اخترعت كلمة ثقافة لتكون مصطلحا نقيضا للدين اما كلمة مثقف فلا تعرف بنفسها انما تعرف بمضادها وهو الانسان العادي الطيب البسيط الذي ينهض من النوم ويتوضأ ويصلي ويقبل اولاده ويذهب الى المسطر او الحقل او قطيع الخراف لذلك تسمع المثقف يردد دائما جملة جاؤوا من ورا الهوش او جملة هذا فيترجي او عربنجي او راعي ولايوفرون مهنة الا واستخدموها نقيضا لهم لانهم بلا مهنة سوى مرتبة ضبابية اسمها الطبقة المثقفة.
ينسحق الناس البسطاء في العراق تحت شعور مرير بكونهم ليسوا مثقفين فيتصاغرون امام المثقف وهو بالعادة شخص يميز نفسه عن الناس اما بطريقة اللبس او الاكسسوارات كالحقيبة ونصف اللحية وتسريحة الشعر وطريقة الكلام وبالطبع شرب العرق فالثقافة في العراق لايمكن ان تكتمل الا باحاديث شرب الخمر.
غير المثقف هو الانسان ببدلة العمل ، صاحب الملابس التي تفوح منها رائحة السمك اوالمرصعة ببقع الزيت، الفلاح والعامل والكناس والعتال و الحطاب والجندي والشرطي والراعي ، هؤلاء هم غير المثقفين اما المثقف فهو الشخص الذي يقولون عنه هذا مثقف.
المفروغ منه ان المثقف شخص كذاب والمفروغ منه ان الثقافة تصنف نفسها درجات لكن لااحد يقول لنا ماهو مقياس الثقافة من عدم الثقافة؟ واين يمكننا شراء مقياس الثقافة مثلما نشتري ميزان الحرارة او ميزان البقال؟
تتذكرون ولااعتقد انكم تتذكرون انه بعد عام ٢٠٠٣ ظهرت الاف الاسماء في عالم الثقافة وكل مثقف يحدثنا في خضم تلك الفوضى الرهيبة عن عنوان ديوانه غير المطبوع وروايته تحت الطبع ومؤسسته الثقافية قيد التاسيس ومخطوطاته قيد الاستعادة وقصيدته في عيون الشعر التي تبحث عن جدار في الوطن تعلق عليه لتضاف الى معلقات الكعبة وظهر النحات والرسام والموسيقي والممثل والمخرج وكل واحد منهم يحدثنا عن انجازه الذي ظل ينمو ويكبر في رحم عالم الثقافة وهكذا مرت عشرة سنوات وانكشف الغطاء واشرقت الشمس على الثقافة والمثقفين فاذا كل انتاجهم هو الهجوم على الدين ورجال الدين ليس لديهم سوى شكاوى وشتائم
وتذمر ولغو بالاطنان فيما لم ير اي عمل ثقافي لا رواية ولا لوحة ولا فيلم ولا مسرحية ولا قصيدة ولا كتاب في الحياة ولا عمل نحتي ولا حتى مقطوعة موسيقية.
كل الذي نراه من المثقفين هو شتم الاحزاب الاسلامية والتشكيك بقدرتها على ادارة البلاد فتحولت الثقافة والمثقفين الى جيش يهاجم الحياة العراقية دون ان يتدخل
لاصلاحها.
الحق ان المواجهة مع النظام السابق كان ابطالها رجال الدين فيما كانت الركيزة الاساسية لنظام صدام حسين تتكون ممن يسمون مثقفين وليس لنا هنا غرض
بالاسماء مع اننا نعرفها اسما اسما ونترفع عن ذكر اي منها.
اتحدى اي شخص ان ياتي باسم لمثقف واحد قاوم نظام صدام حسين فيما كان المعدان الحفاة العراة الذين لايحسنون الكتابة والقراءة او الرسم والموسيقى
ولايلمون بالتفكيكية والتكعيبية والحداثة ومابعد الحداثة يخوضون في البرك والمستنقعات التي تم تسميم مياهها وحرق برديها وقصبها متحملين القصف المدفعي
وهجمات الجيش وغدر الشماشمة والجوع والمرض والافات في اطار مشروع تغييري وقع اخيرا وليمة سهلة بقصعة الثقافة والمثقفين.
دجال لندني قضى حياته بتسريحة شعر حلوة وربطة عنق ولحية مشذبة وارتزاق في قناة ال اي ان ان يستكثر على بغداد ان تكون عاصمة للثقافة العربية
لانها مليئة بالازبال على حد وصفه وهل كانت الثقافة العربية يوما ما انظف من ازبال العراق في بغداد وغير بغداد؟
متى جاء المثقفون العرب الى العراق بموقف مشرف؟
الغريب ان المثقفين وصلت بهم الجراة الى محاولة تزييف التاريخ فبعد ان كانوا يشكلون الطبقة الراقصة المغنية المادحة المسوقة لمغامرات الحاكم الفرد المتجبر
اصبحوا يتحدثون عن تاريخهم النضالي وعن اضطهادهم ومعاناتهم في ظل النظام السابق وانهم لم ياخذوا نصيبهم ولا اعطوا فرصتهم في ظل النظام الحالي.
يبدو ان الدولة العراقية والحكومة مطالبتان بانتاج الثقافة بدلا عن المثقفين.
مثقف جدا مثقف زعلان على الحكومة العراقية لان رجل شرطه قال له ياحمار، ترى هل حمل المثقفون يوما احمال الناس كما حملتها الحمير؟ ام هل ادار المثقفون نواعير الماء كما ادارتها الحمير ؟ هل جهد المثقفون في ادارة رحى المطاحن كما هلكت في ذلك هذه الحيوانات المسكينة المظلومة التي لم تسلم من شر الثقافة وشرور المثقفين.
اننا بحاجة الى عمقنا الديني وبحاجة الى انساننا الطيب ولسنا بحاجة الى مصطلح بدون حدود تعريفية ولا لمخلوق هلامي بدون ملامح طبيعية.
اخطات الدولة العراقية منساقة وراء التقليد بتسمية وزارة باسم وزارة الثقافة فهذه كلمة دخيلة اقل مايقال عنها انها جسرا للغزو الفكري وكان الاحرى ان تكون هناك وزارة باسم وزارة الدين فالذي يحكم حياة السكان في العراق هي المشاعر الدينية ولاادري ماهي المصلحة بعدم تمثيل الدين في وزارة مقابل الثقافة التي لايعرف احد معناها على وجه المصطلح والاصطلاح.
الشعب قد لايملك تخريجا لغويا لذلك انما هو بالحق يعتبر مصطلح الثقافة تحديا لمشاعره وانا معني ببيان هذه الحقيقة التي يخاف الكثيرون الجهر بها حتى لايتهموا بانهم ضد الثقافة.