23 ديسمبر، 2024 9:18 م

الثقافة … والانتماء  للوطن

الثقافة … والانتماء  للوطن

ان ما يكتنف الثقافة كمفهوم من تشعبات واوجه وجوانب حياتية عديدة ، في بلاد مابين النهرين باعتباره مصدر لاينضب من المثقفين على مدى مراحله التاريخية ، وتمتلك ثقافته  خصائص ومميزات  تحفظها ذاكرة شعوب العالم لارثها الحضاري الغني ، ولكن الموضوع ليس البكاء على (اطلال الماضي ) ،  بل وقفة متكاملة للمشهد الثقافي العراقي بعد تحرره من التوجيه القسري لمنظومة (الثقافة) السلطوية الشمولية التي حاولت تقييده او تسيره في اتجاهات احادية ضيقة لعشرات السنين ، والكل يعلم ان سياسة التسخير كانت ممنهجة للادب والفن ، حيث سخرت القصة والرواية والمسرحية والقصيدة والصورة والنحت والتشكيل  والموسيقى لخدمة السلطة في كل عناوينها ،  تلك السياسة  شوهت معالم الثقافة العراقية وخلخلت ركائز بنائها الحقيقي  ، لذلك انطوت على نفسها في شرنقة صدئة ومكررة ذاتها مما ادى تلاشي تأثيرها ، وفقد المنتج الثقافي روح الابداع وتشابه الى حد التطابق ضمن حدود خانقة من توظيف رخيص  لاتخرج عن اطار المدح والتغزل والمجاملة والتضليل والتهليل والتمجيد لعنوان السلطة الاوحد ،  ولكن بعد التغيير تعرض ما تبقى من ارث ثقافي لهجمة مفجعة  بحرق العديد من مكتباته ومخزونها من نفائس وكنوز المعرفة مع ما تعرض اليه المتحف العراقي والمؤسسات الثقافية من تخريب كبير ، لذا ان متطلبات عملية الحراك الثقافي  تتطلب جهود استثنائية متضافرة لانطلاقات جديدة وبزخم عالي ليبعث حياة جديدة في شريان الثقافة وروافدها العديدة ، لكي تتشكل من خلالها الملامح الجديدة لفعالياتها وتعيد صدى انعكاسات تأثيراتها على الواقع العراقي المعقد ، حيث اصبح في حاجة ماسة لشحن فكري متصاعد ليتغلب على التأثيرات السلبية العميقة نتيجة تشبع المشهد السياسي لحد التخمة بالصراعات المستفحلة بين اقطاب السياسة المتنافرة ، التي بدورها استولت على الاهتمام واحتكرته على حساب الجوانب الاخرى ومنها الثقافة التي لم تكن  فعالياتها (الخجولة ) لها الامكانية والقدرة  لتفرض نفسها كأساس حقيقي صلد لتبنى عليه اعمدة التنوير والابداع في بنية جديدة لواجهة  وملامح  الثقافة للمرحلة الانية ، وتنفض عن كاهلها التداعيات والنكوصات والترسبات الثقيلة وادران الضعف والتراجعات في مستوى ونوعية المنتج الثقافي ، لذا التحدي للمثقف تجاوز ازمته الحقيقية في اثبات وجوده وتأثيره المجتمعي ، ومحاولته مقاومة استنساخ تجربته السابقة بالانجذاب لمغريات حضن السلطة والانقياد لرغباتها واهدافها والقبول بادلجته تحيزا وتطرفا ، خصوصا ونحن نعيش في خضم حملات منظمة علنية ومبيتة في امالة وحرف رأي وفكر وشخصية المواطن العراقي عن منطلقاته الوطنية والسعي لفقدان مسجاته خاصية التحسس لمجريات الاحداث وماورائها ومحاولة حثيثة لتغييب وعيه وتشويش ذهنه وسياسة تجيهله ، جميعها غايتها غرس التفكك والتخندق والاستقطاب في المجتمع العراقي لمصالح سياسية انتخابية ، لذا الترفع عن التجيير النفعي للثقافة والمحافظة على نقائها كوعاء لروح الحوار وحرية الفكر وتقبل الراي الاخر ومصدر المعرفة ، سيلبي ذلك مسؤوليتها الاولى في تعزيز الانتماء الوطني  من خلال ملامح هوية المنجز الثقافي وارتكازه على (المواطنة) وتساميها على عناوين الضعف الثانوية الاخرى .