتخابات وفي تقلد مناصب حكومية وغير حكومية الامر الذي يكشف عدم اهليتهم في اول اختبار عملي يمرون به .

فبعد احدى عشرة سنة من العمل السياسي والوجوه نفس الوجوه والفشل نفس الفشل الا ما رحم ربي . لا زلنا كشعب نتوق ونتلهف ان نحظى بقائد او قادة سياسيين مهنيين كفوؤين عاملين ومتحليين بشرف المهنة . وبعكسه نتصارخ بعد كل دورة انتخابية اننا نفتقد الى المهنيين والكفوؤين والانجاز المقترن بالملموس لمن انتخبناهم . للاسف لازالت المنجزات (إن وجدت) محصورة بفئة دون اخرى , بحزب دون اخر , بمنطقة دون اخرى, بأقليم دون محافظات اخرى .

لازلنا نبحث عن سمة الشفافية لدى المسؤول ,ايا كان , وان كان مدعي ومتلبس بلباس يكاد يكون لزاهد ينادي للزهد في الليل والنهار, الا انه تحوم حوله الشكوك والشبهات . واقصد هنا رجل الدين. فعندما يتقلد منصبا حكوميا او ان يتصدى لمكانة سياسية ما , تشرأب له الرقاب مستنظرة لانجاز ما ولقفزة ما , الا ان الواقع الفعلي يأتي بعكس ما تشتهيه السفن , وعندها يكون الاحباط والنكسه والتي سرعان ما تنعكس على مصداقية كل رجال الدين للاسف. ايا كانت الاستثناءات لكن الواقع الاجتماعي لايعذر ولايستثني احدا في احكامه الشمولية. وكما يقول المثل الشعبي الشائع (الخير يخص والشر يعم) فترى الغالبية انها تفقد الثقة في هذا المركز وهو رجل الدين وتتضاعف اسهم المقاربة في نسبة النزول الى ان تستنزف وتضمحل. لذا نرى ردود افعال انعكاسية على هذا المركز بالخصوص.

لازال املنا بالشرفاء من المهنيين الكفوؤين والمخلصين ان تسند اليهم المهمة والتي لابد ان تتسم بالشفافية اي ان يكون واضحا في قراراته مصاحبا اياها بالنشر على وسائل الاعلام او بلجان خاصة لهذا الغرض . وان تحفظ وتؤرشف الوثائق الخاصة بأية صفقة او عقد او صرف لاي مبلغ او اي قرار تعيين او ماشابه وان يكون مصحوبا بالشاهد والشهادة ليبريء ذمته وليكون ذا مصداقية امام المجتمع وامام الله. لا ان تحرق غرف العقود والسبب (تماس كهربائي) فهذا بحد ذاته دليل تقصير لابد ان يحاسب عليه المسؤول وان كان رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية او مجلس النواب فكلهم مسؤول وكلهم مسؤول عن رعيته. ورحم الله امريء جب الغيبة عن نفسه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

* نهج البلاغة – خطب الإمام علي (ع) – ج 4 – الصفحة 45/ رقم الحكمة 197.