والزبــــــد وما طفى ..
و ما طعــم الخـــبز بدون …. الكرامـــــــــــة ..؟.
لاتسقني ماء الحيـــاة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظـــل
ماء الحياة بذلــــــة كــجهنم وجهنم بالعـــــز أطيب منـــــزل
” عـنتر بن شـــداد “
يروى أن معاوية بن أبي ســفيان , سئل : ما النبــــل .؟ . فقال : الحلـــم عند الغضب , والعفــــو عند المقـــــدرة . والنبــل , في كل المعاني .. السمو والرفعة والرقي .. و نزاهـــة النفس , ونقاء الضمـــير , والنأي عن كل ما يدنس الخلق الكريـــــــــــــــــــــم .
صن النفس وأحملها على ما يزينها تعش سالما والقول فيك جميــــل
ولا ترين الناس الا تجمـــــــــــــــلا نبـــا بك دهــر أو جفاك خــــليل
” الأمام علي ـ رض “
هذا هو ” النبـــــل ” .. فأين منه ومن ” نبـــل .. !!! ” , الذين جاؤوا مع المحتل ونابوا عنه ” سياسيين ومعممين ” . وحققوا للمحتل ما لم يكن يحلم بتحقيقــه , كما لم يكن بأمكانه انجازه , بالشكل الذي انتهى اليه الحــــال . وعلى مايرام وأكــــــــــــــــــثر .
هل ” النبــل ” هو شن هذه .. ” الحملة الكارثية , الطائفية ” بشكل خاص , ووضع النــــــــــاس بين ” مطرقة المحتل الغاشم ” في كل ما يتطلع اليه من مصالح وأطماع , وبين ” سندان الجار الحاقــد ” الـــــــذي ” ركب مركب الطائفية ” في وهم مريض هو تصور امكان العودة الى تحقيق ” أمجاد أمبراطورية فارسية ” , كانت في الماضي , كما كان حـال العديد من ” الأمبراطوربــات ” التي انتهت مع هذا الماضي وانـــــــدثرت . وكل عودة الى التفكير بها .. لايمكن أن يدخل الا في باب ” أضغاث الأحـــلام ” . فقــد اختلف الزمــــــــــــــان , وأختلف الأنســـــــــــــــان .
الحلـــم .. ـ بضم الحاء ـ عقـــل وحكمـــة , والصــبر الجميـــــــل .. حلـــــوا , وان كــــان مــــر . ولكن , لكل حال مقام ومقال , في الأحكــام والآجــال والمــآل . تبدأ منها وتنهي اليها … ولا تقف عنــدها . فالحلم .. مع الظلم والجـــور والطغيــان , بلا … حــدود , ضعف وجبن وذل . والصــبر الى ما لا نهايـــــة .. مــر , علقـــم , لايطاق , ولايمكن أن يكون حلوا ولا بأي شكل وحال . فهو خنوع وعبوديــة , واستخفاف واستهانة بأنســانية الأنســــان , الذي كرمه ” الخالق المبدع ” على كل المخلوقــــــــــــــــــات . بقــــــــــوله تعـــــــــــــــــالى : ” ونفخنــــا فيه من روحنــا ” بمعنى أودعنا فيه شيئا من ” ذاتنا ” جلت قدرتــه . وقوله ” وخلقنــا الأنسان في أحسن تقويم ..” . بهذا فأي أمر في هذا المجال وعند حدود ما يتجاوز الحــد , لا يمكن أن يكون الا تعبيرا على عدم احــترام تقدير الخالق العظــيم . في اعتزازه بخلقــــه , وهــــذا كفـــــــر وشــــرك والحــــاد .
مضى أكثر من عقــــد . وذاق الناس كل أنواع الويــــــل والثبـــور . وتحملــوا ما تنــؤء بحمله الجبال , وليس من المحتل على ما ذاقـــوا منــه , بقـــــــدر ما كان من ” ظلم ذوي القربى ” . وهو أشـــــد مـــرارة . وطفى .. ما طفى .. من كل ما هو معيب ومخجل ومؤسف , من جهل وتخلف وتردي …., وصولا الى ما وصل اليــــــــــــه الحال بما هو عليه اليــوم . بما ليس له هناك من زائد لمزيـــــد . .. ” فقــــــد طمى الخطب حتى غاصت الركــــــب ” . وانها لمن بعض الحسنات رغم قسوة كل ما حصل أن يطفو الذي طفى … والذي ما كان له ليطفو لولا أن كشفت النفوس الضعيفة عن مكنوناتها الرخيصة والمعيبـــة في معادنهـــا الرديئــة .. , وهذا مما تأتي به عدالة الســـماء والحــــياة , ليكون اكتساح كل هذا الردئ الذي ظهر على السطح كي لايبقى له أثر من دنس على الأرض الطيبـــــة . ” أما الزبد فيذهب جفـــاء وأما ما ينــــــفع فيمكث في الأرض ” .
لماذ ..الثـــــورة .. ولماذا .. يثـــور الناس ؟. الثــــورة .. ابتــداءا : نوع من أنواع ” الرفض ” بدرجة عالية , فاعلة وسامية , والرفض لايأتي الا عندما يكون هناك أمر لابد من رفضـــه , وليس هناك من شيئ يمكن ان يواجه بالــــــــــــرفض كـ ” الظلـــــم ” , والظلم بكل أنواعه وأشكاله وآثــــــاره . وهـــــو , على حالين , في اختصار ما يمكن أختصاره . الأول : معنوي .. وأول الأولويات فيه … ” النيــل من الكرامــــــة “. والثاني : مادي , وأول أولويــاته … ” الحرمــان من الخـــبز ” .
و .. ” الخبز مع الكرامــة ” حالة متلازمة , مع سبق في التفضيل للكرامة على الخبز . ذلك , وأن كان بالأمكان العيش بالخبز , ولكن ما طعم هذا الخــبز , بدون كرامة . سيكون خــبزا بلا نكهة ولاطعم ولا رائحــة تلك الرائحــة التي تـتــــفتح لها .. ” خلايـــــا الروح والجســـد ” والتي لايعرفها حق معرفتها الا ” جائع ” وهو يتناول ” رغيف خبز خرج للتـــو يلهث من تنــــور ” والتي بدونها لايكون ـ الخـــــــــــــبز ـ الا بما هو أقـــــــــــرب من .. ” العلـــــف ” بما يقدم لــ ” بهيـــمة الأنعـــام ” منه ” خـــبزا ” , وبهذا لا يكون الأمر الا استهانة بالأنسان وبأنسانيته , ولـــذا .. تأنفـــــــــه الكرامــــــــــــــة . عليــــــه تظل ـ الكرامة ـ هي الباقيــــة في صدارة الحكم بكل معيــــــــــــــــار . ومن هنا الرفض , فلا شيئ , يجاز له العبور بدون … الكرامــــــــــــــــة .
من مأثور ما جاء عن الصحابي أبا ذر الغفـــــاري .. قولـــــه : ” عجبت مما لايجد قوت يومه كيف لايخرج الى الناس شـــاهرا ســـــيفه ” . ولم يقل .. ” …. مادا يده مســـــتجديا ” . وانما أكـــــــد على ” …… شـــاهرا سيــفه ” . فالحالة الأولى .. ذل . والثانية .. كرامـــــــــــــــة . وبهذا فلا يجوز … قبول الخبز بدون الكرامـــــــــــــــة .
على مدى عقـــــد من البؤس .. وما تلاه , في ظل ما جاء به المحتل وما أوكله لوكلاءه وعملاءه ومرتزقته وأذلاءه ومنافقيــــــــــــــــــــــــه ……. , أين هو .. ” الخــبز ” في ” أغنى بلـــــد في العالـــم ” . وأين هــــــــــــــــــــــي ” الكرامـــــــــــــــــــة ” في عراق المجـــــد والحضـــــــــــــــارات ..؟.
لابـــد من وقفة , وان على عجــــل . ومن أجل التذكير بأمر له مكانته وأهميته .. وهو موضوع ” الأمن “. نعم هذا الرديف لـ ” الكرامــة ” . والذي يجب أن يتوفر كي يكون ” للخــبز مع الكرامة … طعم ونكهة “, وهو .. ” الأحساس بالأمن والأمان ” . فعن أي حال من حالات ” الأمن ” يمكن الحديث وعلى مدى كل الأعوام التي تلت ” الحرب الجريمة والأحتلال الغاشم” الى اليوم . ففي ظل حال فقــــدان ” الأمن ” وحالة الخوف المصاحب كهاجس غير مفارق , كالظل الملازم . الكامن كمون هذا النوع الغريب من الرعب الرهيب في الداخل , والمتغلغل في أعمق أعماق العقل الباطن وغير الباطن بما هو غامض ومفاجئ , ففي أي لحظة يمكن أن يأتي الموت … حاملا منجلـــــه , ليس له توقيت , ولا يعرف من أين يأتي , ولا الى أين يذهب , فهو يأتي ويذهب بدون مقدمات . فهو محيط وحاضــــــر , ومتنوع في وسائله وأساليبه يأتي مفاجئا وصاعقا . فهل يمكن أن يكون هناك أكثر قلقلا ورعبا , استفزازا واستنفارا .. وحتى تطـــــيرا , من الوقوع في حال هذه حالهــــــــــــا .
واجه الناس كل غريب , أغرب , والأغرب … والعجيب والأعجب .. وما بعده . ولم يبق أمامهم الا ” العودة بطفرة وراثية راجعة ” ـ الى الخلف ـ بعكس اتجاه نظرية .. التطور والنشوء لـ ” دارون ” فقد أصبحت متخلفة وعاجزة تفسير وتعليل لمستجدات لم يكن لتطرأ على بــــال . وذلك بتقدير امكان تكييف الأنسان في القدرة على ” الأجــترار ” . وهي حال ما اختصت به ” بهيمة الأنعـــام ” بحكم ما جاءت به ” الطبيعة ” لمواجهة متطلبات العيش في ” شريعة الغاب “. وما يصاحب الصراع من أجل البقـــاء من الشعور بالخوف الملازم بالغريزة . لذا فهي ترعى على عجــــــل , لتـــــــــــعود الى ” اجــــترار ” ما رعت , بعد أن تطمئن الى حالهـــــا بما يتوفر لها من أمــــان . وبقي الأنسان … لايـأتيه ” الأجــترار ” الا في حالة أرقى , وذلك في محاولة استعادة اللحظات الحلــــوة من عمــــره , في آفاق الفــكر والخيــال , والذي تبقى فيه هذه اللحظات هي من حال ما قل ونــــــــــــدر . ويختصر فيها الحديث مثل معبر .. مثالا .. ” اذا ضامك الضيم تذكر أيام عرســــــك ” وهي واحدة من حالات الأستعادة ـ الأجــترار . فهل يمكن ان يصل بنا الحال الى تمني .. ” أمنية دارونية راجعة ” بأن تمنحنا ” الطبيعة ” عــطفا على ما آل اليه حــــــــالنا , أن تمكننا من ” الأجــــترار ” على ما هي علــــــــــــــــيه ” الأنعــــام ” لنعود الى ” تذوق طعم الخـــــبز ” في ” لحظة أمــــــان ” نسرقها من زمن الفوضى والضياع والجنــــون ….. هل هذا ما يراد بنا الوصول اليـــه . نعــــم .. نعرف انه هــــو , وهـــــذا الذي لن يكـــــــــون ” . عفـــوا …. انها شــطحة خيال علمي متراجع الى ما قبل خلق الأنســـــان . في زمن الحضارة الســـقيمة .
فهل بعد كل هـــذا يمكن أن نسأل لمـــــاذا … نثـــــور . واذا ثرنـــــــــا فنحن حالة من حالات الأرهــــــــاب , فاذا كنا ونحن بهــذه الحال ارهابيـــــون فليمجــد .. الأرهــــاب , وتعسا لكل ادعاء بالحضـــارة والتقدم والرقي الذي لايعرف المعنى الحقيقي للحريــــــــــــــــــة . .
رغم كل ما حصل , ورغم كل مأصابنــــا .. بما تعجز اللغة , كل اللغـــــــــــات , عن التعبير في وصفــــه , لن نركب مركب الحقــــد ولا حتى الغضب … واذا ما كان لنا أن نغضب فلن يكون غضبنـــا الا غضب الحـلـــــــــــــيم . ولن تكون ” ثورتنــــا الا نبيلــــة ” . وسنثبت للعالم أجمع أنها هي ” الثــــورة النبيلــــــــة ” الأولى من نوعهــــا في التــــــاريخ .