قدمت الثقافة العربية في مرحلة ماقبلَ (فترة الركود ) التي سُميّت بالفترة المظلمة حزما إبداعية للعقل العربي ، ولقد مرت الثقافة العربية بدورة سبات تركت أثرها على المجتمع العربي برمته وكانت البدايات الأولى للتحرك من هذا الركود قد تمثل في قيام الجمعيات الأدبية التي رافقت العديد من دعوات الإصلاح وجل هذه الدعوات تدعو إلى العودة لماضي العرب وإصلاح أساليب اللغة إذ كانت هذه الدعوات مجتمعة تبتغي العودة إلى القديم واستلهامه وبعثه من جديد أي العمل على إحياء مرتكزات الثقافة العربية أثناء الفتح الثقافي العربي للعقلية العربية وإتخاذ فترة الازدهار الفكري
والاقتصادي والسياسي والإجتماعي ركائز للتذكير بالإمكانيات الهائلة التي يمكن إعادتها من جديد لرسم الأفق الجديد لثقافة خالصة مستوحاة من الثقافة القديمة ،
رافقت هذه الدعوات دعوات مضادة تسير باتجاه الإفادة من ثقافة الغرب وعلومه وكان ذلك عند انتشار الثورة الصناعية وظهور التيارات الفكرية والأدبية ،
وبالتأكيد فأن سبب تلك الدعوات أو بالأحرى هذا التأثر السريع يعود إلى مفهوم الصراع الذي نشأ بين مصطلحي (القديم والجديد ) والذي نما بفعل توسع حركة الترجمة وكذلك البعثات التعليمية التي كانت ترسل إلى الغرب ،
والذي يهمنا من هذا الأمر:
أن المجتمعات تنتقل مرحليا من حالٍ إلى حال وهو إنتقال حتمي تساهم فيه عوامل اليقظة والتطور وخصوصا تلك الهزات العنيفة التي تتركها الحروب أو أنظمة حكم معينة فالقديم لايعني الوجه المظلم والجديد برمته لايعني الوجه المضئ ،
إنما الجديد يعني التقبل والإستيعاب والإفادة من المنجز
لقد تخلصت الثقافة العربية من عقدة (الراعي ) أو عقدة (الخضوع ) والتي كان رواد القديم يرددونها على أسماع العامة وكان الفهم (العنصري) للبعض من رواد الثقافة العربية في تلك المرحلة قد ساهم وساعد على دعوات التنافر والضدية من الثقافات الأخرى في الوقت الذي كانت فيه الثقافة العربية الإسلامية أثناء الفتح الإسلامي ومع قيام الدولة الإسلامية تنتهج نهجا أمميا في التعرف بالثقافات الأخرى ومزاوجتها، كما أن الثقافة العربية ثقافة غير مغلقة كونها من الثقافات الشمولية وليست بثقافةٍ ذات بُعد واحد ،
ولاشك أن الصراع السياسي ونمو الطبقات المسحوقة وأنتقال بعضها الى الطبقات الوسطى والصراع الطبقي بين تلك الطبقة والطبقة المتنفذة (الإقطاع – أصحاب النفوذ – الاستعمار ) خلق المرتكزات الأولية للإنصات من قبل (القديم ) إلى ( الجديد ) بل وجعل الجديد بالمقابل ينصت الى القديم ويجد فيه شيئا ما يسد بعض جوانب حاجاته بعد إنتشار حركة الترجمة والإستشراق ،
لقد تطورت فيما بعد المصطلحات وظهرت نظريات جديدة في الفن والأدب والإقتصاد والإجتماع ولازالت ليومنا هذا تظهر نظريات أخرى ومعارف لم تكن
حاضرة سابقا في الأذهان وهو دليل على وجود مقومات الخلق والإبداع في العقل البشري وكل مرحلة رغم احتفاظها بخصائصها فلاشك بأن المرحلة اللاحقة ستزيل منها ماتزيل وتضيف إليها ماتضيف ،،