في صباح شباطي دافيء وانا في طريقي الى سيارة الخط المؤجرة من قبل دائرتي لنقل الموظفين لاحظت اني ادوس الارض بشدة وكأني انتقم منها واحملها مسؤولية تأخري عن الموعد المحدد لأنطلاق السيارة وفي لحظة صفاء تذكرت الروايات التي تتحدث عن مشية الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ومشية امير المؤمنين علي (عليه السلام) وكل اهل بيت النبوة الكرام وكيف انهم كانوا لا يرفعون ارجلهم عن الارض وكان مشيهم الهوينا بهدوء ورفق بالتراب تحت اقدامهم وتذكرت ايضاً قول الشاعر ابو العلاء المعري (خفف الوطأ ما اظن اديم —— الارض الا من هذه الاجساد) فقلت في نفسي صلوات الله وسلامه على نبيه وحبيبه واهل بيته ولكني متأخر وحتى لو اني امرت بألاقتداء بسنته وسلوكه فكيف اوفق بين تأخري والتأسي بالرسول واله الكرام؟
انتابتني الحيرة لبرهة واذا بي وبلا شعور (اخفف الوطأ) وابطأ المسير متجاهلاً مرور الوقت وتزايد تأخري عن الموعد المحدد وانا اقول في نفسي (ان مع العسر يسراً) و(من توكلعلى الله فهو حسبه) وان (المصائب لا يجب ان تمحوا الفضائل) وان (الشدائد لا يجب ان تغير الطباع وتنسي الخالق والمحبوب) وان التأسي بسنة الرسول في كل حال خير وبركة وما اتممت ترديد شعاراتي ومبرراتي لنفسي بالبطء والهدوء حتى سمعت اسمي ينطلق من فم احد الاشخاص فألتفت واذا بزميل لي في الشركة في سيارته الجديدة التي استلمها تواً من الشركة العامة لتجارة السيارات بعد حجز طويل وهو يقول لي اركب ولنذهب الى الدوام!
فجأة تهيأت لي الوسيلة ولم يعد واجباً علي ان التزم بالهرولة الى سيارة الخط وقد زال في لمح البصر شبح التكسي واجرته من الصباح! وبعد ان ركبت واستقر بي المقام راجعت في نفسي احداث الخمس دقائق الفائتة وتدريجياً توضحت لي الصورة بعد ان كانت ضبابية اول الامر: الله تعالى يقول لعبده: عبدي اطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون. ويقول في مكان اخر ان العبد اذا اطاع ربه كان عينه التي يرى بها ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها. فالحمد لله الذي اراني لمحة من لمحات رحمته ولطفه وتوجيهه الى عدم التهاون في الدين بحجة سوء الظروف وان يكون الموجه والبوصلة للحياة هو الدين والاخلاق والتأسي بسنة الرسول واهل بيته واتخاذ الدين والاخلاق منهج حياة وليس شعارات نرفعها حين نحتاجها ونتركها حين تتعارض مع مصالحنا الانية الوقتية الزائلة كما يفعل اغلبنا للأسف!
نتائج هذه الحادثة
مر الوقت قصيراً من صعودي الى السيارة وحتى وصولي الى الشركة وتاهت الذاكرة مني ورغم القصص التي قصها علي مضيفي صاحب السيارة والاسئلة التي طرحها علي وأجبتها بشكل مقتضب ومختصر، رغم كل ذلك فقد تألمت وتندمت على كثير من لحظات حياتي التي فضلت فيها التمسك بالمصلحة الظاهرية ولو على حساب التمسك بالدين والاخلاق وان كان اغلب تلك اللحظات لم تؤدي بي الى الدخول في الحرام وترك الواجب بل في اطار المستحب والمكروه فلا ننسى ان الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر واذا علمنا ان كل مستحب هو لفائدتنا في الدنيا والاخرة وكل مكروه هو مضر ولو تأخر ظهور تأثيره عندها نعلم اهمية عدم التمسك فقط بالواجب واجتناب المحرم بل الترقي والتطور الى رتبة الالتزام بالمستحب وترك المكروه حتى تكثر مثل هذه الحوادث في حياتنا ونرى جميل اللطف الالهي والتسهيل الملكوتي لكثير من امور حياتنا المادية والمعنوية مما تعجز القوانين الطبيعية عن حلها.
صدفة ام رحمة؟
قد يقول قائل ان ما حصل صدفة ولكن معرفة ان الكون كله بيده تعالى وكل شيء في الدنيا يسير وفق مخطط محكم وان (كل شيء عنده بمقدار) يجعل القائل يعيد التفكير في ذلك ويخضع لحقيقة ان الله تعالى مشرع ابواب رحمته ولطفه بعباده ولذلك خلقهم ولكن اكثرهم عنه معرضين وله من المتناسين والمتجاهلين وللأسف يحاول اغلبنا ان يسير امور معاشه وحياته وفق القوانين الطبيعية المادية متناسياً وجود قوة ما وراء الطبيعة اوجدتنا وعلمتنا ووضعت لنا القوانين الطبيعية وعلمتنا شفرات كسر هذه القوانين لمن تقرب من القدس الاعظم وتعلم السمو النفسي والروحي لما وراء الجسد والمادة فهل نحن منتفعون؟ وهل نحن متعلمون؟ وهل الى التكامل والرقي والسمو من سبيل في دنيا المادة اليوم؟ نسأل الله تعالى ذلك